دعوات نبوية جامعة
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
فاتقوا
الله ربكم -أيها الناس- في غناكم وفقركم ، وفي جميع أحوالكم ، واعلموا أنه لا يخفى
عليكم عباد الله أهمية (عبودية الدعاء) وأن العبد مهما بلغ من الكمال البشري إلا أنه
يبقى ضعيفا محتاجا لفاطر السموات والأرض الذي تفضل على عباده بإجابة دعواتهم فقال
( واذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان...الاية) ومن هذه الأدعية
النبوية الكريمة ما رواه لنا الصحابي الجليل عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما
حيث قال:(كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو:(رب أعني ولا تعن علي وانصرني ولا تنصر
علي وامكر لي ولا تمكر علي واهدني ويسر الهدى لي, وانصرني على من بغى علي, اللهم اجعلني
لك شكارا , لك ذكارا , لك رهابا, لك مطواعا
, لك مخبتا , إليك أواها منيبا ,رب تقبل توبتي ,واغسل حوبتي ,وأجب دعوتي, وثبت حجتي,
واهد قلبي, وسدد لساني, واسلل سخيمة صدري). رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه
الالباني
هذا
الدعاء العظيم اشتمل على اثنين وعشرين سؤالاً، ومطلباً هي من أهم مطالب العبد، وأسباب
صلاحه، وسعادته في الدنيا والآخرة
1
– قوله: ((رب أعني)): أي أطلب منك العون، والتوفيق
لطاعتك، وعبادتك على الوجه الأكمل الذي يُرضيك
عنِّي, وأطلب منك العون على جميع الأمور الدينية والدُّنيوية، والأخروية.
2 – قوله: ((ولا تُعن عليَّ)): ولا تمدّ العون لمن
يمنعني عن طاعتك: من النفس الأمّارة بالسوء، ومن شياطين الإنس والجن .
3
– قوله: ((وانصرني))، وهو طلب النصرة، وهي الغلبة، أي في كل أحوالي، [وانصرني] على
الكفار أعدائي، وأعداء دينك، وانصرني على نفسي الأمّارة بالسوء؛ فإنها أعدى أعدائي
﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾([4])،فتضمّن هذا
الدعاء سؤال اللَّه تعالى النصر والظفر على كل الأعداء، سواء كان العدوُّ خارجيَّاً،
أو داخليَّاً.
4
– قوله: ((ولا تنصر عليَّ)): ولا تجعلني مغلوباً، فتسلّط عليَّ أحداً من خلقك, ولا
تنصر النفس الأمارة بالسوء عليَّ، فأتّبع الهوى وأترك الهدى .
5
– قوله: ((وامكُر لي)): المكر هو الخداع، وهو من اللَّه إيقاع بلائه بأعدائه من حيث
لا يشعرون أي أنزل مكرك بمن أراد بي شرّاً وسوءاً، وارزقني الحيلة السليمة، والطريقة
المثلى في دفع كيد عدوي، فأسلم من كيدهم وشرّهم .
6
– قوله: ((ولا تمكر عليَّ)): أي و لا تهدِ عدويّ إلى طريق دفعه إياي عن نفسه, ولا تعاملني
بسوء نيتي، فأغترّ وأتجاوز الحد من حيث لا أشعر فأهلك.
7
– قوله: ((واهدني)): هداية الدلالة والإرشاد
, وهداية التوفيق.
والعبد
حينما يسأل اللَّه تعالى الهداية ينبغي أن يستحضر هذه المعاني، فيقول: دلّني، ووفّقني
لطرق الهداية والمعرفة، ووفّقني لها، ولا أزيغ عنها حتى ألقاك، فتضمّن هذا السؤال التوفيق
إلى فعل الخيرات من الأعمال الصالحات، والعلم النافع، واجتناب المحرّمات .
8
– قوله: ((ويسّر الهُدى إليَّ)): أي سهّل لي اتِّباع الهداية، وسلوك طريقها، وهيّئ
لي أسباب الخير، حتى لا أستثقل الطاعة، ولا أنشغل عن العبادة.
9
- قوله: ((وانصرني على من بغى عليّ)): وانصرني على من ظلمني وتعدّى عليَّ, وهذا تخصيص
بعد العموم في قوله أولاً: ((وانصرني ولا تنصر
عليَّ)), يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: ((دعاء عادل، لا دعاء معتدٍ، يقول:
انصرني على عدوّي مطلقاً))([7])، وهو يدلّ على أهمية النصرة، والظفر على من اعتدى وبغى
بغير حقّ؛ لما في ذلك من سرور القلب، وطمأنينة النفس، وراحة البال من وقاية الأعداء،
والثقة بقدرة اللَّه تعالى ونصره .
10
– قوله: ((اللَّهُمَّ اجعلني لكَ شكَّاراً)) أي كثير الشكر، كما تفيده صيغة المبالغة
في قوله: ((شكَّاراً))، أي اجعلني كثير الشكر في السرّاء والضرّاء في القول، والعمل،
وفي السرّ، وفي العلن على النعماء والآلاء، وفي تقديم الجار والمجرور ((لك)) للدلالة
على الاختصاص، أي أخصّك بالشكر؛ لأنك خالق النعم، ومعطيها، سأل اللَّه التوفيق إلى
الشكر؛ لأن به تدوم النعم.
11
– قوله: ((لك ذكَّاراً)): أي كثير الذكر لك في كل الأوقات، والأحوال قائماً، وقاعداً،
وعلى جنب في الصباح، والمساء، وفي السر والعلن، وفي سؤاله تعالى التوفيق إلى الذكر؛
لأنه هو أفضل الأعمال.
12
– قوله: ((لك رهّاباً)): أي خائفاً منك في كل أحوالي: في ليلي ونهاري، في سفري وفي
حضري، وفي الغيب والشهادة .
13
– قوله: ((لك مطواعاً)): أي كثير الطوع، وهو الانقياد والامتثال والطاعة لأوامرك، والبعد
عن نواهيك .
14
– قوله: ((لك مخبتاً)): أي كثير الإخبات، وعلامته: أن يذلّ القلب بين يدي اللَّه تعالى
إجلالاً وتذلّلاً، أي لك خاشعاً متواضعاً خاضعاً.
15
– قوله: ((إليك أواهاً منيباً)): ((والأوَّاه: هو: كثير التضرّع والدعاء والبكاء للَّه
عز وجل كثير الرجوع إليك من الذنوب والخطايا. وتقديم الجار والمجرور في هذا، والذي
قبله للاهتمام والاختصاص، وتحقيق الإخلاص، أي أخصّك وأخلص لك وحدك.
سأل اللَّه تعالى التوفيق إلى روح العبادات، وأزكاها،
وأسماها، وأهمّها، للقيام بها على الوجه الأكمل، والأمثل، والأتمّ، وكما دلّت الصيغ
( شكاراً، ذكاراً، رهاباً، مطواعاً ...) على كمال الذُّل والعبودية لله تعالى، وأنه
ينبغي للعبد أن يتوسّل إليه تعالى [بأسمائه الحسنى، وصفاه العلا، ويسأله] التوفيق إلى
أفضل الأعمال من العبادات الخالصة له تعالى، فإن ذلك يرجع إليه بعظيم الثواب، ورفع
الدرجات ..
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر
الحكيم ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين ، إن ربي غفور رحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك إله
الأولين والآخرين، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى
آله وصحبه ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
عباد الله: وفي تمام الدعاء قال 16 –: ((ربّ تقبّل توبتي)): أي اجعلها صحيحة بشرائطها،
واستجماع آدابها، وتقبّلها مني .
17 – قوله: ((واغسل حَوْبتي)): أي امسح ذنبي وإثمي، وذكر الغسل ليفيد إزالته بالكلية
.
18 – قوله: ((وأجب دعوتي)): أي أجب كل دعواتي، واجعلها مقبولة عندك مستجابة .
19 – قوله: ((وثبّت حجّتي)): كسابقه يفيد العموم، أي ثبت حُججي، في الدنيا على
أعدائك بالحجة الدامغة، والدعوة والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بالأدلة البينات
الساطعة، وثبّت قولي في الآخرة عند سؤال الملكين في القبر، والحجج هي البيِّنات والدلائل.
20 – قوله: ((واهدِ قلبي)): إلى معرفتك، ومعرفة الحق والهدى والصراط المستقيم،
وإلى كل خير ترضاه، فبهدايته تهتدي كل الجوارح، والأركان في البدن.
21 – قوله: ((وسدّد لساني)): أي صوّب لساني حتى لا ينطق إلا بالحق، ولا يقول إلا
الصدق .
22 – ((واسلُلْ سخيمة قلبي)): أي أخرج من قلبي: الحقد، والغلّ، والحسد، والغشّ،
[والبغضاء للمؤمنين]، وغير ذلك من ظلمات القلب. فالزم هذا الدعاء المبارك الذي فيه
جميع المنافع التي يحتاجها العبد في دينه، ومعاشه، ومعاده، فقد ذكر الحافظ عمر بن علي
البزّار في ترجمته لشيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا الدعاء كان غالب دعائه رحمه اللَّه..
اللهم أعنا ولا تُعن علينا ، وانصرنا ولا تنصر علينا ، وامكر لنا ولا
تمكر علينا ، واهدنا ويسِّر الهدى لنا ، وانصرنا على من بغى علينا .. اللهم اجعلنا
لك شاكرين ؛ لك ذاكرين ؛ إليك أواهين منيبين ؛ لك مخبتين ؛ لك مطيعين .. اللهم تقبل
توبتنا ، اللهم تقبل توبتنا ، اللهم تقبل توبتنا ، واغسل حوبتنا ، وثبت حجتنا ، واهد
قلوبنا ، وسدد ألسنتنا ، واسلل سخيمة صدورنا .
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ، ومن طاعتك ما
تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدنيا ، اللهم متعنا بأسماعنا
وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا
على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا
، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا .
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في
كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء
المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم اكفنا
والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا
رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك اللهم عليك
بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا
عزيز، اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك يا ذا
الجلال والإكرام، وارزقهم بطانة الصلاح وأهل الخير، وأبعد عنهم أهل الزيغ والفساد،
اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا ونسائنا بسوء اللهم فأشغله في نفسه واجعل كيده
في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين
والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات انك سميع قريب مجيب الدعوات..
اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ وليد الشعبان تجدها
هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|