عدل الإسلام
الحمد لله الذي خلق فسوى , وقدر فهدى, له الحمد حتى يرضى , وله الشكر والثناء, أحمده على إحسانه, وأشكره على توفيقه وامتنانه ,وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له في ربو بيته وألوهيته وأسمائه وصفاته, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم, وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين, أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله واعلموا أن الإسلام هو دين السلام, ودين العدل, ودين الرحمة والشفقة, جاء كاملاً في عقائده وعباداته ومناهجه, وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً, فالصدق في الأقوال, والعدل في الأحكام من خصائص دين الإسلام, لا مبدل لكلمات الله, ولكن الحاقدين على الإسلام من اليهود والنصارى وملل الكفر الحاقدة على الإسلام, يتهمونه بتهم؛ الإسلام منها برئ, وأهل الإسلام منها براء, يتهمون الإسلام بعدم العدل, والله عز وجل يقول:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {8}} المائدة.
ويقول سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ {1} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {2} }المائدة.
ويقول سبحانه: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً {70}}الإسراء.
ويقول سبحانه:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً {135}}النساء.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" رواه البخاري.
وقال عليه الصلاة والسلام:" انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً, فقيل: يا رسول هذا نصرته مظلوماً فكيف أنصره إذا كان ظالماً, قال: تحجزه وتمنعه من الظلم فذاك نصره " متفق عليه.
وقال عليه الصلاة والسلام:" اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة" متفق عليه.
وهذا شامل للمسلمين والكفار, فالظلم محرم في دين الإسلام فلا يظلم فيه أحد.
وأخبر عليه الصلاة والسلام أن دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً, ففجوره على نفسه.
والإسلام مشتمل على العدل كله, فعدله شمل الإنس والجن, والحيوان والطير, وكل محتاج للعدل.
فأمر بالعدل سبحانه حتى مع العدو المحارب, فنهى عن قتل صبيانهم ونسائهم, والذمي, والراهب في صومعته, والمعاهَد, والرسول, وعن قطع الأشجار من غير حاجة, وعن إفساد العمر, كذلك مع غير أهل الإسلام, أما عدله مع أهله فظاهر لا يخفى .
وعدل الإسلام مع الجن؛ فمنعنا من الاستنجاء بالروث والعظام, وأخبر أنها طعام الجن فلا نفسدها عليهم بالاستنجاء بها, وغضب على من أخذ أفراخ حمرة, فقال عليه الصلاة والسلام:" من فجع هذه بولدها ردوا عليها ولدها" رواه أبو داود.
وعدل الإسلام شامل للنمل والنحل وغيرها, ففي المسند وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه نهى عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصرد".
وعدل الإسلام شمل الأسرى من الكفار المحاربين, وجعل إطعام الإسرى قربة كما في قوله سبحانه:{ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً {8}}الإنسان.
وقال سبحانه:{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ {107}}الأنبياء.
ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة مقتولة في أحد الغزوات, قال: " ما أظن هذه لتقاتل" فنهى عن قتل النساء والصبيان.
وما يفعله بعض المنتسبين للإسلام من مخالفات لا يمثل الإسلام الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم, إنما هي تصرفات فردية, يقوم بها بعض الجهال كرد فعل لما يرونه من انتهاكات فاضحة يقوم بها أعداء الإسلام ضد أهله.
أيها المسلمون: لقد ضرب أسلافكم أروع الأمثلة في العدل والقسط والرحمة والشفقة على الخلق, بخلاف غيرهم الذين إذا تمكنوا عثوا في الأرض فساداً, وأهلكوا الحرث والنسل, ولم يرقبوا إلاً ولا ذمة.
والتأريخ شاهد, فكم فعل التتار والصليبيين في المسلمين من الأفاعيل التي دونها التأريخ عليهم؟ ولما انتصر أهل الإسلام عليهم لم يعاملوهم بالمثل, إنما تعاملوا معهم بعدل الإسلام, فدخل منهم أمم في دين الله عز وجل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {70}} الأنفال.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
الخطبة الثانية لم ترد .
|