أُصُولُ المْعَامَلَة
خطبة جمعة بتاريخ / 14-8-1442 هـ
إن الحمد لله ؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ
بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ؛ من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ، ومن يضلل فلا
هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده
ورسوله، وصفيُّه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه ؛ فصلوات الله
وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أمَّا بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله ربكم،
وراقبوه في جميع أعمالكم؛ مراقبة من يعلمُ أن ربَّه يسمعُه ويراه .
أيها المؤمنون: روى الترمذي
في جامعه من حديث معاذ بن جل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((اتَّقِ اللهِ حَيْثُمَا كُنْتَ ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ
الحَسَنَةَ تَمْحُهَا ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ)) .
معاشر العباد: جمع هذا
الحديث العظيم جماع الوصايا في ثلاث وصايا عظيمة أوصى بها النبي صلى الله عليه
وسلم معاذًا رضي الله عنه، وأتت هذه الوصايا الثلاث على أصول المعاملة وأسسها:
kمعاملة
العبد بينه وبين الله.
kومعاملة
العبد بينه وبين نفسه.
kومعاملة
العبد بينه وبين عباد الله .
أما المعاملة مع
الله فإنها قائمة
على التقوى؛ تقوى الله جل وعلا التي هي وصية الله للأولين والآخرين من خلقه كما
قال جل وعلا: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء:131] ، وهي وصية النبي صلى الله
عليه وسلم لأمته، وهي وصية السلف الصالح فيما بينهم. وتقوى الله جل وعلا: عملٌ
بطاعة الله على نور من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نور من الله
خيفة عذاب الله .
وأما معاملة المرء
مع نفسه فهي قائمة
على رؤية التقصير وأنه عرضة للخطأ وارتكاب السيئة واقتراف الذنب ، فيحتاج المقام
مع النفس إلى مجاهدة مستمرة ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا
فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت:69] ؛ أن يجاهد العبد نفسه على
الاستكثار من الحسنات واغتنام مواسم الطاعات وأوقات العبادات ليجعل لنفسه منها حظًا
ونصيبا ، ((وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا)) ، وهذا إنما يكون من
العبد بالمجاهدة لنفسه على الاستكثار من الحسنات فـ﴿
إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود:114] .
وأما المعاملة بين
المرء وعباد الله فإنها قائمة على الخلق الحسن؛ ((وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ)) ، والخلق
الحسن يقوم على ركيزتين عظيمتين وأصلين متينين :
v
الأول: سلامة القلب تجاه عباد الله؛ بأن يحب لهم ما يحب
لنفسه من الخير، قال صلى الله عليه وسلم : ((لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى
يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)) .
v
والركيزة الثانية: أن يأتي إلى الناس من الأعمال والأقوال
ما يحب أن يؤتى إليه، فيعاملهم نظير ما يحب أن يعاملوه به، كما قال صلى الله عليه
وسلم : ((وَتَأْتِي إِلَى النَّاسِ مَا تُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْكَ)) .
والخلُق -عباد الله- كما أنه
يحتاج إلى جهادٍ للنفس لتتحلى بمكارم الأخلاق وفاضلها، فإنه يحتاج أيضا إلى لجوء
كامل إلى الله جل في علاه، لأنَّ الأخلاق وهائب ومنن إلهية، كما قال بعض السلف: «إن هذه الأخلاق وهائب وإن
الله إذا أحب عبده وهبه منها»، وفي الدعاء «اللهم اهْدِنِي لأَحْسَنِ
الأَخْلاَقِ لاَ يَهْدِى لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ ، وَاصْرِفْ عَنِّى
سَيِّئَهَا لاَ يَصْرِفُ عَنِّى سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ» .
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من
كل ذنب؛ فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله حمد الشاكرين ، وأثني عليه ثناء الذاكرين ،
أحمده جل في علاه بمحامده التي هو لها أهل ، وأثني عليه الخير كله لا أحصي ثناءً
عليه؛ هو كما أثنى على نفسه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد
أنَّ محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد أيها المؤمنون: اتقوا الله فإنَّ من اتقى الله
وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه .
واعلموا -معاشر العباد- أن هذه الحياة الدنيا دار ممر ومعبر وأعمال،
والآخرة دار خلود وبقاء وجزاء على الأعمال، فالكيس من عباد الله من دان نفسه وعمل
لما بعد الموت؛ فاستعد لدار الجزاء والحساب ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى
على الله الأماني.
واعلموا أنَّ أصدق الحديث كلامُ الله ، وخير الهدى هدى
محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ،
وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار .
وصلُّوا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه
فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ
وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى
الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) .
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على
إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما
باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد . وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء
الراشدين، الأئمة المهديين ؛ أبى بكرٍ الصديق ، وعمرَ الفاروق ، وعثمانَ ذي
النورين، وأبي الحسنين علي ، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن
تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين
.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر من نصر دينك
وكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، اللهم آمِنَّا في أوطاننا ، وأصلح
أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق
ولي أمرنا لهداك ، واجعل عمله في رضاك ، وأعِنه على طاعتك ، اللهم وفِّقه وولي
عهده لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال .
اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت
وليها ومولاها ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى ، اللهم أصلح لنا
ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا
التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر ،
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين
والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . اللهم اغفر لنا ذنبنا كله؛ دقَّه وجلَّه ، أوله
وآخره ، علانيته وسرَّه ، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن
من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
وآخر
دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبدالرزاق البدر تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=125 |