رفع القدر في سلامة الصدر
الحمد لله الذي جعل الأخلاق من الدين، وأعلى بها شأن
المؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن
نبينا محمدا عبد الله ورسوله الصادق الأمين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الغرِّ الميامين، وعلى مَن تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:-
عباد الله: اتقوا الله تعالى حقّ تقواه، وزيّنوا قلوبكم وأعمالكم بتقواه،
وتزوّدوا بها ﴿ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.
ثم اعلموا أيها المؤمنون: أنه لا نجاةَ ولا فلاحَ للعبدِ يومَ القيامةِ، إلا
بأن يقدمَ على مولاه بقلبٍ طيِّبٍ سليمٍ، كما قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ
مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ وصاحبُ القلبِ
السليمِ هو الذي سلمَ صدرُه وعوفي فؤادُه من الشِّركِ والغلِّ والحقدِ والحسدِ
والشحِّ والكِبْرِ وحبِّ الدينارِ والرياسةِ، فسلم من كلِّ آفةٍ تبعدُ عن اللهِ
تعالى. وأن الحساب يوم القيامة على ما في قلبك والبدن يتبع قال تعالى (يوم تبلى السرائر ) وقال: (وحصل ما
في الصدور) , اسمعوا ماذا يقول ربنا في دعاء المؤمنين لإخوانهم (والذين جاءوا من
بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا
غلا للذين آمنوا ) أكبر فوز وأعظم نعيم معجل : سلامة الصدر لأخيك المؤمن – حتى ولو أخطأ عليك-
أما الأحاديثُ، فمنها: قوله صلى الله عليه
وسلم: « لا تباغَضوا ولا تحاسَدوا ولا تدابَروا ولا تقاطعوا، وكونوا عبادَ
اللهِ إخواناً» (متفق عليه ).
ومنها قوله صلى الله عليه السلام
(دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبَغْضَاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق
الشِّعر، ولكن تحلق الدِّين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنَّة حتى تؤمنوا، ولا
تؤمنوا حتى تحابُّوا، أفلا أُنبِّئكم بما يثبِّت ذلك لكم؟ أفشوا السَّلام بينكم)
رواه الترمذي وحسنه الالباني
ولقد ضربَ الصحابةُ رضي الله عنهم أروعَ الأمثلةِ في سلامةِ القلوبِ وطهارةِ
الصدورِ، فكان لهم من هذه الصفةِ أوفرُ الحظِّ والنصيبِ،
حتى إنهم جعلوها سببَ التفاضلِ بينهم، قال إياسُ بن معاوية بن قرة عن أصحابِ
النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "كان أفضلَهم عندَهم أسلمُهم صدراً
وأقلُّهم غِيبةً"، وقد قال سفيانُ بن دينارٍ لأبي بشر أحدِ السلفِ الصالحين: "أخبرني
عن أعمال من كان قبلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيراً ويؤجَرون كثيراً. قال سفيان: ولم
ذاك؟ قال أبو بشر: لسلامة صدورهم".
أيها المؤمنون..
إن سلامةَ الصَّدرِ خصلةٌ من خِصالِ البرِّ عظيمةٌ، ولها فضائل عظيمة
فمن فضائلِ سلامة الصدرِ: أنها صفةُ أهلِ الجنة الذين هم خيرُ أهلٍ ومعشرٍ،
قال تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ
سَلِيمٍ﴾.
ومن فضائلِ سلامة الصدرِ أن صاحبَها خيرُ الناسِ وأفضلُهم ،فإن النبي رضي الله عنه
قد سئل :أي الناس أفضل؟ فقال: «كلُّ مخمومِ القلبِ صدوقُ اللسانِ» قالوا:
فما مخمومُ القلبِ؟ قال صلى الله عليه وسلم :«هو التقيُّ النقيُّ، لا إثمَ فيه ولا
بغيَ ولا غلَّ ولا حسدَ» رواه ابن ماجه وصححه الالباني، فبَدأَ صلى الله عليه وسلم
بالتقوى التي تثمرُ صفاءَ القلوبِ وسلامتَها من الآفاتِ والرذائلِ.
ومن فضائلِ سلامةِ الصدرِ أنها من مُوجباتِ الجنةِ فعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه
قال: كنا جلوساً مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع
رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال، فلما كان اليوم
الثاني قال النبي صلى الله عليه وسلم
مقالته الأولى. فطلع ذلك الرجل، وكذلك في اليوم الثالث. فلما قام
النبي صلى الله عليه وسلم
تبع عبد الله بن عمرو بن العاص ذلك الرجل فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا
أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي؟ فقال: نعم. قال أنس (راوي
الحديث ): وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من
الليل شيئاً غير أنه إذا تقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة
الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً ،فلما مضت الثلاث ليال وكدت
أن أحتقر عمله قلت: ياعبد الله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ولكن سمعت
رسول الله يقول لك ثلاث مرات: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت ثلاث
مرات. فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به. فلم أرك تعمل كثير عمل، فما
الذي بلغ بك ذلك ؟قال: ما هو إلا مارأيت. قال: فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما
رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًّا ولا أحسد أحداً على خير أعطاه
الله إياه. فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق» رواه أحمد وصححه
الامام ابن كثير.
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام ، طهر قلوبنا من
الغل والحسد والشحناء ، اللهم إنا نسألك قلوبا سليمة، أقول ما تسمعون واستغفر الله
لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم..
الخطبة
الثانية:
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:-
عباد الله: إن لسلامةِ الصدرِ أسباباً وطرُقاً لا بدَّ من سلوكِها.
فمن تلك الأسبابِ: الإخلاصُ للهِ تعالى، فعن زيدِ بن ثابتٍ رضي الله عنه
أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثٌ لا يُغِلُّ عليهن قلبُ امرئٍ
مسلمٍ: إخلاصُ العملِ، ومناصحةُ ولاةِ الأمرِ، ولزوم جماعةِ المسلمين» رواه أحمد
وهو حديث حسن ، قال ابن الأثير عند هذا
الحديث: "إن هذه الخلالَ الثلاثَ تستصلح بها القلوبُ، فمن تمسك بها طهر قلبه
من الخيانة والدغل والشر".
ومن أسبابِ سلامةِ الصدرِ: دعاء الله تعالى بأن يرزقك قلبا سليما كما هو ثابت
عن نبينا صلى الله عليه وسلم (وأسالك قلبا سليما)
ومن الأسباب استشعار فضل العفو عن الناس (فمن عفا وأصلح فأجره على الله )
ومن الأسباب : إفشاءَ السلامِ بين المسلمين، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: « والذي نفسي بيدِه لا تدخلوا الجنةَ حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى
تحابوا، أولا أدُلُّكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم».
ومن الأسباب: بيان عقوبة المتشاحنين: أنهما لا ترفع أعمالهم كما في صحيح مسلم (تعرض
الأعمال على الله يوم الاثنين والخميس، فيغفر لكل مسلم لا يشرك بالله شيئا إلا رجل
كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول الله دعوا هذين حتى يصطلحا).
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا
يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنّا سيء الأخلاق لا يصرف عنّا سيئها إلا أنت، اللهم
إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء، اللهم إنا نسألك قلوبا سليمة، اللهم
إنا نسألك قلوبا سليمة، اللهم إنا نسألك قلوبا سليمة، اللهم اجعلنا لك شاكرين.. لك
ذاكرين.. لك راغبين.. لك راهبين. اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وثبت حجتنا،
واهد قلوبنا، ويسر أمورنا، وطهر قلوبنا، واسلل سخيمة قلوبنا، برحمتك يا أرحم
الراحمين.
اللهم ارحم المستضعفين من
المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان،
اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب
العالمين، اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم
واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون
أهل دينك اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن
القوم المجرمين يا قوي يا عزيز، اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك
واجعلهم أنصارا لدينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا
بسوء اللهم فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب
العالمين، اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا واستقرارنا وجماعتنا يا أرحم الراحمين .
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما
أخرنا وما أعلنّا وما أسررنا وما أنت أعلمُ به منا أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت
على كل شيءٍ قدير، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين
والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات. اللهم صلِّ وسلم على
نبينا محمد .
وللمزيد
من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catsmktba-129.html
|