(
إلى الرجال تحريم الاسبال)
الخطبة الاولى
إن الحمد لله...
قال
تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي
سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ
اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ).
يُخْبِرُ
اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ امْتَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِمَا يَسَّرَ لَهُمْ مِنَ اللِّبَاسِ
الضَّرُورِيِّ، وَاللِّبَاسِ الَّذِي الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْجَمَالُ، وَمُكَمِّلُ
ذَلِكَ، وَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ، وَإِنَّمَا أَنْزَلَهُ
اللهُ لِيَكُونَ مَعُونَةً لَهُمْ عَلَى عِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ، وَلِهَذَا قَالَ:
{وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} مِنَ اللِّبَاسِ الْحِسِّيِّ، فَإِنَّ لِبَاسَ
التَّقْوَى يَسْتَمِرُّ مَعَ الْعَبْدِ، وَلاَ يَبْلَى وَلَا يَبِيدُ، وَهُوَ جَمَالُ
الْقَلْبِ وَالرُّوحِ.
وَأَمَّا
اللِّبَاسُ الظَّاهِرِيُّ، فَغَايَتُهُ أَنْ يَسْتُرَ الْعَوْرَةَ الظَّاهِرَةَ، فِي
وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، أَوْ يَكُونَ جَمَالًا لِلْإِنْسَانِ، وَلَيْسَ وَرَاءَ
ذَلِكَ مِنْهُ نَفْعٌ.
عَنْ
أَبِي ذَرٍّ -رَضِىَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: «ثَلاَثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمُ.
قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ r ثَلَاثَ مِرَارٍ. قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا! مَنْ هُمْ
يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ
الْكَاذِبِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: الْمُسْبِلُ إِزَارَهُ.
قَرَأَهَا
r ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَإِنَّمَا فَعَلَ هَذَا مِنْ أَجْلِ أَنْ يَنْتَبِهَ
الْإِنْسَانُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ إِذَا جَاءَ مُجْمَلًا وَلَا سِيَّمَا مَعَ التَّكْرَارِ
يَنْتَبِهُ لَهُ الْإِنْسَانُ، حَتَّى إِذَا جَاءَهُ التَّفْصِيلُ وَالْبَيَانُ وَرَدَ
عَلَى نَفْسٍ مُتَشَوِّقَةٍ تَطْلُبُ الْبَيَانَ، فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: يَا رَسُولَ
اللهِ خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنَفِّقُ
سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ.
فَالْأَوَّلُ
الْمُسْبِلُ: يَعْنِي الَّذِي يَجُرُّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ.
وَإِسْبَالُ
الثِّيَابِ يَقَعُ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: أَنْ يَجُرَّ الثَّوْبَ
خُيَلَاءَ. الْوَجْهِ الثَّانِي: أَنْ يُنْزِلَ الثَّوْبَ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ
مِنْ غَيْرِ خُيَلَاءَ؛ أَمَّا الْأَوَّلُ: وَهُوَ الَّذِي يَجُرُّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ؛
فَإِنَّ النَّبِيَّ r ذَكَرَ لَهُ أَرْبَعَ عُقُوبَاتٍ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ:
لَا يُكَلِّمُهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ -يَعْنِي: نَظَرَ
رَحْمَةٍ-، وَلَا يُزَكِّيهِ، وَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ. أَمَّا مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ
خُيَلَاءَ فَعُقُوبَتُهُ أَهْوَنُ؛ فَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا أَسْفَلَ
مِنَ الْكَعْبَيْنِ فَفِي النَّارِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ,
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ عُثَيْمِينَ رَحِمَهُ اللهُ: (وَلَمْ يَذْكُرْ إِلَّا عُقُوبَةً
وَاحِدَةً، ثُمَّ هَذِهِ الْعُقُوبَةُ أَيْضًا لَا تَعُمُّ الْبَدَنَ كُلَّهُ، إِنَّمَا
تَخْتَصُّ بِمَا فِيهِ الْمُخَالَفَةُ وَهُوَ مَا نَزَلَ مِنَ الْكَعْبِ، فَإِذَا
نَزَلَ ثَوْبُ الْإِنْسَانِ أَوْ مِشْلَحُهُ أَوْ سِرْوَالُهُ إِلَى أَسْفَلَ مِنَ
الْكَعْبِ؛ فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى هَذَا النَّازِلِ بِالنَّارِ، وَلَا يَشْمَلُ
النَّارُ كُلَّ الْجَسَدِ إِنَّمَا يَكْوِي بِالنَّارِ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ بِقَدْرِ
مَا نَزَلَ، وَلَا تَسْتَغْرِبْ أَنْ يَكُونَ الْعَذَابُ عَلَى بَعْضِ الْبَدَنِ
الَّذِي حَصَلَتْ فِيهِ الْمُخَالَفَةُ؛ فَإِنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى أَصْحَابَهُ تَوَضَّؤُوا وَلَمْ
يُسْبِغُوا الْوُضُوءَ؛ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ
النَّارِ». فَهُنا جَعَلَ الْعُقُوبَةَ عَلَى الْأَعْقَابِ، يَعْنِي: الْعَرَاقِيبَ
الَّتِي لَمْ يُسْبِغُوا وُضُوءَهَا) اهـ.
وَإِسْبَالُ
الثِّيَابِ وَالْمَشَالِحِ وَالْبْنَاطِيلِ مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى بَيْنَ
كَثِيرٍ مِنَ الرِّجَالِ عَلَى الْعَكْسِ مِنَ النِّسَاءِ فَأَصْبَحَ بَعْضُهُنَّ
تُقَصِّرُ ثَوْبَهَا إِلَى فَوْقِ الْكَعْبَيْنِ، وَرُبَّمَا تَزِيدُ عِيَاذًا بِاللهِ
إِلَى نِصْفِ السَّاقِ أَوِ الْفَخِذِ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
وَمُتَنَاوَلٌ فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ.
وَإِسْبَالُ
الثِّيَابِ حَرَامٌ، سَوَاءً أَكَانَ لِخُيَلَاءَ أَمْ لِغَيْرِ خُيَلَاءَ، بَلْ هُوَ
مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ؛ لِأَنَّ كَبَائِرَ
الذُّنُوبِ: كُلُّ ذَنْبٍ جَعَلَ اللهُ عَلَيْهِ عُقُوبَةً خَاصَّةً بِهِ، وَهَذَا
عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ خَاصَّةٌ، فَفِيهِ الْوَعِيدُ بِالنَّارِ إِذَا كَانَ لِغَيْرِ
الْخُيَلَاءِ، وَفِيهِ وَعِيدٌ بِالْعُقُوبَاتِ الْأَرْبَعِ إِذَا كَانَ خُيَلَاءَ:
لَا يُكَلِّمُهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَلَا يُزَكِّيهِ،
وَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ.
وَالثَّانِي
مِنَ الْأَعْمَالِ الْقَبِيحَةِ: (الْمَنَّانُ) الَّذِي يَمُنُّ بِمَا أَعْطَى، إِذَا
أَحْسَنَ إِلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ جَعَلَ يَمُنُّ عَلَيْهِ: فَعَلْتُ بِكَ كَذَا، وَفَعَلْتُ
بِكَ كَذَا. وَالْمَنُّ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ هَذَا الْوَعِيدَ،
وَهُوَ مُبْطِلٌ الْأَجْرَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: )يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى(.
الخطبة الثانية
وَالثَّالِثُ: الْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ
الْكَاذِبِ، يَعْنِي: الَّذِي يَحْلِفُ وَهُوَ كَاذِبٌ لِيَزِيدَ ثَمَنَ السِّلْعَةَ
فَيَقُولُ: وَاللهِ لَقَدِ اشْتَرَيْتُهَا بِعَشَرَةٍ وَهُوَ لَمْ يَشْتَرِهَا إِلَّا
بِثَمَانِيَةٍ، أَوْ يَقُولُ: أُعْطِيتُ فِيهَا عَشَرَةً وَهُوَ لَمْ يُعْطَ فِيهَا
إِلَّا ثَمَانِيَةً، فَيَحْلِفُ عَلَى هَذَا، فَهَذَا مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ هَذِهِ
الْعُقُوبَاتِ الْأَرْبَعَ: لَا يُكَلِّمُهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ
إِلَيْهِ، وَلَا يُزَكِّيهِ، وَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ. نَسْأَلُ اللهَ الْعَافِيَةَ.
وَدَخَلَ
شَابٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يُثْنِي
عَلَيْهِ مَعَ النَّاسِ حِينَ طُعِنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَلَمَّا أَدْبَرَ إِذَا
إِزَارُهُ يَمَسُّ الْأَرْضَ، فَقَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ الْغُلَامَ، فَرَدُّوهُ عَلَيْهِ،
فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي ارْفَعْ ثَوْبَكَ، فَإِنَّهُ أَبْقَى لِثَوْبِكَ، وَأَتْقَى
لِرَبِّكَ. فَائِدَتَانِ فِي رَفْعِ الثَّوْبِ يُنَبِّهُ عَلَيْهِمَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: بَقَاءُ الثَّوْبِ؛ حَيْثُ لَا تُتْلِفُ الْأَرْضُ
أَسْفَلَهُ. وَتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}.
ثم
صلوا وسلموا......
ولمزيد
من خطب الشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |