عبادة الاستغفار
إن الحمد لله, نحمده, ونستعينه, ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, أما بعد :
عباد الله: اتقوا الله وتقربوا إليه بصالح الأعمال, فما يزال العبد يتقرب إلى الله عز وجل حتى يحبه, وإذا أحبك هداك لما يحب, وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
أيها الناس: عبادة جليلة, خفيفة, عظيمة, كان نبيكم صلى الله عليه وسلم يداوم عليها, ألا وهي عبادة الاستغفار.
قال الله عز وجل:{ واستغفر لذنبك }.
وقال سبحانه :{ وَاسْتَغْفِرِ اللّهَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً {106}} النساء.
وأثنى سبحانه على المستغفرين بالأسحار, عندما أخبر عن حال المتقين بقوله: {...لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ {15} الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {16} الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ {17}} آل عمران.
وأخبر أن من أذنب واستغفر, غفر له, بقوله:{ وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً {110}} النساء.
وأخبر عز وجل أن العذاب لا يقع على المستغفرين, بقوله:{ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ {33}} الأنفال.
وكان نوح عليه السلام يعد قومه بخيرات الدنيا إن هم استغفروا, كما في قوله عز وجل مخبراً عنه:{ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً {10} يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً {11}} نوح. الآيات.
وذكر سبحانه حال المؤمن المذنب, يقولون:{ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {135}} آل عمران.
أما الأحاديث الواردة في الاستغفار وفضله, وأنه دأب الصالحين, وهدي سيد المرسلين فكثيرة, منها:
ما رواه مسلم في صحيحه, عن الأغر المزني, وكانت له صحبة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة".
وما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة".
هذا النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر هذا الاستغفار, وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, فكيف بالمثقلين بالذنوب ولا يذكرون الله إلا قليلاً؟؟؟.
عباد الله: الاستغفار كما قال نوح عليه السلام :" سبب للخير كله , ودفع للشر كله".
فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من لزم الاستغفار؛ جعل الله له من كل ضيق مخرجاً, ومن كل هم فرجاً, ورزقه من حيث لا يحتسب " رواه أبو داود.
وعن زيد -رضي الله عنه- مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه, غفرت ذنوبه, وإن كان قد فر من الزحف" رواه أبو داود والترمذي.
ولقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم دعاء سماه ؛ سيد الاستغفار, لاشتماله على أنواع التوحيد والتأله والتعظيم, والثناء على الله عز وجل, بقوله: "سيد الاستغفار, أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت, خلقتني وأنا عبدك, وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت, أعوذ بك من شر ما صنعت, أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي, فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " رواه البخاري.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من قالها من النهار موقناً بها, فمات من يومه قبل أن يمسي؛ فهو من أهل الجنة, ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح؛ فهو من أهل الجنة" رواه البخاري.
أيها الناس: إذا عظمت الذنوب فالجؤوا إلى غفار الذنوب, فإنه يفرح بذلك, وإياك أن تتعاظم ذنوبك, فرحمة الله أوسع من ذلك.
وكلما كان الذنب كبيراً, فليكن الاستغفار كثيراً, قال عليه الصلاة والسلام:" قال الله عز وجل:[ يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني, غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا بن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة]" رواه الترمذي.
ولما كان النساء يقعن في كثير من الذنوب, واللعن, وغيره, خاطبهن النبي صلى الله عليه وسلم, فقال:" يا معشر النساء: تصدقن, وأكثرن من الاستغفار, فإني رأيتكن أكثر أهل النار" متفق عليه.
أيها المسلمون: أحيوا قلوبكم بالذكر والاستغفار, واغسلوا ذنوبكم بذلك, وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن إبليس قال: أهلكتهم بالذنوب فأهلكوني بالاستغفار, فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء, فهم يحسبون أنهم مهتدون فلا يستغفرون " رواه ابن أبي عاصم وغيره .
اللهم اغفر لنا ذنوبنا, وإسرافنا في أمرنا, وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, بسم الله الرحمن الرحيم:{ إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ {1} وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً {2} فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً {3}} النصر.
نفعنا الله بهدي كتابه, وسنة نبيه, وصلى الله وسلم على نبينا ورسولنا محمد.
الخطبة الثانية لم ترد
|