دعوة لمحاسبة النّفس في شهر رمضان
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه ومبلّغ الناس شرعه بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمَّة وجاهد في الله حقَّ جهاده حتى أتاه اليقين وما ترك خيراً إلا دلَّ الأمّة عليه ولا شرّاً إلا حذّرها منه ؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد عباد الله : اتقوا الله تعالى وراقبوه مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعه ويراه. وليكن لنا عباد الله في تقلب الأيام وتصرم الأعمار ومضي الأزمان عبرة {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ } [النور:44].
عباد الله : بالأمس القريب كنا نرقب مجيء شهر رمضان بأيامه العظيمة ولياليه الغرر الحسان ، ونحن الآن عباد الله قد مضى من شهرنا عشرٌ كاملات ؛ بل أوشك الشهر على الانتصاف .
عباد الله : لابد للعبد من وقفةٍ صادقةٍ مع الله تبارك وتعالى ينيب فيها إلى ربِّه ويحاسب فيها نفسه ويزن فيها أعماله، إن عمرك أيها الإنسان شأنه شأن الشهور والأعوام ؛ فكما أن الشهور والأعوام تمضي سريعاً فإن العمر شأنه كذلك . عباد الله : ما أجمل المحاسبة للنفس في وقت العمل وما أجمل وزن الأعمال قبل أن توزن ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا و زنوها قبل أن توزنوا .
عباد الله : إننا نعيش أيام مباركات وساعات فاضلات يقول نبينا عليه الصلاة والسلام : ((رمضان شهر مبارك يفتح فيه أبواب الجنة ، ويغلق فيه أبواب السعير ، وتصفد فيه الشياطين ، وينادي مناد كل ليلة : يا باغي الخير هلم إلى الخير ، ويا باغي الشر أقصر)) .
عباد الله : رمضان شهرٌ مبارك كما أخبر عنه نبيُّنا صلى الله عليه وسلم ؛ مباركٌ في كل لحظاته وفي جميع الأبواب والمجالات : بركة في الوقت ، وبركة في العمل ، وبركة في الجزاء ، وبركة في حسن العواقب والمآلات ، فكم لله تبارك وتعالى في هذا الشهر الكريم الفاضل العظيم من عتقاء من النار ! في الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: ((إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ)).
عباد الله : أليس من اللائق بنا والجدير بكل مسلم أن يغنم بركة هذا الشهر وأن يتحيّن هذه الفرصة الثمينة للتزوّد بصالح الأعمال والتوبة النّصوح إلى الله ذي الجلال وكثرة الإنابة والاستغفار ، يقول عليه الصّلاة والسلام محذِّراً ومنذراً : ((رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ)) . نعم عباد الله ؛ إنه خسرانٌ عظيم وحرمانٌ بالغ أن يمر بالمرء هذا الموسم العظيم ثم لا ينيب إلى ربِّه جلّ وعلا ولا يتوب .
عباد الله : إذا لم تنب قلوبنا إلى الله في هذا الوقت فمتى تنيب ؟! إذا لم يكن منا توبة في هذه الساعات الفاضلات فمتى نتوب ؟! إذا لم تتحرك ألسنتنا -عباد الله- باستغفار كثير في هذه الأيام المباركات فمتى عسانا أن نستغفر؟!.
عباد الله : تعالوا نحاسب أنفسنا قبل أن يحاسبنا ربُّنا ، تعالوا عباد الله لنصدق مع الله جل وعلا في توبة نصوح يَجُبُّ بها ربُّنا ما سبق منا من أعمال وما بدر منا من تقصير ، تعالوا عباد الله في هذه الساعات الفاضلات الكريمات نعاهد ربَّنا جل وعلا على إصلاح أحوالنا وتزيين أعمالنا والجدّ والاجتهاد فيما يقرّبنا من ربِّنا {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } [العنكبوت:69].
عباد الله : البدار البدار قبل تصرم الأعمار ومضي الليلي ومضي الأيام. عباد الله : علينا بالإنابة إلى الله سبحانه قبل الفوات ، علينا بالإقبال على الله سبحانه قبل الندم . عباد الله : إنها أيام غرر وساعات فاضلات لا يليق بنا أن نفوتها وأن نضيعها.
اللهمّ كن لنا عوناً مُعينا ، اللّهم كن لنا هادياً يا ذا الجلال والإكرام ، اللهمّ أصلح لنا شأننا كلَّه ، اللهمّ وفقنا أجمعين لتوبةٍ نصوح ترضى بها عنا، اللّهم وفقنا لحسن الإنابة إليك والاستغفار يا ذا الجلال والإكرام.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي و لكم و لسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود و الامتنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد عباد الله : فإن شأن الناس مع رمضان شأنٌ متفاوت ومتباين ؛ فمن الناس - عياذاً بالله - من يدخل الشهر ويخرج ولا يتحرّك فيه ساكن بل هو ماضٍ في غيِّه مستمر في ضلاله ، وآخرون من الناس يصلحون أنفسهم في رمضان صلاحاً مؤقتاً دون معاهدةٍ منهم لله جل وعلا على التوبة النصوح الماضية المستمرة ، ومن الناس – عباد الله - من يغنم فرصة رمضان بتوبةٍ صادقة إلى الله جل وعلا من ذنوبه كلها وسيئاته جميعها ، ومن الناس من أصلحه الله فهو ماضٍ في صلاحه مقبلٌ على ربّه جل وعلا يرجو رحمته ويخاف عذابه .
عباد الله : وإذا كانت الشياطين تصفّد كما مرّ معنا ذلك في الحديث فإن ذلك لا يعني موتَها ؛ بل هي موجودة ومنها يقع نوع تسلط على من لم يُحسِن حاله في رمضان في صيامه وقيامه . ويعظم كيد أعداء دين الله لأهل الإسلام في رمضان بإعداد البرامج المتنوعة التي يهدفون من ورائها تضييع الصّيام وإهدار هذه الأوقات فيما فيه المضرّة والعطب .
ألا فلنتق الله في أنفسنا ولنتق الله في أولادنا ولنحذر من منافذ الشر ومداخله ومن مصائد الشيطان وحبائله.
أعاذنا الله وذرياتنا من الشيطان الرجيم ، وأعاذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وأصلح لنا شأننا كلّه إنه تبارك و تعالى الهادي وهو جلّ وعلا نعم المولى ونعم النصير.
عباد الله : صلوا وسلِّموا رعاكم الله على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:٥٦] .
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد و على آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، وارضَ اللّهمَ عن الخلفاء الراشدين الأئمّة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي . وارضّ اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللّهمّ أعنا ولا تعن علينا ، اللهم أعنا ولا تعن علينا ، واهدنا ويسر الهدى لنا وانصرنا على من بغى علينا. اللّهمّ اجعلنا لك شاكرين لك ذاكرين إليك أوّاهين منيبين لك مخبتين لك مطيعين. اللّهمّ تقبّل توبتنا واغسل حوبتنا وأجب دعوتنا واهد قلوبنا وسدِّد ألسنتنا واسلل سخيمة صدورنا. اللّهمّ اهدنا إليك صراطا مستقيما. اللّهمّ بارك لنا في أعمالنا وفي أعمارنا وفي ذرياتنا وأموالنا واجعلنا مباركين أينما كنّا . اللّهمّ آتِ نفوسنا تقواها ، زكِّها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها . ربَّنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . ربَّنا اغفر لنا ذنبنا كلَّه دِقَّه وجِله أوله وآخره سره وعلنه. اللّهمّ اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهمّ إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً ، اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد وحدك لا شريك لك المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم أن تسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا اللهم اسقنا وأغثنا ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، اللهمّ زدنا ولا تنقصنا ، اللهم إنا نسألك غيثاً مغيثا هنيئا مريئا سحّاً طبقاً نافعاً غير ضار عاجل غير آجل . اللّهمّ اغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر ، اللّهم سُقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق، اللّهم أغثنا اللّهم أغثنا اللّهم أغثنا. إلهنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تعزّ الإسلام والمسلمين وتذلّ الشِّرك والمشركين وأن تدمِّر أعداء الدِّين ، اللّهم عليك بأعداء الدِّين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللّهم من شرورهم . اللّهمّ آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله وسلّم وبارك وأنعم على عبد الله ورسوله نبيِّنا محمد وآله وصحبه أجمعين .
|