خطبة جمعة / عن التحذير من
سوء الجوار
الحمد لله رب العالمين
........................
أيها الاخوة المسلمون : لا خير في الحياة اذا كانت مليئة بالمنغصات
والمكدرات , ولا راحت للمرء اذا كان طوال يومه وعامه , بل ودهره وعمره يلهث وراء الفكاك من بعض التبعات , فكيف
اذا كان يخرج من مشكلة ويقع في الأخرى , ومن من ؟ من اقرب الناس إليه نسبا ,أوصهرا
, أو رحما , أودارا .
المشاكل التي تعاني منها مجتمعات المسلمين اليوم
, والتي يطال شرها فئة ليست بالقليلة : مشاكل كثيرة وكثيرة جدا , على رأس تلك المشاكل
جهل الكثير منا بما له وبما عليه تجاه جاره
, وقد أدى ذلك الى حدوث مشاكل وسلبيات قد لا تعد ولا تحصى . فلو استعرض المسلم النصوص الواردة في الكتاب
السنة في أمر الجوار لوجد ان الامر في غاية الاهمية معرفته , كما أنه في غاية
الخطورة الجهل به , نص واحد من تلك النصوص ودليل كاف إذا عرفه المسلم الصادق
الممتثل لقوله تعالى ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ) كاف إذا كان المسلم محسنا لجاره بأن يفرح بما
آتاه الله من الخير , كما وأنه كاف إذا كان المسلم مسيئا الى جاره بأن يكف عما هو
فيه من الإساءة , ويصحح مساره تجاه جاره 0
فهاكم بعضا من هذه النصوص عل جاهل يتعلم , وغافل
يتفطن , ومسيئ يراجع نفسه فيندم , قال الله تعالى ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين
إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب
بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن
1.
الله لايحب من كان مختالا فخورا ) فأول ما بدا الله به في الوصية بعد الوصية بعبادته
وعدم الاشراك به , ثنى بالاحسان الى الوالدين , ثم ثلث بذي القربى لما لهم من
المكانة , ثم باليتامى لما تقتضيه حالهم , ثم بالمساكين لقلة ذات يدهم وإعوازهم
وحاجتهم , ثم بعد ذلك جائت الوصية بالجيران على اختلاف مراتبهم الثلاث , فالجيران
ثلاثة : جار مسلم قريب النسب قريب الدار , وجار مسلم قريب الدار فقط , وجار غير
مسلم ولكنه قريب الدار فقط 0 وإن الجيران
– أيها الاخوة – ليسوا هم فقط الملاصقين لك في الدار , وإنما هم أبعد من ذلك بكثير
, فالله سبحانه وتعالى قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ( لئن لم ينته المنافقون
والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لايجامرونك فيها الا
قليلا ) فهذه الآية تدل على أن أهل البلد الواحد يسمون جيران وإن تباعدت دورهم 0 وقد جاء في بعض الآثار أن أربعين دارا جار 0 وقد سئل الحسن
البصري عن الجار فقال: "أربعين دارا أمامه , وأربعين خلفه , وأربعين عن يمينه
, وأربعين عن يساره".وروي عن علي رضي الله عنه أنّ قال : من سمع النداء فهو
جار. وقيل: إنّ من صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار. ولاهمية
الجار ومكانته أوشك الرع أن يجعله وريثا لجاره فقد روى الامام البخاري من حديث
عائشة رضي الله عنهما قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما زال
جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " وقال صلى الله عيه وسلم " من
كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ……. الحديث " وأمر النبي صلى الله عليه وسلم ابا ذر رضي الله
عنه : إذا طبخ مرقا فليكثر ما ئها ويتعاهد جيرانه 0 وأمر عائشة رضي الله عنها
حينما سألته بأن لها جاران ةالى إيهما تهدي فقال لها الى أقربهم منك دارا 0 والاحاديث في شان الجوار كثيرة وهي معلومة 0
أيها الاخوة : لان
كان بعض الجيران يطمع من جاره أن يتمثل هذه النصوص ويطبقها معه تطبيقا كليا , فإن
من الجيران اليوم من غاية مطمعة من جاره السلامة والنجاة فهو يقول بلسان حاله
وقاله : لا أريد خيرا ولا اريد شرا 0 وأما نوع آخر من الجيران فقد نفذ بنفسه حفاظا
على ماله وعرضه باع بيته وترك حيه كل ذلك بسبب سوء الجوار , فإن انعدام الدين ,
وذهاب المروءة , وفقدان الحياء , وخساسة الطبع جعلت في المجتمع أناسا تنصلوا من كل القيم والاخلاق فلا قيمة
لجيرانهم عنده البتة , يمرون بهم فلا يسلمون عليهم , يحتاجون اليهم فلا يساعدونهم
, إذا أصيبوا لم يواسوهم , وإذا سعدوا وفرحوا لم يشاركوهم , وإذا غابوا لم
يتفقدوهم , وإذا جاعوا لم يطعموهم , وإذا مرضوا لم يعودوهم 0 بل الادهى من ذلك
والامر أنه وجد من يتحين غيب جاره ليسرقه , ويتصنت عليه ليفضحة , ويعاكس نساءه ,
ويعتدي على أبناءه , ويتلف ماله , ويرمي بالقمامة على باب داره , وبكل أنواع الاذى
يؤذيه , فأي دين عند من كان هذا حاله , وأي أمان للمجتمع وفيه من هذا النوع 0 لقد
قال صلى اله عليه وسلم " والله لايؤمن , والله لايؤمن , والله لايؤمن , قيل
من يارسول الله قال : من لم يأمن جاره بوائقه " ولعظم ما بين الجيران قال صلى الله عليه وسلم :
أول خصمين يوم القيامة جاران 0 فما اعظم حق الجوار لو علم الناس , وما اسعد
المجتمع لو طبق الناس ما علموا 0 اللهم أصلح احوالنا ........... بارك الله لي
ولكم ...............
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين .............
أيها الاخوة المسلمون : مع أن المجتمع
فيه من بلغوا أدنى درجات الهبوط في التعامل مع جيرانهم إلا أن في المجتمع ولله
الحمد من بلغوا اعلى مراتب الاحسان وحسن الجوار مع جيرانهم وهم كثر , بل إنهم أكثر
المجتمع , فبوجود هئولاء تسعد المجتمعات , وبوجودهم تحل البركات , وبوجودهم تنحسر
الرذائل وتقل المنكرات , وبوجودهم تظهر شعائر الدين , وتنغرس مكارم الاخلاق في
نفوس الناشئة , وبوجودهم يستبشر أهل الخير بالخير , وبوجودهم يشرق أهل الشر بالخير
0 أيها الاخوة : إن حسن الجوار يسبب في المجتمع من الخيرات ما لله به عليم فمن
ذلك أنه سبب في تعمير الديار لما يحس به المرء من راحة
البال بجوار جاره ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنّه من أعطي حظه من
الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة، وصلة الرحم , وحسن الخلق , وحسن الجوار
يعمران الديار ويزيدان في الأعمار " أخرجه أحمد . ومن ذلك ان الله تعالى يقبل شهادة الجيران لجارهم في حقه بالخير , ويغفر له ما لا يعلمون ففي ذلك
روى أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يموت فيشهد له
أربعة أبيات من جيرانه الأدنين إلّا قال: قد قبلت فيه علمكم فيه وغفرت له ما لا
تعلمون» أخرجه أحمد والحاكم أن حسن الجوار سبب يرفع منزلته في الدنيا , لأنّ الإحسان إلى
الجار والكف عن أذيته من مكارم الأخلاق التي تعد شرطاً في المروءة, وفي ذلك قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الأصحاب عند الله عز وجل خيرهم لصاحبه وخير
الجيران عند الله خيرهم لجاره» [أخرجه أحمد والترمذي]. وكذلك حسن الجوار سبب سعادة المرء، وفي ذلك قال صلى الله عليه
وسلم: «أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب
الهنيء» [أخرجه ابن حبان]. فاتقوا الله –
عباد الله – وأحسنوا الى جيرانكم , وتناصحوا فيما بينكم , ولا تتركوا مداخل
للشيطان فيما بينكم
ا للهم اصلح احوالنا.......................
|