وترجون من الله في الوباء ما لا يرجون
13- 10 - 1441
الحمد
لله رب العالمين، أهلِ الثناءِ والحمدِ والمجدِ، أحقُ ما قالَ العبدُ، وكُلُّنَا
له عبدٌ، لا نحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه سبحانه، فله الحمد حمداً يليق
بجلاله وعظيم سلطانه، حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى.
وأشهد
ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، خلَقَنا ورزَقَنا، وكافانا وآوانا،
وأطعمنا وسقانا، وجمعنا وأمَّنَنَا وعافانا، وسألناه فأعطانا، فله الحمدُ أولًا
وآخِرًا، وظاهرًا وباطنًا، له الحمد حتى يرضى، وله الحمد بعد الرضا.
وأشهد
أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، أحمدَ الناسِ لربه، وأعبدَهم وأخشاهم له وأصبرهم على
البلاء، صلى الله عليه وعلى آله وأصاحبه وسلم تسليما كثيراً. أما بعد.
أيها المؤمنون: تزيّنوا بالتقوى فإنها خير لباس، ((وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ))
((وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ)) وَ((اتَّقُوا اللَّهَ يَا
أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)).
عباد الله: لقد
ابتلى الله العالم من أقصاه إلى أقصاه بوباء كورونا، فعاش الناس أحداثه وأضراره
وذاقوا ويلاته، أفراداً وجماعات، ومُدُناً ودُوَلاً وقارَّات.
من
المتسبب؟ من المتسبب؟
يجيب ربنا فيقول:
((وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن
كَثِيرٍ)) ويقول: ((قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ)) ويقول: ((إِنَّ اللَّهَ
لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)).
ولماذا يحصل هذا؟
يجيب ربنا فيقول: ((لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ
يَرْجِعُونَ)) (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)
إنها سنة الله
الجارية في الأولين والآخرين ((وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)) ((وَبَلَوْنَاهُم
بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ))
فالطواعين
والأوبئة ليست جديدةً على البشرية، التأريخ مليء بالحوادث.
إنها أفعال الرب
العظيم الحكيم جل شأنه، ليؤدب البشرية وينبهها، ويحد من طغيانها وكفرها وفسوقها
وعصيانها.
وحتى لو قال من
قال إن الفايروس مؤامرة، فإن القوم والله قد أُتُوا من حيثُ لم يحتسبوا ولم
يُقَدِّرُوا ((وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ))،
فأذلهم الله وأظهر ضعفهم وعجزهم أمام أصغرِ جنده.
فلتوقن قلوبنا يا
مؤمنون بأن الأمرَ أمره، والملكَ ملكه، والحكمَ حكمه، هو رب العالمين، وقيوم
السماوات والأرضين، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه.
ولنوقن بأن القوة
والعزة والقهر والغلبة كلَّهَا لله، فكل القوى تتصاغر وتستسلم لأصغر جنده.
أيها
الناس: كنا ولا نزال أيام هذا الوباء وكأننا في قاعة اختبار:
يختبر الله تعالى
قلوبنا ماذا تعتقد فيه.
ويختبر ألسنتنا
ماذا تقول عنه.
ويختبر أبصارنا
وأسماعنا وجوارحنا وأعمالنا ماذا نعمل، فَلْنُرِ الله من قلوبِنا وأعمالِنا
وأقوالِنا وأحوالِنا ما يرضى به عنا، ويعظم أجورنا، ويدافع عنا.
أيها المسلمون
عباد الله: الشر ليس إلى ربنا تعالى وتقدس، فربنا العليم الحكيم الخبير لا يقدر
شراً محضاً خالصاً، بل يُضَمِّن المِحَنَ مِنَحَاً، والبلايا نِعَمَاً، ويُجْرِي
بالمكروهات ألطافاً ظاهرة وباطنة، قد يراها الناس ساعة المكروه، وقد لا يرونها إلا
بعد حين، لذا قال الحكيم سبحانه: ((فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ
اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا))
فكم
رأى الناس في ثنايا البلايا من ألطاف اللطيف المنان ما يُرْوَىَ عِبَرَا.
وهكذا وباء وبلاء
كورونا، فمعظم الناس يتحدثون عن العِبَر والفِكَر والمنافعِ الدينية والاجتماعية،
والمراجعات الفكرية والاقتصادية والصحية وغيرها على مستوى الفرد والجماعة حصلت لهم
ولغيرهم، فرغم حجر الوباءِ للناس وتقييده لنشاطهم، ورغم تسببه بنقصٍ في الأموال
والأنفس والثمرات، إلا أن في ثنايا أحداثه من المصالح والخيرات التي تحدث عنها
الناس وغيرها مما لا يتصور تحققها لولا بلاءُ الله الناسَ بكورونا، وهذا من
مقتضيات ربوبية الله وتأديبه لعباده.
فالحمد لله حمداً
كثيراً طيباً مباركاً.
ولا سواء بين أهل
الإيمان وأهل الشرك والكفران، فلأهل الإيمان خيرات ورحمات من ربهم الرحمن، كما قال
صلى الله عليه وسلم: ((عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ
خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ
شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ
خَيْرًا لَهُ)) مسلم.
وقال ربنا
الرحمن: ((إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا))
فمما
يرجوه المؤمنون من الله الجواد الكريم:
ــ الأجور
العظيمة المترتبة على الإيمان بقضاء الله وقدره وأنه لحكمة بالغة، وأجر العمل
بالأسباب، وأجر التضرع والدعاء بكشف البلاء ورفعه.
ــ ويرجون أجور
الصبر على البلاء، وأجر المحافظة على النفس، وكف الضرر عن الغير، وأجر طاعة ولاة
الأمر.
ــ ويرجون أجر
الشهادة لموتاهم بالوباء، بل ولمن أصيب وصبر واحتسب وجلس في بيته، بل ولمن لم يصب
ممن احتسب في البقاء في بيته وبلده حتى يفرج الله.
ــ ويرجون الأجور
الكاملة للأعمال الصالحة التي كانوا يؤدونها، ومنعهم الوباء منها: كصلاة الجماعة
وصلاة التراويح والقيام في المساجد، وأجور مجالس العلم والذكر وحلقات القرآن، وأجر
العمرة والاعتكاف في رمضان، وأجر تفطير الصائمين، وصلة الأرحام وغيرها من
الصالحات.
ــ إضافة لرجائهم
أجور ما أحيوا به بيوتهم من الأعمال الصالحة، وربهم ذو فضل عظيم .
ــ ويرجو فريق من
المؤمنين أجر الرباط والقيام بالواجب كرجال الأمن ورجال الصحة وغيرهم ممن قاموا
بما كلفوا به، حيث كانوا يرابطون ويسهرون ويتناوبون على حفظ مصالح عباد الله
المؤمنين.
ــ ويرجو فريق
آخر أجر مبادرات خير نفع الله بها وخفف بها من معاناة فقر ومسكنة وجبرت قلب يتيم
وأرملة.
وفريق ثالث ورابع
...
فيا أيها
المؤمنون عظّموا الرجاء بالله ربكم، فالله ذو فضل عظيم، واسع العطاء والجود، شكور
محسن وهو عند حسن الظن به سبحانه.
بارك
الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإيَّاكم بما فيهما من الآيات والحكمة، قلت
ما قد سمعتم، وأستغفِر اللهَ لي ولكم، إن ربي غفور رحيم.
الخطبة
الثانية
الحمد
لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
إقراراً به وتوحيداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله
وأصحابه وسلم تسليماً مزيداً.
أما
بعد: أيها المسلمون عباد الله:
لم يزل الوباء لم
يرتفع عنَّا، ولم تزل الجهات المختصة تطالب الجميع بالأخذ بالاحترازات والاحتياطات
الصحية والوقائية، فواجب علينا أن نلتزم بالتباعد والتحرز في مساجدنا وغيرها حتى
يأذن الله برفع البلاء، تعبداً لله بالطاعة، وحماية لأنفسنا ولغيرنا.
عباد الله:
اعلموا أن ((أفضل الدعاء الحمد لله)) وأن ((الحمد لله تملأ الميزان)) وأن ((أفضل
عباد الله يوم القيامة: الحمادون))
فاحمدوا الله
كثيراً فقد قال نبييكم صلى الله عليه وسلم: ((قالَ رَجُلٌ:" الحَمْدُ للهِ
كَثِيرًا "، فَأَعْظَمَهَا المَلَكُ أَنْ يَكْتُبَهَا، فَرَاجَعَ فِيهَا
رَبَّهُ عزّ وجلّ، فَقَالَ اللهُ تعالى: اُكْتُبُوا لِعَبْدِي رَحْمَتِي كَثِيرًا))
[أخرجه الطبراني
وأبو الشيخ وابن حبان، قال الألباني: حسن لغيره].
فالحمد لله حمداً
كثيراً طيباً مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى.
وادعوا لولاتكم
ورجالاتهم الذين خفف الله بإجراءاتهم وقرارتهم وأعمالهم من أضرار الوباء عليكم،
فلا يشكر الله من لا يشكر الناس.
اللهم
ادفع وارفع واصرف عنا الوباء والبلاء، وقنا شر الأدواء يا سميع الدعاء.
اللهم
إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك
اللهم
إنا نعوذ بك من البرص والجنون والجذام وسيئ الأسقام.
اللهم
إنا نسألك أن تكفينا شر الأوبئة والأمراض.
اللهم
إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم
احفظنا واحفظ بلادنا وبلدان المسلمين من كل سوء ومكروه. اللهم اجز ولاتنا عنا خير
الجزاء.
اللهم
اشف مرضانا ومرضى المسلمين بكورونا، اللهم ارحم موتانا بكورونا وتقبلهم في
الشهداء.
واشف
عموم مرضى المسلمين، وارحم موتاهم، وعاف مبتلاهم يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم
تغمدنا ووالدينا برحمتك إنك أنت أرحم الراحمين. اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث
أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا أنفسنا طرفة عين. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت
أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل
الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر. اللهم اغفر للمسلمين
والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات
. اللهم اغفر للمسلمين الميتين وجازهم بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفواً وغفراناً .
ربنا
اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنُوا
ربنا إنك رءوف رحيم . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان
ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي
تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121
|