أقسام الذنوب والمعاصي1
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه ومبلغ الناس شرعه فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
معاشر المؤمنين عباد الله اتقوا الله فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه وتقوى الله جل وعلا أساسُ السعادة وسبيلُ الفلاح والفوزِ في الدنيا والآخرة وهي وصية الله جل وعلا للأوّلين والآخرين من خلقه كما قال سبحانه: ﴿ولقد وَصَّينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإيَّاكم أَنِ اتَّقوا الله﴾ النساء:١٣١ ، عباد الله وتقوى الله جل وعلا ليس أمرا يقوله بلسانه ولا دعوى يَدَّعيها وإنما حقيقة تقوى الله جل وعلا العملُ بطاعة الله على نور من الله رجاء رحمة الله وترك معصية الله على نور من الله خيفة عذاب الله فتقوى الله جل وعلا هي طاعته بفعل ما أمر وترك ما نهى عنه وزجر.
ولهذا عباد الله كانت المعصية منقسمةً إلى قسمين فعلٍ للمحظور وتركٍ للمأمور.
تركُ المأمور عباد الله هو الذنب الذي عصى به إبليسُ ربَّه أمره بالسجود فأبى.
وفعلُ المحظور عباد الله هو الذنب الذي فعله آدم نهاه الله جل وعلا عن الأكل من الشجرة فأكل ثم نَدِمَ فتابَ، فتابَ الله عليه.
ولهذا كانت الذنوب منقسمة إلى قسمين إلى فعلِ للمحظور وتركٍ للمأمور وكل ذلك معصية لله جل وعلا .
ثم إن الذنوب عباد الله منقسمة من حيث حجمِها إلى صغائرَ وكبائرَ ولا صغيرةَ مع الإسرار ولا كبيرةَ مع الاستغفار والندمِ والتوبةِ.
وقد جاء القرآن عباد الله في مواضعَ عديدةٍ منه بالتحذير من الكبائر والدعوةِ إلى اجتنابها وبيان ما يترتب على اجتنابها والبعد عنها من الآثار الحميدة والعوائد المباركة في الدنيا والآخرة ففي سورة النساء أخبر الله جل وعلا بتكفيره لسيئات مجتنب الكبائر وإدخاله لهم المدخل الكريم وهو الجنة قال الله تعالى: ﴿ إن تجتنبوا كبائر ما تُنهون عنه نُكفِّر عنكم سيِّئاتكم ونُدخلكم مُدخَلا كريما﴾ النساء:٣١ وفي سورة الشورى ذكر تبارك تعالى في أوصاف عباده المؤمنين الكُمَّل اجتناب الكبائر فقال سبحانه: ﴿والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يَغفرون﴾ الشورى:٣٧، وفي سورة النجم ذكر جل وعلا ما أعده لمجتنبي الكبائر من الرحمة الواسعة وغفران الذنوب فقال جل وعلا: ﴿الذين يجتنبون كبائر الإثم والفَواحشَ إلاَّ اللَّمَم إنَّ ربَّك واسعُ المغفرة﴾ النجم:٣٢.
إن الواجب على المسلم عباد الله أن يجتنب الكبائر واجتنابُها هو فرع العلم بها إذ كيف يجتنبها من لا يعرفها وكما قيل قديما كيف يتقي من لا يدري ما يتقي ولقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام ناصحا لأمته تمام النصح داعيا لها لكل خير ناهيا لها عن كل شر ورذيلة وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام أحاديث متكاثرة ونصوص متضافرة في التحذير من الكبائر وبيان خطورتها وما أعده الله تبارك وتعالى لأهلها من العقوبات في الدنيا والعذاب في الآخرة.
والكبيرةُ عبادَ الله كل ما جاء فيه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة، كلُ نصٍ عبادَ الله كلُّ ذنبٍ عبادَ الله خُتِمَ بلعنة أو وعيدٍ شديد أو دخولِ صاحبه النار أو أنه لا يدخلُ الجنة أو لا يشم رائحتها وكذلك كلُ ذنب قيل عن صاحبه لا يؤمن أو قيل ليس منا فكل ذلك من الكبائر وكذلك ما جاء في السنة التصريح به بأنه من الكبائر وأنه من الموبقات.
ومن ذلكم عباد الله ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات" أي المهلكات سميت موبقات لأنها مهلكات لصاحبها في الدنيا والآخرة قال: "اجتنبوا السبع الموبقات قالوا وما هن يا رسول الله قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات"، وجاء في الصحيحين من حديث أبي بكر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا أُنبِئكم بأكبر الكبائر" قلنا بلى يا رسول الله قال: "الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس ثم قال ألا وشهادة الزور ألا وقول الزور ولم يزل يكررها عليه الصلاة والسلام حتى قال الصحابة ليته سكت"، مر نبينا عليه الصلاة والسلام بقبرين فالتفت إلى أصحابه وقال: "أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير بل إنه كبير أما أحدهما فإنه يمشي بالنميمة بين الناس وأما الأخر فلا يستنزه من البول" تأمل إنهما ليعذبان أي في قبورهما وما يعذبان في كبير أي ما يعذبان في أمر كبير على الناس بل هو أمر سهل يسير مستطاع لكل أحد البعد عنه وتركُه النميمة من السهل على كل أحد أن يبتعد عنها والاستنزاه من البول من اليسير على كل إنسان أن سيتنزه ولكن لما كان حالهما التهاون وعدم المبالاة فعلا هذا الأمر مع أنه ليس بكبير ولما كان يُخشى أن يُظَنَّ أن هذا الأمر ليس من كبائر الذنوب ذكر النبي عليه الصلاة والسلام تعقيبا لذلك ما يزيل ما قد يستشكل فقال: "بلى إنهما لكبير".
فالكبائر عباد الله باب عظيم من الفقه في الشريعة ينبغي على أمة الإسلام أن يُعْنَوْا بهذا الباب تفقها فيه ومعرفة بنصوصه ودلائله وحرصا على البعد عنه واجتنابه ولهذا فإن علماء الأمة في قديم الزمان وحديثه كتبوا في ذلك كتاباتٍ نافعةً ومؤلفاتٍ مسددةً مفيدةً ينبغي على المسلم أن يقرأ بعضها أو واحدا منها ولو مرة في حياته نصحا لنفسه ليتعرف على الكبائر والمحرمات ليتسنى له بذلك اجتنابها والبعد عنها ومن أحسن ما كتبه العلماء في هذا الباب ما كتبه الإمام الذهبي رحمه الله في كتابه العظيم المبارك الكبائر وهو كتاب نفيس جدا ومؤلَّفٌ نافع ينبغي علينا معاشر المؤمنين أن نحرص على اقتنائه وقراءته بنية اجتناب الكبائر بعد معرفتها اتقاء لشرها وبعدا عن أخطارها وأضرارها على العبد المؤمن في دينه ودنياه.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر اللهم واغفر لنا ذنبنا كله دقه وجله أوله وآخره سره وعلنه اللهم اكتب لنا توبة نصوحا يا ذا الجلال والإكرام، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
عباد الله اتقوا الله تعالى تقوى من يعلم أن ربه يسمعه ويراه وأساس العلم خشية الله قال الله تعالى: ﴿إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ﴾ [فاطر: ٢٨] إنما يخشى الله من عباده العلماء وكلما كان العبد بالله أعرف كان لعبادته أطلب وعن معصيته أبعد ومنه تبارك وتعالى أخوف ولهذا عباد الله يحتاج المسلم لصلاح أمره وللبعد عن الذنوب والخطايا أن يتعرَّفَ على الله جل وعلا بمعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العظيمة ومعرفة أنه تبارك وتعالى أحاط بكلّ شيء علما وأحصى كل شيء عددا وأنه تبارك وتعالى يرى عباده ويسمع أقوالهم ويعلم أحوالهم ولا تخفى عليه منهم خافية ومن حدثته نفسه بالمعصية عليه أن يتذكر علمَ الله به واطلاعَه عليه ورؤيتَه له ورؤيتَه لمقامه وحاله حتى وإن كان مستخفيا بالمعصية إذا كان مستخفيا بالمعصية.
عباد الله وفعلها خفية حياء من الناس مستخفيا مِنْهُم بِفِعْلِهاَ فهو أحد رجلين إما أنه يظن أن الله لا يراه وهذا كفر بالله جل وعلا، وإما أنه يعتقد أن الله يراه وبذلك يكون الله أهون الناظرين إليه ألا فلنتقِ الله عباد الله ولنراقب الله جل وعلا في السر والعلانية والغيب والشهادة والكيسُ من عبادِ الله من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة وصلوا وسلموا رعاكم الله على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلِّموا تسليمًا﴾ الأحزاب:٥٦ وقال صلى الله عليه وسلم: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا" اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أبدل ذل المسلمين عزا وفقرهم غنى اللهم وأصلح لهم شأنَهُم كله يا ذا الجلال والإكرام اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك وارزقه البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين اللهم وفقنا لما تحب وترضى وأعنَّا على البر والتقوى وسددنا في أقوالنا وأعمالنا اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى اللهم وفقنا لما تحب وترضى وأعنَّا على البر والتقوى ولا تكِلْنا إلى أنفسنا طرفة عين اللهم اكتب لنا توبة نصوحا اللهم اكتب لنا توبة نصوحا اللهم اكتب لنا توبة نصوحا اللهم اغفر ذنوب المذنبين وتب على التائبين، اللهم واغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ربنا إنا ظلمنا أنفسنا ربنا إنا ظلمنا أنفسنا ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا لنكونن من الخاسرين ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار عباد الله اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
أقسام المعاصي والذنوب2
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد عباد الله: اتقوا الله تعالى، وراقبوه في السر والعلانية، والغيبِ والشهادة، مراقبةَ من يعلم أن ربَّه يسمعه ويراه، واعلموا رعاكم الله، أن تقوى الله جلّ وعلا هي وصية الله للأولين والآخرين من خلقه، وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، وهي وصية السلف الصالح فيما بينهم، ولما قال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: اتقِ الله، قال: لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير فينا إذا لم نقبلها، وتقوى الله جلّ وعلا، عملٌ بطاعة الله، على نور من الله، رجاء رحمة الله، وتركُ معصية الله، على نور من الله، خيفة عذابِ الله.
معاشر المؤمنين: وعوداً إلى الحديث عن الذنوب والمعاصي، حيثُ سبق بيان أقسامها، وأنها تنقسم إلى فعل محظور، وترك مأمور، وتنقسم إلى أمور تتعلق بحقوق الله، وأمور تتعلق بحقوق العباد، وتنقسم من حيث حجمها إلى كبائر وصغائر، وهي أخطر ما يكون على الإنسان، وأضر ما يكون على العبد في دينه ودنياه، فأخطارها لا تُحصى، وأضرارها لا تعد ولا تستقصى، ولو حاول مُحَاولٌ حصرَ أضرار الذنوب، واستقصاءَ أضرارها، لما استطاع إلى ذلك سبيلا، كيف عبادَ الله يكون ذلك، وكلُ بلاءٍ يَحلُّ وكل مصيبة تَنْزِلُ، إنما هي أثر من أثار الذنوب ونتيجةٌ من نتائجه، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما نزل بلاء إلا بذنب وما رُفع إلا بتوبة، وشاهد هذا عباد الله، في القرآن في مواضع كثيرة جداً، منها قول الله تعالى: ﴿فكلاًّ أَخَذْنا بذَنبه﴾ العنكبوت:40 ، وقول الله تبارك وتعالى: ﴿مما خطيئاتهم أُغرقُوا فأُدخِلوا نارًا فلم يَجدوا لهم من دون الله أنصارًا﴾ نوح:٢٥ أي بسبب خطيئاتهم، ويقول الله تبارك وتعالى: ﴿وما أصابكم من مُصيبةٍ فبما كَسبتْ أيديكم ويَعفُوا عن كثير﴾ الشورى:30 ، ويقول الله تبارك وتعالى: ﴿ظهر الفسادُ في البَرِّ والبحر بما كسبت أيدي الناس ليُذيقَهُم بعضَ الذي عملوا﴾ الروم:41، ويقول الله تبارك وتعالى: ﴿وضَربَ الله مثلاً قريةً كانت آمنةً مطمئنةً يأتيها رزقها رَغَدًا من كلِّ مكان فكفَرَتْ بأَنعُم الله فأذاقها الله لباسَ الجوع والخوف بما كانوا يصنعون﴾ النحل:112، والآيات في هذا المعني عباد الله كثيرة.
ولهذا الواجب على العبد في حياته، أن يكون مجانبا للذنوب مبتعدا عنها غير مُقارف لها، وإذا ألَمَّ بشيء منها سارع إلى التوبة إلى الله والإنابةِ إليه سبحانه وتعالى.
عبادَ الله وهاهنا أمرٌ عظيم يجدر التنبيه له، يتعلق بالذنوب ووجودها في العباد وسببِ وتحركِهَا في نفوسهم وهيجانها في قلوبهم وإقبالهم عليها، قد يقول قائل من الناس، ما الباعث إلى الذنوب؟ معَ علمِ الإنسان بأخطارها وأضرارها عليه في دينه ودنياه، وهذا باب عظيم يتعلق بالمعاصي والكبائر، يجدر بالمسلم أن يعرفه وأن يكون على علم به، ليسُدَّ الطريق ويُغلِقَ المنافذ.
قال أهل العلم عباد الله: إن الذنوب تنقسم إلى أربعة أقسام من حيث أصلها وبواعثها ومهيجاتها في النفوس:
أما القسمُ الأول عبادَ الله: فهي الذنوبُ الملكَيّةُ، وهي التي يتعاطَى فيه العبد من صفات الله تبارك وتعالى ما لا يليق بالعبد، كالعلو والعظمة، والتكبر والتعالي والجبروت، والاستعباد للناس والتعالي عليهم، إلى غير ذلك من الخصال، وقد جاء في الحديث القدسي أن الله تبارك وتعالى يقول: "العظمةُ إزاري والكبرياءُ ردائي، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار" وقال الله جلّ وعلا في وصف فرعون ووصفه بأنه علا في الأرض ، وقال الله تعالى: ﴿فبئسَ مَثوَى المتكبِّرين﴾ الزمر:٧٢، والآيات في هذا المعني كثيرة، فالتكبر والتعالي والجبروت والطغيان، والاستعباد للناس ونحو ذلك، أوصاف إذا اتصف بها العبد، أذل نفسه وأهانها وكان من أحقر العباد وأهونهم على الله، ومن يُهِنِ الله فما له من مكرم.
القسم الثاني عبادَ الله: الذنوبُ الشيطانية، وهي الذنوب التي يتشبهُ فيها العبد بالشيطان الرجيم، ومنها الغِشُّ والحقدُ والحسدُ والكذبُ، والأمرُ بالمعاصي والترغيبُ فيها، والنهي عن الطاعات وتهجِينُها، والدعوةُ إلى البدع والضلالات واقترافُ الآثام، فكل هذه الأعمال والصفات من أعمال الشيطان وصفاتِه، فَمَن قَارفها وفَعلها كان مُتشَبها بالشيطان الرجيم.
والقسمُ الثالثُ عباد الله: الذنوبُ السَبُعية، وهي التي يتشبه فيها العبد، بالوحوش الضارية والحيوانات المفترسة، وهذا يتناول أنواعا عديدة من الذنوب، منهاَ الغضبُ والعدوانُ، والبغيُ والظلمُ، والتعدِّي على أعراضِ الناس وأموالهِم وحقوقِهم وممتلكاتهم، ومنها القتلُ وأكلُ الأموال بالباطل والتعدِّي على الناس والجورِ، فكل هذه الذنوب عباد الله، ذنوب فيها تشبه بالسباع الضارية والحيوانات المفترسة، ولهذا يقول بعض الناس عن بعض الأشخاص ممن تظهر عليهم هذه الصفات، يقولون هذا وحش من الوحوش، هذا ليس بإنسان، لمِاَ ظهر عليه من صفات الوحوش الضارية والحيوانات المفترسة.
والقسمُ الرابعُ عبادَ الله من الذنوب: هي الذنوب البهيمية، وهي التي يتشبه فيها الإنسان ببهيمة الأنعام، ومنها الشّرَهُ عباد الله، والحرصُ على شهوة البطن والفرج، فلا هم له إلا شهوة بطنه وشهوة فرجه، ويتولد منها عباد الله، الزنا واللواط والسرقة وأكلُ أموال اليتامى والشحُّ والبخلُ والأنانية، وغير ذلك من الصفات التي يولِّدُها الشّرَهُ ويولدها حرص الإنسان على شهوةِ فرجهِ وبطنِه كيف مَا اتفَقْ .
هذا عبادَ الله، والواجبُ على العبد أن يتقيَ الله تعالى، وأن يُحقِقَ العبوديةَ التي خلقَهُ الله لأجلِهَا وأوجَدَه لتحقيقها، فيكون عبدًا لله مستكينًا لجَناَبه متواضعا مطمئنا، خاشعا متذلِّلا مقبلا على طاعة ربه وسيده ومولاه، بعيدا كل البعد عن المعاصي والآثام، والذنوب والخطايا التي لا يزداد فيها من الله إلا بعداً، ولا يزداد فيها إلا قربا من الشر، فيجني على دينه ودنياه.
ونسأل الله جلّ وعلا أن يعيذنا وإياكم من سخطه، وأن يجنبنا كل ما يُسخِطُه، وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيما، وأن يرزقنا توبة نصوحاً، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن يعيذنا من شر كل دابة هو آخذ بناصيتها، وأن يوفقنا لهداه، وأن يجعل عملنا في رضاه، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولي سائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلي الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد عباد الله:
اتقوا الله فإن من اتقَى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه، عبادَ الله، إن كلَّ بني آدم خَطَاء، كما صح بذلك الحديث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال: " وخيرُ الخطاءين التوابون"، وفي الحديث الآخر، يقول صلى الله عليه وسلم: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم".
عبادَ الله، الخطأ من طبيعة الإنسان، لكن ليس مما يليق به أن يكونَ متمادِياً في الخطأ مستمراً عليه، ليلقى الله بأخطائه وآثامه وجرائره وذنوبه ومعاصيه، بل الواجبُ على العبد العاقل، أن يُقبِلَ على الله تائبا وأن يرجع إليه منيباً، وأن يكونَ دائماً ملازماً للاستغفار، والله جل ّوعلا دعا عباده أجمعين إلى التوبة النصوح، ﴿ يأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا﴾ ، أي بالندمِ على فعل الذنوب، والعزمِ على عدم العودة إليها، والإقلاعِ عنها تماماً، ومن تاب تاب الله عليه، مهما بلغَ جُرمُه ومهما كان ذنبُه، فإن الله تبارك وتعالى يغفرُ الذنوب جميعا، وأرجى آية في كتاب الله قول الله تبارك وتعالى: ﴿قل يا عباديَ الذين أَسرَفُوا على أنفسهم لا تَقنَطُوا من رحمة الله إنَّ الله يغفرُ الذُّنوبَ جميعًا إنه هو الغفور الرحيم﴾ الزمر:٥٣ ولا يليق بالمسلم أن يُؤخِرَ التوبةَ أو أن يُسَوِّفَ في الإتيانِ بها، لأنه لا يدري متى يَدهَمُهُ الموتُ، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : " تقبل توبة أحدكم ما لم يغرغر"، وكذالك جاء في الحديث أن باب التوبة مفتوحٌ، ما لم تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت طُبِعَ على كلِّ قلبٍ بما فيه، فالواجب علينا أجمعين عباد الله، أن نبادرَ إلى توبة نصوحٍ إلى الله جلّ وعلا، نغادر فيها الذنوب، ونُوَدِّعُ فيها الخطايا ونُقبل على الله إقبالا صادقا، راجين رحمتَه خائفين من عذابه، مقبلين على طاعته وما يقرب إليه.
اللهم وفقنا للتوبة النصوح، اللهم وفقنا للتوبة النصوح، اللهم وَفِّقنا للتوبة النصوح، اللهم اشرح صدورنا للتوبة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اهدنا للتوبة، اللهم أعنا على التوبة، اللهم وتقبل توبتنا واغسل حوبتنا واغفر زلتنا واستر عيبنا يا ذا الجلال والإكرام، واجعلنا من عبادك المتقين، وصلوا رعاكم الله على قدوة الموحدين وإمام التائبين، محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إنَّ الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلُّوا عليه وسلِّموا تسليمًا﴾ الأحزاب:٥٦، وقال صلي الله عليه وسلم : " من صلى علي واحدة، صلى الله عليه بها عشرا"، اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمّة المهديين، أبى بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأَذِلِّ الشرك والمشركين ودَمِّر أعداء الدين واحمِ حوزة الدين يا رب العالمين، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا لهداك وجعل عمله في رضاك وأعنه على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام، وارزُقه البطانةَ الناصحةَ الصالحةَ، اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرعك واتباع سنة نبيك محمد صلي الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة ورأفةً على عبادك المؤمنين، اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نسألك الهدى والتقي والعفة والغنى، اللهم أصلِحْ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحتاً لنا من كل شر، اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرِجْناَ من الظلمات إلى النور ورُدَّنا إليك رَداً جميلا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر ذنوبنا، اللهم اغفر ذنوبنا، اللهم اغفر ذنوبنا، اللهم وتب علينا يا تواب، اللهم اغفر لنا ذنبنا كلَّه دِقَّه وجِلَّه أوَّلَه وآخِرَه سرَّه وعلنه، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونَنَّ من الخاسرين، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعللنا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا لإله إلا أنت، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياءِ منهم والأموات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، عباد الله، اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|