خطبة
عيد الأضحى 1441
إن الحمد
لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله
فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد
أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
الله
أكبر الله أكبر الله أكبر, الله أكبر الله أكبر الله أكبر, الله أكبر الله أكبر الله
أكبر, لا إله إلا الله , الله أكبر الله أكبر ولله الحمد , الله أكبر كبيراً, والحمد
لله كثيراً . أما بعد:
فيا أيها
المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله سبحانه، فاتقوه في المنشط والمكره، والغضب والرضا،
والخلوة والجلوة.
أيُّهَا
الْمُسْلِمُون: الْيَوْمُ يَوْمُ النَّحْرِ، وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ،
وَهُوَ أَفْضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ، وَأَكْثَرُ أَعْمَالِ الْحُجَّاجِ تَكُونُ
فِيهِ؛ كَرَمْيِ الْجِمَارِ، وَذَبْحِ الْهَدْيِ، وَحَلْقِ الرَّأْسِ، وَطَوَافِ
الْحَجِّ وَسَعْيِهِ ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ
وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الْحَجِّ: 29]. وَأَهْلُ
الْأَمْصَارِ يَتَقَرَّبُونَ لِلَّهِ تَعَالَى بِهَذِهِ الصَّلَاةِ الْعَظِيمَةِ،
ثُمَّ يَذْبَحُونَ ضَحَايَاهُمْ، وَيَأْكُلُونَ مِنْهَا وَيُهْدُونَ
وَيَتَصَدَّقُونَ، وَيَمْتَدُّ وَقْتُ الذَّبْحِ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ
يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي
الْحِجَّةِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ تَعَالَى، يُشْرَعُ
فِيهَا التَّكْبِيرُ، فَكَبِّرُوا اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي
أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾
اليوم عيدنا؛ فافرحوا به وأظهروا الفرح
والسرور والسعادة على مُحيَّاكم[ قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ] قال ابن
حجر رحمه الله (وفيه أن إظهار الفرح والسرور في العيدين من شعائر الدين ) واكتفينا
من السلام بالنظر حتى نعود بحذر، لكن لا يمنع مقابلة الأحبة والأخوة والأصحاب
بالترحيب والتهنئة، والابتسامة بكل حب وترحاب، وإن لم تتصافح أكفُّنا، فلتتصافَ
قلوبنا. ومع ذلك فأمر المؤمن كلهله خير
إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له فالحمد لله من
قبل ومن بعد .
معاشر
المؤمنين يقول تعالى : {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ
وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا
يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا
فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} .
قال
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا}
قَالَ: مَا مِنْ شَجَرَةٍ فِي بَرٍّ وَلَا بَحْرٍ إِلَّا وَمَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهَا
يَكْتُبُ مَا يسْقُطُ مِنْهَا، وَقَوْلُهُ: {وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ
الْأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} قال عبد الله
بن الحارث: مَّا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ وَلَا مَغْرَزِ إبرة إلاّ وعليها
مَلَكٌ مُوَكَّلٌ يَأْتِي اللَّهَ بِعِلْمِهَا : رُطُوبَتِهَا إِذَا رطبت ويبوستها
إذا يبست.
هذه
الآية العظيمة، من أعظم الآيات تفصيلا لعلمه المحيط، وأنه شامل للغيوب كلها، التي
يُطلع منها ما شاء من خلقه. وكثير منها طوى علمه عن الملائكة المقربين، والأنبياء
المرسلين، فضلا عن غيرهم من العالمين، وأنه يعلم ما في البراري والقفار، من
الحيوانات، والأشجار، والرمال والحصى، والتراب، وما في البحار من حيواناتها،
ومعادنها، وصيدها، وغير ذلك مما تحتويه أرجاؤها، ويشتمل عليه ماؤها.
{وَمَا
تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ} من أشجار البر والبحر، والبلدان والقفر، والدنيا والآخرة
{إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ} من حبوب الثمار والزروع،
وحبوب البذور التي يبذرها الخلق؛ وبذور النوابت البرية التي ينشئ منها أصناف
النباتات.
{وَلا
رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ} هذا عموم بعد خصوص {إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} وهو اللوح
المحفوظ، قد حواها، واشتمل عليها، وبعض هذا المذكور، يبهر عقول العقلاء، ويذهل
أفئدة النبلاء، فدل هذا على عظمة الرب العظيم وسعته، في أوصافه كلها.
وأن
الخلق -من أولهم إلى آخرهم- لو اجتمعوا على أن يحيطوا ببعض صفاته، لم يكن لهم قدرة
ولا وسع في ذلك، فتبارك الرب العظيم، الواسع العليم، الحميد المجيد، الشهيد،
المحيط.
وجل
مِنْ إله، لا يحصي أحد ثناء عليه، بل كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه عباده،
فهذه الآية، دلت على علمه المحيط بجميع الأشياء، وكتابه المحيط بجميع الحوادث.
ثم
تأمّل خطاب الْقُرْآن تَجِد ملكا لَهُ الْملك كُله وَله الْحَمد كُله أزِمَّة
الْأُمُور كلهَا بِيَدِهِ ومصدرها مِنْهُ ومرادها إِلَيْهِ مستويا على سَرِير ملكه
لَا تخفى عَلَيْهِ خافية فِي أقطار مَمْلَكَته عَالما بِمَا فِي نفوس عبيده مطّلعا
على أسرارهم وعلانيتهم مُنْفَردا بتدبير المملكة يسمع وَيرى وَيُعْطِي وَيمْنَع
ويثيب ويعاقب وَيكرم ويهين ويخلق ويرزق وَيُمِيت ويحيي وَيقدر وَيَقْضِي ويدبّر
الْأُمُور نازلة من عِنْده دقيقها وجليلها وصاعدة إِلَيْهِ لَا تتحرك فِي ذرّة
إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تسْقط ورقة إِلَّا بِعِلْمِهِ فتأمّل كَيفَ تَجدهُ يثني
على نَفسه ويمجّد نَفسه ويحمد نَفسه وَينْصَح عباده ويدلّهم على مَا فِيهِ سعادتهم
وفلاحهم ويرغّبهم فِيهِ ويحذّرهم مِمَّا فِيهِ هلاكهم ويتعرّف إِلَيْهِم بأسمائه
وَصِفَاته ويتححب إِلَيْهِم بنعمه وآلائه فيذكّرهم بنعمه عَلَيْهِم وَيَأْمُرهُمْ
بِمَا يستوجبون بِهِ تَمامهَا ويحذّرهم من نقمه ويذكّرهم بِمَا أعد لَهُم من
الْكَرَامَة إِن أطاعوه وَمَا أعد لَهُم مَا الْعقُوبَة إِن عصوه ويخبرهم بصنعه
فِي أوليائه وأعدائه وَكَيف كَانَت عَاقِبَة هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء ويثني على
أوليائه بِصَالح أَعْمَالهم وَأحسن أوصافهم ويذم أعداءه بسوء أَعْمَالهم وقبيح
صفاتهم وَيضْرب الْأَمْثَال وينوّع الأدلّة والبراهين ويجيب عَن شبه أعدائه أحسن
الْأَجْوِبَة وَيصدق الصَّادِق ويكذب الْكَاذِب وَيَقُول الْحق وَيهْدِي
السَّبِيل.
الله
أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
بارك
الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول
ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائِر المسلمين من كلّ ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة
الثانية :
الحمد
لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يُحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله
وأصحابه أجمعين. أما بعد:
أيها
الناس: اجتمع لكم في هذا اليوم عيدان (عيد الأضحى ويوم الجمعة ) واقتضت سنة النبي
صلى الله عليه وسلم أن من صلى العيد سقطت عنه صلاة الجمعة ويصليها ظهراً في بيته
إذا دخل وقت الظهر وإن شاء صلى الجمعة مع المسلمين فهذا أكمل وأفضل هذا في حق
المأموم أما الامام فيجب عليه صلاة العيد وصلاة الجمعة وبذلك أفتى علماء اللجنة الدائمة
للبحوث العلمية بالسعودية.
اللهم
إنا نسألُك الجنَّة وما قرَّبَ إليها مِن قولٍ أو عملٍ، ونعوذُ بك من النارِ وما قرَّبَ
إليها مِن قولٍ أو عملٍ برحمتِك يا أرحم الراحمين. اللهم أعِنَّا على ذِكرِك وشُكرِك
وحُسن عبادتِك، اللهم أعِنَّا على ذِكرِك وشُكرِك وحُسن عبادتِك يا رب العالمين. اللهم
لا تكِلنا إلى أنفُسِنا طرفةَ عينٍ، وأصلِح لنا شأنَنا كلَّه.
اللهم
طهِّر قلوبَنا مِن النِّفاق، وأعمالَنا مِن الرِّياء، وأعيُننَا مِن الخيانة يا ذا
الجلال والإكرام. اللهم إنا نعوذُ بك من سُوء القضاء، وشماتَة الأعداء، ودرَكِ الشَّقاء،
وجَهدِ البلاء. اللهم إنا نعوذُ بك مِن الهمِّ والحزَن، والجُبن والبُخل، والعَجز والكسَل،
ونعوذُ بك اللهمَّ مِن غلَبَة الدَّين وقَهرِ الرِّجال.
اللهم
ارفَع عن المُسلمين ما أصابَهم، اللهم ارفَع عنهم ما أصابَهم، اللهم اكشِف عنهم البلاء
والضرَّاء، اللهم ارحَم ضعفَهم، واجبُر كسرَهم يا رب العالمين.
اللهم
وفِّق ولي أمرنا لما تُحبُّ وترضَى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك، وأعِنه
على كل خيرٍ يا رب العالمين، وسدِّد آراءَه، اللهم وفِّقه ووفِّق بِطانتَه لما تُحبُّ
وترضَى برحمتِك يا أرحم الراحمين. اللهم احفَظ بلادَنا، اللهم احفَظ بلادَنا وحُدودَنا
مِن كل شرٍّ ومكرُوهٍ يا رب العالمين، اللهم عليك يا ذا الجلال والإكرام بمَن كادَ
للإسلام والمُسلمين برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم
اغفِر لأمواتِنا وأمواتِ المُسلمين، اللهم اغفِر لأمواتِنا وأمواتِ المُسلمين يا ربَّ
العالمين، اللهم نوِّر عليهم قبورَهم، اللهم ضاعِف حسناتهم، وتجاوَز عن سيئاتِهم. اللهم
صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وللمزيد
من الخطب السابقة لعيد الأضحى تجدها هنا:
http://islamekk.net/play.php?catsmktba=1460 |