الإيمَانُ بِالرُّسُلِ عَلَيْهِم
السَّلَام
خطبة جمعة بتاريخ / 4-4-1439 هـ
الحمد لله الذي خَلَق خلْقه أطوارا ، وصرَّفهم كيف يشاء عزةً واقتدارا ، وأرسل
رسله إلى المكلَّفين إعذارًا منه وإنذارا ، وأشهد أن لا إلـٰه إلا الله وحده لا
شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله
وصحبه أجمعين.
أمّا بعد أيها
المؤمنون: اتّقوا الله ربكم، وراقبوه في جميع أعمالكم ؛ مراقبة من يعلمُ أن ربَّه
يسمعُه ويراه .
أيها المؤمنون: إنَّ الله تبارك وتعالى لم يخلق هذا
الخلق هملا ، ولا أوجدهم سدى لا يؤمرون ولا يُنهون، بل خلقهم لعبادته وأوجدهم
لطاعته ، ولأجل ذا أرسل رسله الكرام واسطةً بينه وبين العباد في بلاغ الدين وبيان
الحق والهدى وهداية الناس إلى رب العالمين
، فلا طريق إلى معرفة الله وطاعته وعبادته والوصول إلى مرضاته إلا من طريق الرسل
والنبيين عليهم صلوات الله وسلامهأجمعين .
أيها المؤمنون : والرسل هم صفوة العباد وخيارهم ، اصطفاهم
الله جل وعلا واجتباهم ،﴿
اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ﴾ [الحج:75] ، اصطفاهم لبلاغ
دينه جلَّ في علاه فبلَّغوا البلاغ المبين ، وما تركوا خيرًا إلا دلوا أممهم عليه ،
ولا شرًا إلا حذروا أممهم منه ،﴿
وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [النور:54] .
أيها المؤمنون : والإيمان بالرسل أصلٌ من أصول
الإيمان وأساسٌ من أسس الدين ، فلا إيمان ولا طاعة ولا قبول لعبادة إلا بالإيمان
بالرسل عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين ، قال الله تعالى:﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ
مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءَامَنَ بِاللهِ وَمَلَآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ
وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ﴾[البقرة:285]، وقال الله
تعالى :﴿وَمَن يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾[النساء:136].
أيها المؤمنون : والإيمان بالرسل هو التصديق الجازم
واليقين الذي لا ريب فيه أنهم رسل الله جل في علاه ، وأن الله عز وجل اصطفاهم
واجتباهم وبعثهم بوحيه المبين ودينه القويم ، وأنهم صادقون مصدوقون ، هداةً مهتدون
، بارون راشدون ، أمناء أتقياء ، بلَّغوا البلاغ المبين وهدَوا العباد إلى صراط
الله المستقيم ، والإيمان بأنهم عليهم صلوات الله وسلامه دعَوا العباد إلى الهدى والرشاد فما تركوا خيرًا إلا ارشدوا إليه ، ولا شرًا
إلا أنذروا العباد وحذروهم منه ، والإيمان بأنهم صفوة العباد وخيرهم وأنهم أفضل
عباد الله وخير الورى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وكذلك بعمارة القلوب بمحبة
الرسل الكرام والحرص على الاهتداء بهديهم والاقتفاء لآثارهم ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ
فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام:90].
أيها المؤمنون : وفي القرآن الكريم قصَّ الله علينا
في مواطن كثيرةٍ منه من نبأ المرسلين ، وذكَر عددًا منهم بأسمائهم ، وذكَر أخبارًا
مفصَّلةً عن بعضهم ، وأخبر جلَّ وعلا أنه قد قصَّ في القرآن خبر بعضهم ولم يقُص
خبر بعض ؛ فالواجب علينا أن نؤمن بجميع النبيين مَن قص الله خبره منهم ومن لم يقصص
خبره ، نؤمن بهم إجمالًا فيما أُجمل وتفصيلا فيما فُصِّل ، وما وقفنا عليه من قصص
النبيين نقف معه وقوف متعظٍ معتبر مهتدٍ بهداهم حريص على السير على منهاجهم عليهم
صلوات الله وسلامهأجمعين . والله عز وجل ذكر في القرآن خمسة وعشرين نبيًا سمَّاهم
جل وعلا بأسمائهم ، منهم من ذكرهم الله عز وجل في آيات في سورة الأنعام ذِكرًا
متواليا معظِّمًا شأنهم معليًا مكانتهم منبهًا العباد على المعرفة بأقدارهم
ومكانتهم العظيمة ، قال الله تعالى : ﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا
إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ
حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا
وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ
وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84)
وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85)
وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى
الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام:83-86]، هذه -عباد
الله- أسماء نبيين شرَّف الله أقدارهم وأعلى مكانتهم ومنازلهم ، فالواجب على
العباد أن يعرفوا هؤلاء الأنبياء وأن يعرفوا أسماءهم وفضائلهم وقصصهم وأخبارهم
وسيَرهم العظيمة ليهتدوا بهداهم ويسيروا على منهاجهم ، ولهذا لما ذكر هؤلاء جل
وعلا أتبع ذلك بقوله: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ
فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام:90]
أيها المؤمنون : والإيمان بالرسل أمرٌ متلازم ؛ فالإيمان
ببعضهم يوجب الإيمان بجميعهم ، والكفر بواحد منهم كفرٌ بالجميع ، ولهذا فإنَّ من
يفرِّق بين النبيين فيؤمن ببعض ويكفر ببعض هو كافرٌ بهم كلهم وكافر بمن أرسلهم وهو
رب العالمين ، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ
وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ
نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ
ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا
لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾
[النساء:150-151].
أيها المؤمنون : عظِّموا أنبياء الله ورسله ، واعرفوا
لهم أقدارهم ، واحرصوا على معرفة سيَرهم وأخبارهم ، وجاهدوا أنفسكم على التأسي بهم
؛ فإن الحياة الحقيقية إنما هي باتباع المرسلين ولزوم سبيلهم وصراطهم المستقيم .
هدانا الله
أجمعين لسلوك نهج النبيين ولزوم سبيلهم وهداهم ، وأصلح لنا شأننا كله ، إنه تبارك
وتعالى سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل .
الخطبة الثانية :
الحمد لله كثيرا ، وأشهد أن لا إلـٰه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن
محمداً عبدُه ورسوله صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.أمّا بعد أيها
المؤمنون: اتقوا الله فإن من اتقى الله وقاه ، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه ، وتقوى
الله : عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله ، وتركٌ لمعصية الله على
نورٍ من الله خيفة عذاب الله .
أيها
المؤمنون : ومن الإيمان بالأنبياء أن نؤمن أن النبوات خُتمت بنبوة محمد عليه
الصلاة والسلام ، فلا نبي بعده ولا رسول ، ولا شريعة بعد شريعته ولا كتاب ، قال
الله عز وجل: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ
أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب:40]، قد جاء في الحديث الصحيح أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ
" مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى
بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ،
فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ هَلَّا
وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ
النَّبِيِّينَ ")) ؛ فبنبوته عليه الصلاة والسلام ورسالته خُتمت النبوات
والرسالات ، وهو خاتمهم وخيرهم وأفضلهم ، بل هو سيد الأولين والآخرين ، وأمته عليه
الصلاة والسلام هي خير الأمم ﴿
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران:110]. والواجب على المؤمن أن يحمد الله أن جعله في خير الأمم، وأن جعله من
أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن يجاهد نفسه على معرفة سيرة هذا الرسول عليه
الصلاة والسلام العظيمة المبجَّلة الجليلة ، وأن يجاهد نفسه على التأسي به والسير
على منهاجه والاقتفاءَ لأثره صلوات الله وسلامه عليه ، وأن يعمُر المسلمَ قلبه
بمحبة هذا الرسول محبةً مقدمة على الوالد والولد والناس أجمعين ، ومحبته من محبة
الله كما أن طاعته من طاعة الله جل في علاه .
هذا وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن
عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إِنَّ
اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾[الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى
الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله
عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) .
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ
مجيد . وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين ، الأئمة المهديين ؛ أبى بكرٍ الصديق ،وعمرَ
الفاروق،وعثمانَ ذي النورين ، وأبي الحسنين علي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن
التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا
أكرم الأكرمين .
اللهم أعزَّ الإسلام
والمسلمين ، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم
، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم كُن لهم ناصرًا
ومُعينا وحافظًا ومؤيِّدا ، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم
إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم . اللهم آمنَّا في أوطاننا ، وأصلح
أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين
.
اللهم وفِّق ولي أمرنا
لهداك ، وأعِنه على طاعتك ، وسدِّده في أقواله وأعماله ، اللهم وفِّقه وولي عهده
لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال يا حي يا قيوم يا ذا الجلال
والإكرام .
اللهم آتِ
نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليُّها ومولاها، اللهم إنا نسألك
الهدى والتقى والعفة والغنى . اللهم تقبَّل توبتنا ، واغسل حوبتنا ، وثبِّت حجتنا ،
واهد قلوبنا ، وسدِّد ألسنتنا ، واسلل سخيمة صدورنا. اللهم اغفر لنا ولوالدينا
ووالديهم وذرياتهموللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله ؛ دقَّه وجِلَّه ، أوَّله وآخره ، علانيته وسرَّه . اللهم
إنا نستغفرك إنك كنت غفارا ، فأرسل السماء علينا مدرارا ، اللهم أغثنا ، اللهم
أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنك أنت
الله لا إله إلا أنت يا حي يا قيوم يارحمن يارحيم ياذا الجلال والإكرام أن تسقينا
الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين ، اللهم
إنا نسألك غيثًا مُغيثا ، هنيئًا مريئا ، سحًّا طبقا ، نافعًا غير ضار، عاجلًا غير
آجل ، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر ، اللهم ياربنا نسألك سقيا رحمة
لا سقيا هدمٍ ولا عذابٍ ولا غرق ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، وزدنا ولا تنقُصنا ،
وآثرنا ولا تؤثر علينا . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب
النار . ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ
عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات:180-182].
وللمزيد من الخطب
السابقة للشيخ عبدالرزاق البدر تجدها هنا
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=125 |