حُسْنُ الخُلُق
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ؛ ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له؛ ومنْ يضللْ فلا هاديَ له؛ وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ؛ وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ؛ صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد، أيها الناس:-
اتقوا الله تعالى, واعلموا أن حُسْنَ الخُلُقِ من أعظم خصال الإيمان التي حث عليها الشارع الحكيم, قال تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّم صالح الأخلاق ). وهذا يَدُل على التلازم بين الدين والخُلُق, فَبِقَدر ما عند العبد من الأخلاق الفاضلة, بِقَدر ما عنده من الإيمان.
عباد الله: إن لِحُسنِ الخُلُق فضائل:
أولها: أنه صفة الرسول صلى الله عليه وسلم, حيث مدحه الله بقوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم ٍ﴾. وكان خُلُقُه صلى الله عليه وسلم القرآن, كما أخبرت بذلك عائشةُ رضي الله عنها.
الثاني: أنه دليل على كمال الإيمان, لقوله صلى الله عليه وسلم: ( أكمل الناس إيماناً أحسَنُهُم خُلُقاً ).
الثالث: أنه ثقيل في ميزان العبد يوم القيامة, كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما من شيء أثقل في الميزان يوم القيامة من حسن الخُلُق ).
الرابع: أن أهلَهُ هُم أقرب الناس مجلساً من النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ألا أخبركم بِأَحَبِّكم إلي وأقربِكم مني مجلساً يوم القيامة, أحاسنكم أخلاقا ).
الخامس: أنه من أعظم أسباب دخول الجنة, فقد سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدِخِلُ الناس الجنة؟ فقال: ( تقوى الله وحسن الخُلُق ). وقد ضمن النبي صلى الله عليه وسلم بيتاً في الجنة لمن حَسُنَ خُلُقُه.
السادس: قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن العبد لَيَبلُغ بِحُسن خُلُقِه درجة الصائم القائم ).
وغير ذلك من الفضائل العظيمة, التي تدل على عِظَم شأن حسن الخلق. وهذه الفضائل التي سمعتموها يا عباد الله, تدل على أن حسن الخلق ليس سهلاً, بل يحتاج إلى مجاهدة للنفس في تحقيقه, لأن له آثاراً لابد وأن تظهر على لسان العبد وجوارحه.
فإن من آثاره: أن يحب المرء لأخيه ما يحبه لنفسه.
ومن آثاره: سلامة اللسان من الغيبة, والنميمة, والقذف, والكذب, والسب, والشتم, وغير ذلك من اللغو المحرم.
ومن آثاره: الصدق في الحديث, والنصح في التعامل في البيع والشراء, وسائر التعاملات.
ومن آثاره: التواضع ولين الجانب, وعدم التعالي على الآخرين, خصوصاً العلماء والدعاة, وكذلك من كان مسؤولاً في مصالح المسلمين, والدوائر الحكومية, والمدارس.
ومن آثاره: عدم الجهل مع الجاهلين, وعدم مقابلة الإساءة بالإساءة, كما قال تعالى: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾. فلا يصدر منهم مالا يليق, وإِنْ جُهِلَ عليهم.
روى أبو داود: أن رجلاً سَبَّ أبا بكر رضي الله عنه, ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس, فسكت أبو بكر, ثم سبه في الثانية فسكت أبو بكر, ثم سبه في الثالثة, فرَدَّ عليه أبو بكر, فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج, فلحِقَهُ أبو بكر رضي الله عنه, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( مازال مَلَكٌ يَذُبُّ عنك حتى رددت عليه, فلما رددت عليه حضر الشيطان, وما كان لي أن أجلس وقد حضر الشيطان ) .
وكان عمر بن عبد العزيز يطوف بالبيت, فَوَطِئ قَدَم رجل كان يطوف بجانبه, فقال الرجل لعمر: أأنت حمار؟ فقال عمر: بل أنا عمر بن عبد العزيز.
ويُذْكَرُ أن رجلاً سبَّ أبا هريرة رضي الله عنه, فقال أبو هريرة: ( اللهم إن كان صادقاً فاغفر لي, وإن كان كاذباً فاغفر له ).
ومن آثار حسن الخلق: أن يملك العبدُ نَفسَه عند الغضب, فلا يُسيطر عليه, لأن الذي لا يملك نفسه عند الغضب, لابد وأن يُخطيء على غيره سواء بلسانه أو يده, ولابد أن يخطيء أيضاً في اتخاذ القرار, وما أكثر حالات الطلاق, ومشاكل الأُسَر التي تحدث بسبب الغضب وعدم السيطرة على النفس, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من كَظَم غيظاً وهو قادر على أن يُنفِذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة, حتى يُخَيِّرَه الله من الحُورِ ما شاء ).
ومن آثاره: البعدُ عن الهجر والقطيعة والأعمال التي تورث العداوة والبغضاء, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث, فمن هجر أخاه فوق ثلاث فمات دخل النار ). ما لم يكن الهجر لله.
وغير ذلك من الآثار الحميدة لحسن الخلق التي نسأل الله أن يرزقنا تحقيقها.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم ؛ وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم؛ أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ:-
أيها المسلم: والِداك, وزوجتُك وأولادُكم, هم أولى الناسِ بِبِرِّك وحُسنِ خُلُقِك, فإن بعض الناس يجتهد في حسن التعامل مع الناس, ويحرم أهله من ذلك. وقد سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن أَحَقِّ الناسِ بِحُسنِ الصُّحبة؟ فقال: ( أمك ثم أمك ثم أمك, ثم أبوك, ثم أدناك، أدناك ). فتبدأ بالوالدين ثم من بعدهم: الزوجة والأولاد والأقرب فالأقرب.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنّا سيئها لا يصرف عنّا سيئها إلا أنت، اللهم آتِ نفُوسنا تقواها وزكّها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها، اللهم وفقنا لما يرضيك عنّا وجنبنا ما يسخط علينا، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين يا رب العالمين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا على قضائها ويسرتها، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمةً عامة وهداية عامةً يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم وفق ولاة أمرنا لما يرضيك، اللهم وفقهم بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم حببّ إليهم الخير وأهله وبغضّ إليهم الشر وأهله يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
|