فَضائِلُ
التَّوْحِيدِ
وَأَنَّهُ
السَّبَبُ الأَعْظَمُ لِلتَّمْكِينِ فِي الأَرْضِ وَالنُّصْرَةِ عَلَى العَدُوِّ
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ،
وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ
يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ
تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عِبادَ
اللهِ: اتَّقُوا اللهَ تَعالَى، وَاْعَلَمُوا أَنَّ
التَّوْحِيدَ أَوْجَبُ الوَاجِبَاتِ التي فَرَضَها اللهُ عَلَى الثَّقَلَيْنِ.
فَهُوَ حَقُّ اللهِ عَلَى العَبِيدِ.
وَمُقْتَضاه: إِفْرادُ اللهِ بِالعِبادَةِ الظاهِرَةِ
والبَاطِنَةِ، وَتَرْكُ الشِّرْكِ صَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ.
وَقَدْ
أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ التَّوْحِيدَ هُوَ الفَرْضُ الأَعْظَمُ عَلَى
جَمِيعِ العِبادِ، وَذَكَرَ سُبْحانَه فَضَائِلَهُ الحَمِيدَةَ وَنَتَائِجَه
الجَمِيلَةَ، بَلْ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الأَشْياءِ لَهُ مِنْ الآثارِ الحَسَنَةِ
والفَضَائِلِ الْمُتَنَوِّعَةِ مِثْلُ التوحيدِ، فَإِنَّ خَيْرَ الدنيا
وَالآخِرَةِ مِنْ ثَمَراتِ هذا التَّوْحِيدِ وَفَضائِلِهِ.
فَمِنْ
فَضَائِلِهِ: أَنَّه السَّبَبُ الأَعْظَمُ لِتَفْرِيجِ كُرُباتِ الدنيا
والآخِرَةِ، وَدَفْعِ عُقُوباتِهِمَا.
وَمِنْ
أَجَلِّ فَضائِلِهِ: أَنَّه يَمْنَعُ الخُلُودَ فِي النارِ، إذا كانَ
فِي القَلْبِ مِنْه أَدْنَى مِثْقالَ حَبَّةِ خَرْدَلٍ، وَأَنَّه إذا كَمُلَ فِي
القَلْبِ يَمْنَعُ دُخُولَ النارِ بِالكُلِّيَّةِ، لِأَنَّ التَّوْحِيدَ
يَتَفَاوَتُ فِي قُلُوبِ العِبادِ.
وَمِنْ
فَضَائِلِهِ: أَنَّه يَحْصُلُ لِصاحِبِهِ الهُدَى الكامِلُ وَالأَمْنُ
التَّامُّ فِي الدنيا والآخِرَةِ. قَالَ تَعالَى: ( الَّذِينَ
آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ
وَهُم مُّهْتَدُونَ ).
وَمِنْ
فَضَائِلِهِ: أَنَّه السَّبَبُ الوَحِيدُ لِنَيْلِ رِضَا اللهِ
وَثَوَابِهِ وَأَنَّ أَسْعَدَ الناسِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عليه وسلمَ
مَنْ قَالَ لا إِلَه إلَّا اللهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ. فَإِنَّ الشَّفاعَةَ لا
تَكُونُ إلَّا لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ، بِشَرْطِ الإِذْنِ للشافِعِ والرِّضا عن
المَشْفُوعِ.
وَمِنْ
أَعْظَمِ فَضَائِلِهِ: أَنَّ الأَعْمالَ الصالِحَةَ لا تُقْبَلُ إلَّا
مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ. وَأَمَّا الكافِرُ وَمَنْ وَقَعَ في الشِّرْكِ فَلَا
يُقْبَلُ مِنْه عَمَلٌ، وإِنْ كَثُرَتْ صَلاتُهُ وَصِيامُهُ.
وَمِنْ
فَضَائِلِهِ: أَنَّه يُسَهِّلُ عَلَى العَبْدِ فِعْلَ الخَيْراتِ
وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَيُسَلِّيهِ عَن الْمُصِيبَاتِ، فَالْمُخْلِصُ للهِ فِي
إِيمانِهِ وَتَوْحِيدِهِ تَخِفُّ عَلَيْهِ الطاعاتُ، لِمَا يَرْجُوهُ مِنْ ثَوَابِ
رَبِّهِ وَرِضْوانِهِ، وَيَهُونُ عَلَيْهِ تَرْكُ مَا تَهْواه النَّفْسُ مِنْ الْمَعاصِي،
لِمَا يَخْشَى مِنْ سَخَطِهِ وَعِقابِه.
وَمِنْ
فَضائِلِهِ كَذلِكَ: أَنَّه يُخَفِّفُ عَلَى العَبْدِ الْمَكَارِهَ
وَيُهَوِّنُ عَلَيْهِ الآلامَ، فَبِحَسَبِ تَكْمِيلِ العَبْدِ للتوحيدِ والإيمانِ،
يَتَلَقَّى الْمَكَارِهَ والآلَامَ بِقَلْبٍ مُنْشَرِحٍ، وَنَفْسٍ مُطْمَئِنَّةٍ،
وَتَسْلِيمٍ وَرِضًى بِأَقْدارِ اللهِ.
فَهَلْ
جَمِيعُ مَا ذُكِرَ مَوْجُودٌ فِي قَلْبِكَ يَا عَبْدَ اللهِ؟ فَإِنْ كان كذلكَ
فَاحْمَدِ اللهَ، وَاعْلَمْ أَنَّ ذلكَ عَلَامَةٌ عَلَى صِدْقِ تَوْحِيدِكَ
وَسَلَامَتِهِ.
وَمِنْ
أَعْظَمِ فَضَائِلِهِ: أَنَّه يُحَرِّرُ العَبْدَ مِنْ التَّعَلُّقِ
بالْمَخْلُوقِينَ، والغُلُوِّ فِيهِمْ، وَخَوْفِهِمْ، والعَمَلِ لِأَجْلِهِمْ،
سَوَاءً كانُوا أَحْياءً أَوْ أَمْواتًا. وَهَذَا هُوَ العِزُّ الحَقِيقِيُّ،
وَالشَّرَفُ العالِي، وَيَكُونُ مَعَ ذلِكَ مُتَأَلِّهًا مُتَعَبِّدًا للهِ، لَا
يَرْجُو سِوَاهُ، وَلَا يَخْشَى إِلَّا إِيَّاه، وَلَا يُنِيبُ إلَّا إِلَيْهِ،
وَبِذلكَ يَتِمُّ فَلَاحُهُ، وَيَتَحَقَّقُ نَجاحُهُ.
وَمِنْ
فَضائِلِهِ التي لَا يَلْحَقُهُ فِيها شَيْءٌ: أَنَّ التوحيدَ إذا
تَمَّ وكَمُلَ فِي القَلْبِ، وَتَحَقَّقَ تَحَقُّقًا كامِلًا بِالإخْلاصِ
التَّامِّ، فَإِنَّه يَصِيرُ القَلِيلُ مِنْ عَمَلِهِ كَثِيرًا، وَتُضاعَفُ
أَعْمالُهُ وَأَقْوالُهُ بِغَيْرِ حَصْرٍ وَلَا حِسابٍ، وَرَجَحَتْ كَلِمَةُ
الإخلاصِ فِي مِيزَانِ العَبْدِ، بِحَيْثُ لَا تُقَابِلُها السمواتُ والأَرْضُ
وعُمَّارُها مِنْ جَمِيعِ الخَلْقِ.
وَلَيْسَ تَحْقِيقُ
التوحيدِ بِالتَّمَنِّي وَلَا بِالدَّعاوَى الخالِيَةِ مِنْ البَيِّناتِ،
وَإِنَّما يَكُونُ بِمَا وَقَرَ فِي القَلْبِ مِنْ عَقائِدِ الإيمانِ، وَحَقَائِقِ
الإحسانِ، وَصَدَّقَتْهُ الأعمالُ الصالِحَةُ الْمُسْتقاةُ مِنْ كِتابِ اللهِ
وَهَدْيِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، وَابْتَعَدَ صاحِبُهُ عَنْ الشِّرْكِ
وَوَسائِلِهِ، والبِدَعِ والْمَعاصِي، والإراداتِ الفاسِدَةِ.
ثُمَّ اعْلَمُوا يا عِبادَ الله: أَنَّ شهادَةَ أَنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ، لا تَتَحَقَّقُ
وَلا تَصِحُّ إلَّا بِشَهادَةِ أَنَّ محمدًا رَسُولُ اللهِ، فَإِنَّها لازِمَةٌ
لَها، وَلا تَنْفَكُّ عنْها. فَهِيَ أَوَّلُ أَرْكانِ الإسْلامِ التي لا تَصِحُّ
إلَّا بِهِما جَمِيعًا.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي
وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا
تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ
ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين، وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين، وَلا
عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين، وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا
شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَليْهِ
وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عِبادَ
اللهِ: وَمِنْ فَضائِلِ التوحيدِ: أَنَّ اللهَ
تَكَفَّلَ لِأَهْلِهِ بِالفَتْحِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ والعِزِّ والشَّرَفِ في
الدنيا، قال تعالى: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ
آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ
كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ
الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي
لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ )، وَهَذِهِ الآيَةُ نَصٌّ
وَاضِحٌ وَصَرِيحٌ: عَلَى أَنَّ التَّمْكِينَ فِي الأَرْضِ وَالنَّصْرَ
عَلَى العَدُوِّ، وَعْدٌ مِنْ اللهِ، وَوَعْدُ اللهِ صادِقٌ، فَإِنَّ اللهَ لَا
يُخْلِفُ الْمِيعادِ. وَلَكِن إذا وُجِدَ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ فِي الآيَةِ. أَلَا وَهُوَ الإيمانُ وَالعَمَلُ الصالِحُ. وَإِفْرادُ
اللهِ بالعبادةِ والقيامُ بِها كَمَا أَمَرَ اللهُ، وَتَرْكُ الشِّرْكِ.
عِنْدَ ذلك يَحْصُلُ الوَعْدُ الْمَذْكُورُ في الآيَةِ. مَتَى ما نَظَرَ الْمُسلِمُونَ
إلى العُدَّةِ الإِيمانِيَّةِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، فَآمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ
إيمانًا صَحِيحًا، وَحَقَّقُوا التوحيدَ كَمَا يَنْبَغِي، وَتَمَسَّكُوا بِمَا
كانَ عَلَيْهِ النييُّ صَلى اللهُ عَلَيه وسلم وأصحابُهُ، فَإِنَّ اللهَ لَا
يُخْلِفُ وَعْدَهُ رَسُولَه وَعِبادَه الْمُؤمِنين.
وَلَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَينا في هذه البلادِ بِهذِهِ النِّعْمَةِ
العَظِيمَةِ. بِلادِ التوحيدِ والسَّنَّةِ، البلَدِ الوَحِيدِ الذي يَصْدَعُ عَلى
الْمَلاءِ في كُلِّ أَنحاءِ العالَمِ، أَنَّه يَدعُو إلى التوحيدِ والسُّنَّةِ،
ويُحاربُ الشِّرْكَ والبِدعَ، ويُحَكِّمُ الشَّرِيعَةَ. يَجِبُ عَلَيْنا جَمِيعًا
أَنْ نَرْعَى هذه النِّعْمَةَ ونَتَعاوَنَ عَلى شُكْرِها وحِفْظِها.
اللَّهُمَّ
حَبِّبْ إلَيْنَا الإيمانَ وَزَيِّنْه فِي قُلُوبِنَا وَكَرِّهْ إِلَيْنَا
الكُفْرَ والفُسُوقَ وَالعِصْيانَ وَاجْعَلْنَا مِن الرَّاشِدِين، اللَّهُمَّ
اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ الخالِصِ يَا ذَا الجَلَالِ والإكْرامِ، اللَّهُمَّ
أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا
دُنْيَانَا الّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الّتِي
إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلْ الحَيَاةَ زِيَادةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ،
وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ
الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِيْنَ،
وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِيْنَ، اللهُمَّ أصلحْ أَحوالَ الْمُسْلِمِيْنَ،
اللهُمَّ ارْفعْ البَلاءَ عَن الْمستضعفينَ مِن الْمُؤمِنين فِي كُلِّ مَكانٍ،
اللهُمَّ احِقنْ دماءَ الْمُسلِمِين يا ربَّ العَالَمِين، اللهُمَّ عَليكَ بِالكفرةِ والْمُلِحِدِين
الذَّين يَصدُّون عَن دِينِكَ وَيُقَاتِلُون عَبادَك الْمُؤمِنين، اللهُمَّ عَليكَ
بِهم فإنهمْ لا يُعجزونَكَ، اللهُمَّ زَلْزِل الأرضَ مِن تحتِ أَقَدَامِهم، اللهُمَّ
سلِّطْ عَليهم منْ يَسُومُهم سُوءَ العذابِ يا قويُّ يا متين، اللهُمَّ احفظْ
بلادَنا مِن كَيدِ الكَائِدِينَ وعُدْوانِ الْمُعتدينَ، اللهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أَمرِنا
بِتَوفِيقِك، وَأَيِّدْهُم بِتأَييدِك، وَاجْعَلْهُم مِن أَنصارِ دِينِك، وَارزقْهُم
البِطانةَ الصَّالحةَ النَّاصِحةَ يَا ذَا الجلالِ والإكرامِ، اللهُمَّ اغْفِرْ
لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الأحْيَاءِ
مِنْهُم وَالأمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق
تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|