الفوز الحقيقي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له لا رب سواه ولا معبود بحق إلا هو سبحانه وتعالى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه ومبلّغ الناس شرعه فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد معاشر المؤمنين عبادَ الله اتقوا الله فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه و دنياه .
عباد الله يجري حديثٌ في بعض مجالس الناس عن الفوز وعن الفائزين وعن أسباب الفوز وعن من فاز ومن هم الفائزون كلمة تتردد في بعض المجالس وينحصر الفهم عن الفوز وعن معانيه لدى بعض الأفهام في متعٍ زائلةٍ وأمورٍ فانيةٍ فهناك حديث عن فوز في مسابقات تجارية وعن فوز في مباريات رياضية وعن فوز في تعاملات محرمة كالقمار والميسر وهكذا تتنوع الأحاديث عن الفوز وعن ماهيته وحقيقته وعن مجالاته وعن أسبابه.
ويغيب ـ عباد الله ـ عن أذهان كثير من الناس الفوز العظيم عند لقاء رب العالمين, الفوز برضا الله والنجاة من عذابه والفوز بجنته.
يغيب هذا المعنى عباد الله عن كثير من الأذهان في انهماك في متع الدنيا وملذاتها وشهواتها , والواجب عباد الله على كل مسلم أن يكون دائماً متذكّراً الفوز الأكبر والفوز العظيم والفوز المبين عندما يلقى الله تبارك وتعالى وألا تغره هذه الحياة عن الفوز الحقيقي والنعيم الأبدي والنعيم المقيم يوم لقاء الله .
وتأمّل معي أيها المؤمن في هذه الوقفة متذكّراً ومتفكّراً في الفوز العظيم وحقيقته يقول الله عز وجل: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ آل عمران: ١٨٥
هاهنا عباد الله مقام الفائزين هاهنا مقام الفائزين الرابحين الذين يمنّ الله عليهم بالفوز الحقيقي الأكبر العظيم، إن الفوز عباد الله (نجاة من مرهوب وتحصيل لمرغوب)، وهذان يجتمعان للمؤمنين أهل الجنة ينجيهم الله تبارك وتعالى من النار ويمنّ عليهم بالفوز بدخول الجنة وهذا هو حقيقة الفوز عباد الله نجاة من مرهوب وتحصيل لمرغوب وأي مرهوب أعظم من النار وأي مرغوب فيه أعظم من الجنة ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾ آل عمران: ١٨٥ هذا هو ميدان الفوز حقًّا وصدِّقا نجاة من نار الله وعذابه وفوز بجنته ونعيمه، ولهذا عباد الله ينبغي لكل واحد منا أن يتذكر هذا الموقف العظيم وكلنا صائر إليه .
جاء في صحيح مسلم - وقف متأملا رعاك الله- من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثُمَّ يُنْصَبُ الْجِـسْرُ عَلَى جَـهَنَّمَ – أي يوم القيامة – وَتَحِـلُّ الشَّـفَاعَةُ وَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ سَـلِّمْ سَـلِّمْ "، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا الْجِسْرُ؟ قَالَ: " جِسْرٌ يُنْصَبُ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّم دَحْضٌ المَزِلَّةٌ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلاَلِيبُ وَحَـسَكَةٌ، حَـسَكةٌ تَكُونُ فِي نَجْـدٍ فِيهَا شُـوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّـعْدَانُ فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ - أي يمرون من على هذا الصراط- فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرّ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرّ كَالرِّيحِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالْبَرْقِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرّ كَأَجَاوِيدِ الْخَـيْلِ وَرِكَابِ الإِبْل ومِنْهُم مَنْ يَمر جَرَيَا ومِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ مَشْياً وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ زَحَفًا فَنَاجٍ مُسَـلَّمٌ وَمَخْـدُوشٌ مُرْسَـلٌ وَمَكْـردسٌ فِى نَارِ جَـهَنَّمَ ".
تأمل هذا الموقف رعاك الله وأنت صائر إليه لا محالة والناس على هذا الصراط أقسام ثلاثة حدّدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاهنا يبرز الفائزون حقًّا وصدِّقا، تأمّل هذه الأقسام الثلاثة وتأمّل رعاك الله مرور الناس على هذا الصراط المنصوب على متن جهنم وتوهّم رعاك الله حالك وأنت على هذا الصراط الذي جاء في بعض الأحاديث أنه أدق من الشعر، تأمّل وقد وضعت قدمك اليمنى عليه وبين أيديك الناس ومن خلفك ناج مسلم ومخدوش مرسل ومكردس في نار جهنم فمن أي هؤلاء أنت. هاهنا مقام الفائزين عباد الله: توهّم وأنت تمشي على هذا الصراط دحض المزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسكة تخطف الناس بأعمالهم، ويتفاوت الناس في المرور عليه كالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل، يمرون مروراً على قدر تفاوتهم في الأعمال في هذه الحياة يمرون مروراً على قدر تباينهم في طاعة الله عز وجل في هذه الحياة فتفكر في حالك وأنت من هؤلاء وأنت صائر إلى هذا المقام.
يقول الله تعالى: ﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾ يعنى جهنم ﴿ كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ مريم: ٧١ – ٧٢
تأمّل هل أنت من هؤلاء الناجين الفائزين، تأمّل في هذا المقام العظيم وتفكّر في الفوز الحقيقي العظيم عند لقاء الله تبارك وتعالى وتفكّر في هذه الأصناف الثلاثة ناج مسلم أي من النار ومخدوش مرسل أي أنه يصيبه من النار ما يصيبه من خدش ولفح ونحو ذلك ويرسله الله أي يطلقه وينجيه من العذاب، وآخر -حمانا الله وحماكم ووقانا ووقاكم ونجانا ونجاكم- مكردس على أم رأسه في نار جهنم، أجارنا الله اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار .
وإذا قلت أيها المؤمن ما هي صفات هؤلاء الفائزين وما هي أعمالهم التي نالوا بها هذا الفوز العظيم؟
تجد الجواب في كتاب الله عز وجل بل تجده في آية واحدة في القرآن حصرت لك أسباب الفوز والغنيمة، يقول الله تعالى في سورة النور: ﴿ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ النور: ٥٢ إنها صفات أربعة إذا اجتمعت في العبد كان من الفائزين:
طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وخشية الله والوقوف بين يديه سبحانه وتعالى وتقوى الله جلّ وعلا بالبعد عن المعاصي والآثام فمن كان بهذا الوصف وعلى هذه الحال فإنه عباد الله يكون من الفائزين كما أخبر الله بذلك.
ثم تذكّروا عباد الله تذكّر حال المؤمنين الفائزين ماذا لهم بعد نجاتهم من النار وفكاكهم من عذابها ونجاتهم من الدخول فيها ماذا أمام هؤلاء الفائزين يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا وَكَأْسًا دِهَاقًا لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ﴾ النبأ: ٣١-٣٦، ما أعظمها من حال، وما أطيبه من مآل، فكّهم الله عز وجل وأجارهم من النار فجازوا الصراط وتعدّوا ثم أمامهم الجنة فيها هذا النعيم المقيم فتفكّر في هذا المقام وأهل الجنة يدخلون الجنة مع بابها فائزين أعظم فوز نائلين أعظم غنيمة وتفكر في حالك ومآلك في هذا المقام العظيم ﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ الحديد: ١٢ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ﴾ البروج:11.
تأمّل هذه المعاني ولا تشغلك رعاك الله متع الدنيا عن الفوز الحقيقي عندما تلقى الله جلّ وعلا.
وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا أجمعين من الفائزين حقًّا الناجين صدِّقاً وأن يوفقنا لطاعته ولنيل رضاه وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيماً إن ربي لسميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعيم الوكيل .
الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد عباد الله اتقوا الله تعالى واعلموا أننا في هذه الحياة في دار ممر ولسنا في دار بقاء، وسننتقل من هذه الدار الفانية إلى دار الخلود والبقاء ﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾العنكبوت: ٦٤، وفي تلك الدار عباد الله يجد أهل الإيمان النعيم المقيم والفوز العظيم، في تلك الدار عباد الله ينجو أهل الإيمان من سخط الله وعقابه وأما المعرضون عن الله وعن دينه و عن طاعته فشأنهم كما قال الله: ﴿فلا تَحسَبَنَّهم بِمَفَازَةٍ مِنَ العذاب﴾ آل عمران:188.
ولهذا عباد الله ينبغي أن تشغل أذهاننا وأن تتفكر عقولنا في هذا الفوز العظيم، الفوز بالنجاة من النار والفوز بدخول الجنة وأن يكون المؤمن دائما وأبدا في كل أيامه ولياليه مُتَذَكِّراً لهذا المقام العظيم آخذا بالأسباب التي يكون بها نجاته من سخط الله وعقابه وفوزه بجنته ونعيمه سائلا الله جلّ وعلا الكريم من فضله، وقد جاء في حديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن المؤمن إذا قال في اليوم ثلاث مرات اللهم إني أسألك الجنة قالت الجنة يا رب عبدك سألك الجنة فأدخله إياها، وإذا قال اللهم إني أعوذ بك من النار قالت النار يا رب عبدك سألك النجاة من النار فنجيه منها" أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه, فيكون المؤمن في كل أيامه يسأل الله عز وجل دخول الجنة والنجاة من النار ويأخذ بأسباب دخول الجنة وأسباب النجاة من النار.
أعاننا الله وإياكم وهدانا وهداكم ووفقنا أجمعين لكل خير, وصلوا وسلموا رعاكم الله على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ الأحزاب:56، وقال صلى الله عليه وسلم: " من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرة " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد , وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان علي,وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن اتبعهم بإحسان إلي يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين . اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واحم حوزة الدين يا رب العالمين, اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان اللهم أيدهم بتأيدك واحفظهم بحفظك يا ذا الجلال والإكرام, اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك, اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورك, اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضى وأعنه على البر والتقوى وسدِّده في أقوله وأعماله وألبسه ثوب الصحة والعافية وارزقه البطانة الصالحة الناصحة, اللهم وفِّق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيِّك محمد صلى الله عليه وسلم واجعلهم رحمة ورأفة على عبادك المؤمنين, اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليُّها ومولاها, اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى, اللهم أصلح ذات بيننا وألِّف بين قلوبنا واهدنا سبيل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور وبارك لنا اللهم في أسماعنا وأبصارنا وقواتنا وأزواجنا وذرياتنا واجعلنا مباركين أينما كنا، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قول أو عمل ونعوذ بك اللهم من النار وما قرب إليها من قول أو عمل اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم إنا نسألك عتق رقابنا وفكاك رقابنا من النار وآبائنا وأمهاتنا وجميع من نحب يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله اذكروا الله يذكركم واشكروه على آلائه ونعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|