عِظَمُ الحاجة لعبادة الاستعاذة
إِنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ
من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا
هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً
عَبدُهُ ورسولُهُ صلَّى الله عليه وَعَلَى آله وصَحْبِهِ وسَلَمَ تَسْلِيما (( يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) ، أما بعد:
أيها المؤمنون: الاستعاذة بالله العظيم، عبادة جليلة، وقربة عظيمة، يتجلى فيها توحيدُ
المؤمنين، وافتقارُهُم وصدقُ لُجُوئِهِم لربهم العظيم، يدل على عِظَمِ شأنها وكبير
مكانتها: الحظُ الوافر، والحيزُ الكبير الذي شغلته الاستعاذة من الأذكار المشروعة،
والأدعية المأثورة، وهذا يُنبهنا إلى شدة حاجتنا للقيام بها، وضرورتنا لتطبيقها
وتحقيق معناها واستشعار أذكارها وأدعيتها.
فما
معنى الاستعاذة؟
قولُ العبد:
أعوذ، معناه: ألتجئ وأعتصم وأتحصن وأحتمي وأحترز.
فيكون معنى
الاستعاذة بالله: الالتجاءَ والاعتصامَ والاحترازَ والتحصنَ بالله العظيم،
والالتصاقَ بجانبه من شر كل ذي شر.
فالمستعيذ بالله
هارب من الشرور والمضار والمهالك إلى حماية وحرز ربه المُستعاذِ المُعِيذِ المالك.
فالعباد مخلوقون
ضعفاء، مربوبون فقراء، عاجزون محتاجون، ومعرضون للمخاوف والمضار، والمهالك
والشرور، ولا قوةَ لهم ولا قدرة، ولا مَنْعَةَ لهم ولا حماية من الشر والضر إلا
باللجوء إلى ربهم القويِّ العظيمِ القادرِ سبحانه، واستمداد القوة منه، والاحتماء
بحماه، فهو مَعَاذُ المستعيذين، ومعينُ المستعينين، ومجيرُ المستجيرين، وملاذ
المكروبين، وأمان الخائفين، سبحانه من إله عظيم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(مَنْ عَاذَ بِاللهِ، فَقَدْ عَاذَ بِمَعَاذ) حسن رواه أحمد.
فالاستعاذة بالله
توحيد وعبودية لله يتحصن بها العباد ويسْتدْفِعُون بها البلاء ويَرْفَعُون بها
الضراء، وهي تجمَعُ تَوْحِيدي الرُّبُوبِيَةِ والألوهية.
فتوحيد الربوبية:
باعتقاد العبد المَرْبُوب، ضعْفَهُ وافْتِقَارَهُ لحماية الرَّب المعبود القوي
الغني الحميد، فالرب هو القادر على أن يعِيذ مَنِ اسْتَعَاذَ بِه، وَيجِيرُ مَنِ
اسْتَجَارَ، وَيعْصِمُ مَنِ اعْتَصَمَ بِه.
وتَوْحِيدُ
الأُلُوهِيَّةِ في الاستعاذة: باعتقاد العبد أنه لا يستعاذ بأحد غير الله، فيفرد
الله بالاستعاذة ويخلصها له، ويخضع قلبه ولسانه بها لله، مستجيبا لأمر الله.
ولذا أضاف الله
الاستعاذة في سورتي المعوِّذتين إلى أسمائه الحسنى الثلاثة العُظْمَى: الربِّ
والملكِ والإله.
إذن، الاستعاذةٌ
عبادة لا تصرف إلا لله تعالى، والمُستعاذُ به هو الله وحده، ربُ الفلق والناس،
ملكُ الناس، إلهُ الناس.
فمن صرف الاستعاذة لغير الله فيما لا يقدر عليه
إلا الله فقد أشرك بالله.
ومن التجأ إلى
غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، ولو بغير صيغة الاستعاذة، فقد أشرك بالله،
ولم يتحقق له الأمان.
لقد كان العرب في
الجاهلية عندما ينزلون في سفرهم الأوديةَ يتعوذون بأسياد الجن ليحموهم من شر سفهاء
قومهم، فتعاظمت أسياد الجن في أنفسها وازدادت طغيانا، وزادت هؤلاء المستعيذين بهم إثماً
وتخويفا وذعرا وإرهابا، قال الله تعالى: ((وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ
يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا))
لذا أرشد النبي صلى
الله عليه وسلم المؤمنين إلى العدول عن الشرك والقصد للتوحيد بالاستعاذة
بالمَعَاذِ الحق وبكلماته التامات فقال: (من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله
التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك) رواه مسلم.
أيها المسلمون:
لفقرنا لربنا وشدة حاجتنا للاستعاذة، شرع الله عز وجل لنا الاستعاذة في مواضع
وأحوال كثيرة، من شرور وأضرار متنوعة متعددة.
فشرع الله لنا
الاستعاذة به من شرور النفس وسيئات الأعمال، ومن شر الأسماع والأبصار وسائر
الجوارح، وشرع لنا الاستعاذة به من كثير من الأخلاق والصفات والطبائع السيئة، ومن
شر الفتن ما ظهر منها وما بطن. وفتنته ومن فتنة المحيا والممات وفتنة المسيح
الدجال.
ويعلمهم التعوذ
بالله من عذاب جهنم وعذاب القبر وغيرها من عقوبات وشدائد الآخرة
ومن الأوقات
والأحوال: شرع لنا الاستعاذة في افتتاح الصلاة وختامها وختام الوتر، والأدعية
أثناءها، وشرع لنا تعوذات أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، والفزع منه، وعند
الخروج من البيت، وعند دخول المسجد، وفي دعاء السفر، وعند دخول الخلاء، وغيرها من
الأحوال.
فما أحوجنا عباد
الله لاستشعار اللجوء إلى الله، والاعتصام والتحصن بالله حال تعوذنا ونطق ألسنتنا
بهذه الأذكار والأدعية.
باركَ
اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه
مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ
لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيم.
الخطبة
الثانية
الحمد
لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه وعلى كل من اقتفى، أما
بعد:
أيها الناس:
الاستعاذة بالله سلاح وقوة للعبد عظيمة في دفع الشرور، ورفع شدائد الأمور وبلايا
الدهور، فهي وقاية وحماية وحصن حصين من الشر، وهي أيضا علاج ودواء ووسيلة مشروعة
لرفع البلايا والأوبئة والأمراض.
ففي شأن الوقاية
من الأوبئة والأمراض، ونحن نعيش أيام انتشار وباء (كورونا)، يأتينا ضمن الأدعية
النبوية الوقائية: (اللهمّ إنّي أعوذ بك من البرص والجنون، والجذام، ومن سيّء
الأسقام) صحيح أخرجه أبو
داود والنسائي وابن حبان.
ومن الدعاء
الوقائي: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَمِنْ
تَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَمِنْ فُجَاءَةِ نِقْمَتِك، وَمِنْ جَمِيعِ سَخَطِكَ)
رواه مسلم.
وأيضاً: كَانَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَتَعَوَّذُ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ،
وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ) رواه
البخاري.
ومن أجل وأنفع
التعويذات الشرعية الواقية الدافعة وأيضا الرافعة: سورتي المعوِّذتين الفلق والناس،
ختام القرآن العظيم، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهما: (أَفْضَلِ مَا تَعَوَّذَ
بِهِ الْمُتَعَوِّذُونَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} {وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ
النَّاسِ}) صحيح أخرجه أحمد والنسائي وقال صلى الله عليه وسلم: (أُنْزِلَتْ
عَلَيَّ آيَاتٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ، الْمُعَوِّذَتَيْنِ) مسلم
وقال صلى الله
عليه وسلم لعُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه: (اقْرَأْ بِهِمَا كُلَّمَا نِمْتَ
وَقُمْتَ) صحيح أخرجه أحمد والنسائي
فيشرع لنا التعوذ
بالله بهذه الأوراد الثابتة المشروعة، وترك ما يروج له مما ليس بمشروع.
ومن أجمع
التعوذات الواردة: (اللهم إني أعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم
أعلم).
وكذلك: (اللهم
إني أعوذ بك من شر ما استعاذ بك منه عبدك ونبيك)
ومن التعوذات
التي كان يعلّمهم النبي صلى الله عليه وسلم إياها كما يعلمهم السّورة من القرآن
التعوذ بالله من الأربع دبر الصلاة وقبل سلامها.
عباد الله: ولما
كان الشيطان الرجيم أصل عامة الشرور وسببها شرع الله لنا الاستعاذة بالله من
نزغاته وهمزاته ووساوسه ونفخه ونفثه، ومن شروره كلها في أحوال كثيرة، وبصيغ معلومة
منها: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه.
فيشرع لنا أن
نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عند دخول الْمَسْجِدِ
وفي ابتداء
صلاتنا، وعند الوسوسة فيها، وعند قراءة القرآن، وعند الغضب، وقبل الجماع، وعند رؤية
الأحلام المزعجة، وفي مواضع غيرها.
أيها الناس: من
استعاذ بالله، فقد أوى إلى ركن ركين، وتقوى بالقوي المتين، وتحصن بمعيذ
المستعيذين، فليأمن قلبه وليطمئن فؤاده.
ومن أحب أن يعيذه
الله فليكن من أوليائه، وليتقرب إليه بالفرائض والنوافل، قال الله في الحديث
الإلهي: (وَمَا تقرب إِلَى عَبدِي بشيء أحب إِلَى مِمَّا افترضته عَلَيْهِ، وَمَا
يزَال عَبدِي يتَقرَّب إِلَيّ بالنوافل حَتَّى أحبه فَإِذا أحببته كنت سَمعه
الَّذِي يسمع بِهِ، وبصره الَّذِي يبصر بِهِ، وَيَده الَّتِي يبطش بهَا، وَرجله
الَّتِي يمشي بهَا، وَلَئِن سَأَلَني لأعطينه، وَلَئِن استعاذني لأعيذنه) البخاري.
اللهم
إنا نعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم أعذنا من
شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء
وسوء القضاء وشماتة الأعداء، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة
نقمتك وجميع سخطك، اللهمّ إنّا نعوذ بك من البرص والجنون، والجذام، ومن سيّء
الأسقام، اللهم إنا نعوذ بك من شر ما عملنا ومن شر ما لم نعمل. .
اللهم
آمنا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ
بنواصيهم للبر والتقوى يا ذا الجلال والإكرام واجزهم خيراً على ما يقدمونه لخدمة
الإسلام والمسلمين يا رب العالمين .
اللهم
ادفع عن بلادنا الوباء وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، االلهم احفظ علينا أمننا
وإيماننا وصحة أبداننا وعافية أجسادنا، اللهم اشف مرضانا وعاف مبتلانا واجعل
آخرتنا خير من دنيانا، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين ومن كل
شر وفتنة يا خير الحافظين، اللهم من أراد بلادنا وبلاد المسلمين بسوء وفتنة فاجعل
كيده في نحره يا قوي يا عزيز، يا حيّ يا قيوم . ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين
سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنُوا ربنا إنك رءوف رحيم . ربنا
آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
سبحان
ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي
تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121
|