خطبة جمعة / حول ما يصدر من الفتاوى في هذا العصر
الحمد لله الذي هدانا للاسلام , وعلمنا الحكمة والقرآن , وأشهد ان لا اله الا الله الواحد الديان , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الى الثقلين الانس والجان , صلى الله عليه وعلى آله وصحابته الطيبين الأخيار وعلى التابعين ومن تبعهم الى يوم الدين بإحسان , وسلم تسليما كثيرا 0
( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وأنتم مسلمون )
أيها الاخوة المسلمون : مع مرور الأيام والأعوام تستجد أمور وتحدث أحداث , وكثير من الناس مجبر على التعامل مع ما يحدث شاء أم أبى , ويبقى الناس تجاه ما يحدث على ثلاثة أقسام : قسم مفرط ومتجاوز للحدود , وقسم مفرّط ومضيع , وقسم وسط عوان بين ذلك , ومما هو اليوم بين وظاهر على الساحة الاعلامية ذلك هو شأن الفتوى التي خدمتها وسائل الاعلام المقروء منها والمسموع . لقد كان الناس الى عهد ليس ببعيد لا يجرأ على الفتوى منهم أحد وفي البلد من هو اعلم منه لوازع الدين والورع والادراك التام لخطر الفتوى المجانبة للصواب , ولتلك الاسباب النبيلة وغيرها حضيت الفتوى في ذلك الزمان بمكانة رفيعة , وهيبة جليلة , وطواعية عديمة النظير , لان المستفتي قد تعب في تحصيلها بل ربما تكبد مشاق السفر من أجلها , من القرية الى المدينة , أو من مدينة الى أخرى , وأما اليوم فإن الامر في الفتوى لا يخفى ينطبق على واقع الحال قول الاول :هزلت وحتى بان من هزالها × كلاها وحتى سامها كل مفلس . إن الفتوى – أيها الاخوة – يحسن بالمتكلم عنها أن يراعي فيها ثلاث جوانب , الجانب الاول من جهة المفتي , والجانب الثاني من جهة المستمع للفتوى والمستفيد منها , والجانب الثالث من جهة الفتوى نفسها , ولعلنا سويا نقف على هذه الجوانب بشيئ من الايضاح لنستمع القول فنتبع أحسنه 0 أما الجانب الاول وهو ما يتعلق بالمستفتي والمستفيد من الفتوى والسامع لها فإن الناس اليوم أو كثير من الناس لم يعد يفرق بين العالم والمتعالم وبين الواعظ والخطيب وبين المحق والمبطل , قد انخدع بالمظهر أو المنصب أو الرتب والرواتب فظن ان كل من حسن مظهره واقام لسانه ونصع بيانه وخرج على شاشة تلفاز أو ظهر صوته بمذياع أنه من اهل العلم والفتوى فيقبل من هذا حاله الكلام جزافا دون روية وتمحيص وتؤدة وربما تعلل بأن الاثم على المفتي , ولتعلموا – أيها الاخوة – أن الفتوى لاتؤخذ الا من اهل العلم الراسخين المشهود لهم بالباع الطويل في الطلب الذين ترتاح النفوس لكلامهم , المستندين بفتاويهم على الدليل الصحيح والتعليل القوي , وليس مجرد الحصول على الشهادات العليا , وتبوء المناصب الوظيفية وكثرت الكتابة والتأليف , أو كثرت الظهور في وسائل الاعلام , ليس ذلك كاف لئن يكونوا مصدر للناس في الفتوى , فكثير ممن يتصدر للفتوى يغلب عليه حب الظهور وأن يندرج ذكره على السنة الناس , ولايهمه إذا تحدث الناس عنه في أي شيئ يتحدثون ألمهم أن يتحدثوا 0 ولتعلموا – ايها الاخوة – أن العلم دين وان من اقبح ما يأتئ المرء أن يقلد دينه من لا علم عنده , وقد نهى الله سبحانه عن سؤال الجهال وأنصاف المتعلمين , وامر بسؤال أهل العلم الراسخين قال سبحانه ( فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تلمون ) وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم كيفية ذهاب العلم بقوله " إن الله لا ينزع العلم انتزاعا من الناس ولكن ينزع العلم بنزع العلماء حتى إذا لم يبقي عالما اتخذ الناس رؤسا جهالا فسؤلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا 0 وهذا هو الحاصل اليوم في واقعنا المكلوم حتى إن ألكثير من الناس من كبار السن والعقلاء لم يعد يثقون في شأن الفتى إلا بنفر قليل قد لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين , وهذا مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم آنف الذكر0
وأما الجانب الثاني في هذا الموضوع شأن الفتوى فهو ما يتعلق بالمفتي فيحسن أن يرمي في أذن كل من يسأل فيفتي تلك النصوص الواردة في خطر الفتوى علها تحدث عنده ورعا وخوفا من عاقبة ما يقدم عليه قال الله تعالى مساويا بين القول عليه بغير علم بالشرك الاكبر المخرج عن دائرة الاسلام ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله مالم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله مالا تعلمون ) وقال اله تعالى ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرا لتفتروا على الكذب ......) ومن المعلوم أن من يعمد الى الفتوى وهو غير أهل لها انه يبحث عن الرفعة فيها وصرف انظار الناس اليه , والله سبحانه وعد بأن يرفع اهل العلم دون اهل الفتوى قال تعالى ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) وليعلم من يفتي الناس بغير علم أنه بفعله هذا قد وضع نفسا شريكا مع الله في التشريع , فليتقي الله كل من يقدم على الفتوى , وأن يكل الامر الى اهله , وليطلب العلم في مضآنه ومن طرقه الصحيحة , ولا يستعجل في التصدر فإن أراد الله به رفعة فسيرفعه الله ولو بعد حين . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .................. الخ
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ..............
أيها الإخوة المسلمون : بقي من الجوانب الثلاث المتعلقة بالفتوى جانب واحد وهو من الأهمية بمكان ألا وهو ما يتعلق بالفتوى نفسها .
يسمع بين الحين والآخر فتاوى تصدر من أشخاص لهم حضور إعلامي , لم تكن تلك الفتاوى معهودة من قبل أسلافهم , تُحدث تلك الفتاوى ضجة إعلامية بسبب فرح الإعلام بتلك الفتاوى الشاذة والغريبة لانهم يعيّشون ويرتعون أقلامهم في أرضها التي عدوها فرصة مواتية , ويسودون صحفهم في الحديث عنها , ويشنفون آذانهم وآذان مستمعيهم لها أياما وأسابيع وربما شهورا وأعواما 0 ومن المعلوم أن ذلك لا يصدر من هؤلاء الإعلاميين عبثا ولكن لهم في فعلهم هذا هدف والف هدف, فمن أقبح أهدافهم نشر المسائل الخلافية بغرض تمييع الدين وتضييعه , ومن أهدافهم سحب البساط من العلماء الراسخين ليفقد الناس فيهم الثقة ومن ثم تفقد المرجعية وبعدها لا تسل عن حال الناس في التخبط في الدين وظهور البدع والخرافات , ناهيك عن أهدافهم المادية وسحب أكبر عدد من المتابعين لما ينشرون 0
أيها الإخوة : لا نقول لكم لا تسمعوا , ولا تقرءوا , ولكن نقول لا تستعجلوا بالتأثر بكل ما تسمعون وتقرؤن , واعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه , ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه , ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه " وعن وابصة الأسدي قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أريد أن لا أدع شيئا من البر والإثم إلا سألته عنه وحوله عصابة من المسلمين يستفتونه فجعلت أتخطاهم قالوا إليك يا وابصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت دعوني فأدنو منه فإنه أحب الناس إلي أن أدنو منه قال دعوا وابصة ادن يا وابصة مرتين أو ثلاثا قال فدنوت منه حتى قعدت بين يديه فقال يا وابصة أخبرك أو تسألني ؟ قلت لا بل أخبرني فقال جئت تسألني عن البر والإثم فقال نعم فجمع أنامله فجعل ينكت بهن في صدري ويقول يا وابصة استفت قلبك واستفت نفسك ثلاث مرات البر ما اطمأنت إليه النفس والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك ) رواه أحمد وحسنه جمع من اهل العلم 0 وقال الفضيل بن عياض: " اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين". و أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الى المخرج من تلك الفتاوى الضالة والمضلة وما تجر اليه من الفتن فقال صلى الله عليه وسلم : " إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة"
اللهم أصلح أحوالنا وردنا إليك ردا جميلا ......................... الخ
|