خطبة: ثمرات الإيمان وواقع الأمة
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ؛ ومن سيئات أعمالنا ؛ من يهده فلا مضل له ؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
أيها الناس: اتقوا الله تعالى, واعلموا أن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني, ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال. فالإيمان: عقيدة في القلب, وقول باللسان وعمل بالجوارح, يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
ولقد ذكر الله تعالى صفات المؤمنين, وكذلك ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم, وما ذاك إلا لبيان أن الإيمان الذي في القلب لابد وأن يظهر على أقوال العبد وأفعاله.
ومن المتقرر عند السلف أن الأعمال الصالحة داخلة في مسمى الإيمان, وأن الجنة لمن آمن وعمل صالحا. قال تعالى: ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) وقال تعالى: ( إِنِّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ )، وقال تعالى: ( إِنِّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ .... ), وغير ذلك من الآيات الكثيرة والتي لا تحصى إلا بكلفة.
وللإيمان يا عباد الله ثمرات: أولها: الفوز بالجنة كما تقدم.
الثانية: الفوز بمحبة الله, ومعيته, وتوفيقه وتأييده.
الثالثة: إستغفار الملائكة للمؤمنين والدعاء لهم بدخول الجنة مع من صلح من أبائهم وأزواجهم وذرياتهم, كما قال تعالى: ( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيم * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ).
الرابعة: أن المؤمن لا يُحرم من أهله وذريته إذا كانوا معه على الإيمان, بل يلحقون به في الجنة كما تقدم, وكما في قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ).
وهذه الآية وغيرها من الآيات تحمل العبد على أن يكون همه الأكبر هو الاجتماع مع أهله وأولاده وأحبته في الجنة, لأن الدنيا زائلة، والفرقة بالموت حاصلة لابد منها, لابد وأن يفارق العبد أهله, يفارق والديه, وزوجته وأولاده, وأصفياءه, وهو فراق مؤقت يعقبه الاجتماع في الجنة. ولكن بشرط أن يكونوا من أهل الإيمان والعمل الصالح. إن الخسارة الحقيقية, هي أن يخسر العبد نفسه وأهله في الآخرة, كما قال تعالى: ( قُلْ إِنِّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ).
فاحرصوا يا عباد الله على تربية من تحت ولايتكم على الإيمان والعمل الصالح, وتذكّروا أن الدنيا زائلة, وامتثلوا قول الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ).
الخامسة: الرضا بالقضاء, وتحمّل مصائب الدنيا, وعدم الجزع والتسخط, سواء كانت في الأموال, أو الأهل والأولاد. قال تعالى: ( وَمَن يُؤْمِن بِاللهِ يَهِد قَلْبَهُ ) قال علقمة: هو العبد تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم. وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام: ( ومن اليقين ما تُهَوِّن به علينا مصائب الدنيا ).
السادسة: الحياة الطيبة والسعادة والطمأنينة وراحة البال, فأكمل الناس إيمانا أكثرهم سعادة وطمأنينة وراحة، وأضعفهم إيمانا أقلهم سعادة وطمأنينة وراحة. ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مٌؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ). السابعة: أن الإيمان إذا كمل في قلب العبد, هانت عليه الدنيا, وعلم أنها متاع الغرور, وأنها لا تستحق أن يحمل الإنسان همها, ولذلك نجد أن أكمل الناس إيمانا أبعدهم وأزهدهم في الدنيا. ومن تأمّل حال النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته عرف ذلك, وكذلك من تأمّل حال الصحابة عرف ذلك, قال الحسن البصري رحمه الله في وصف الصحابة: ( أدركت أقواما لا يفرحون بشيء من الدنيا أقبل, ولا يحزنون على شيء منها أدبر ).
هنيئا لمن كانت هذه حاله ونسأل الله أن يجعلنا كذلك.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين ؛ والعاقبة للمتقين؛ ولا عُدوان إلا على الظالمين؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً ؛ أما بعد:-
عباد الله:
ومن ثمرات الإيمان: التمكين في الأرض, والنصرة على العدو, قال تعالى: ( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ), وقال تعالى: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ).
عباد الله:
إن من تأمل أوضاع كثير من المسلمين اليوم إلا من رحم الله, أفرادا وجماعات وحكومات, وقارنها بصفات المؤمنين في القرآن والسنة, عرف سبب تأخر النصر والتمكين, وعرف سبب الذل والهوان الذي يعيشونه, وعرف سبب فساد قراراتهم وفشل اتفاقياتهم, وعدم الوصول إلى الحلول المثلى لأوضاع العالم الإسلامي، حتى آلوا إلى ما آلوا إليه وتكالبت عليهم الأعداء من كل حدب وصوب, وتداعت عليهم أمم الكفر من يهود ونصارى ورافضة وعبدة أوثان.
ولن يفلح المسلمون ولن يجمع الله قلوبهم ويوحد صفوفهم, مهما بذلوا من جهود, ومهما عقدوا من اجتماعات ودفعوا من أموال, حتى تكون القضية الكبرى هي الإيمان بالله ورسوله والسير على ما كان عليه سلف هذه الأمة. قال الإمام مالك رحمه الله: ( لن يُصلح آخِرَ هذه الأمة إلا ما أَصلَحَ أولها ).
اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام وأخرجهم من الظلمات إلى النور وانصرهم على عدوك وعدوهم يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين .....
|