الأجر باغتنام العشر
الحمدُ للهِ المتفردِ بالإيجادِ والإختيارِ ، المنزهِ عن مشابهةِ الأغيارِ ، الملكِ القهارِ ، العظيمِ الجبارِ ، يجبرُ الكسيرَ ، ويغني الفقيرَ ، ويغفرُ الأوزار .
سبحانَهُ مِن إلهٍ ، تفردَ بالعطاءِ والمنع ، والخفضِ والرفع ، والوصلِ والقطع ، وبتوفيقهِ وفضلهِ فازَ الأبرار .
كريماً يُلَبِّي عَبْدَه كُلما دَعَا
نهاراً وليلاً في الدجى والغياهبِ
يقولُ له لبيكَ عبدي دَاعِياً
وإن كنتَ خطاءً كثيرَ المعائِب
فما ضَاقَ عَفوي عَنْ جَريمَةِ خَاطئٍ
وما أحدٌ يَرجُو نَوَالِي بِخَائِبِ
اللهم إنا نسألك أن ترحم ضعفنا ، وأن تجبر كسرنا ، وإن تغفر ذنبنا ، يا عزيز يا غفار .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، شهادة ادخرها ليومٍ لا تنفعُ فيه الأعذار .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، المصطفى المختار ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله :
اتقوا الله U ، بفعل أوامره ، وبالبعد عن ما نهاكم عنه ، فقد وصاكم بذلك ربكم فقال سبحانه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ {فاتقوا الله يا عباد الله ، جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن هذه الأيام ، التي نحن في اليوم الثالث منها ، أيام فاضلة ، هي أفضل أيام الدنيا ، بشهادة النبي r ، ففي الحديث يقول ـ صلوات ربي وسلامه عليه : (( أفضل أيام الدنيا ؛ أيام العشر )) أي عشر ذي الحجة ، هذه الأيام ـ أيها الأخوة ـ التي أقسم الله بها لفضلها فقال U : } وَالْفَجْرِ ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ { ، الله ـ سبحانه ـ لا يقسم إلا بشيء عظيم .
لذا ـ أيها الأخوة ـ إدراك هذه الأيام ، وبقاء الإنسان ، حتى يوفق إلى مثلها ، ليعمل الصالحات ، نعمة عظيمة ، ومنة كريمة ، لأنها موسم من مواسم العمل الصالح ، العمل الصالح فيها خصه الله بفضل عظيم ، ووعد عليه بالأجر الجزيل ، ففي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما ، يقول النبي e : (( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر )) قال الصحابة رضي الله عنهم : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ يعني هل العمل الصالح ، في هذه الأيام ، أفضل من الجهاد في سبيل الله ؟ قال e : (( ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء )) . يعني حتى الجهاد ، إلا جهادا واحدا ، وهو جهاد من خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء ، أنفق جميع أمواله ثم استشهد في سبيل الله .
أيها الأخوة :
فهذه الأيام ، هي موسم العمل الصالح ، العمل الصالح فيها من الأشياء التي يحبها الله U ، العمل الصالح ، يكاد أن يكون في منزلة الجهاد في سبيل الله ، يقول ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال رسول الله e : (( ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر ، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد )) .
وهذه من الأعمال الصالحة ، التي ينبغي الحرص عليها في مثل هذه الأيام ـ التهليل والتكبير والتحميد ـ
ومن الأعمال الصالحة في مثل هذه الأيام ؛ الصيام ، فمن صام يوما في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم النار عنه سبعين خريفا ، وللمسلم في رسول الله e أسوة ، فقد كان يصوم الاثنين والخميس ولما سأل قال e : (( إن الأعمال تعرض على الله كل اثنين وخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم )) ومن غلبته نفسه على الصيام ، ففرط في هذه الأيام ، فعليه أن يحرص على صيام اليوم التاسع ، يوم عرفه ، فهو من أفضل الأيام وهو من مكفرات الذنوب والآثام ، ففي الحديث عن جابر أن النبي e قال : (( أفضل الأيام يوم عرفه )) وأما تكفيره للذنوب ، ففي الحديث يقول e : ((صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده )) والحديث رواه مسلم .
أيها الأخوة :
ومن الأعمال الصالحة ، التي ينبغي للمسلم أن يفطن لها ، وأن لا يفوت عليه أجرها في مثل هذه الأيام ، وخاصة الذين من الله عليهم ووسع سبحانه أرزاقهم ؛ الإنفاق والصدقة ، لا سيما الكسوة ، كسوة الفقراء والمساكين ، يقول تبارك وتعالى : } فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ { ، وفي الحديث الذي رواه أبو داود ، عن أبي سعيد الخدري t ، عن النبي r قال : (( أيما مسلم كسا مسلما ثوبا على عري ، كساه الله من خضر الجنة ، وأيما مسلم أطعم مسلما على جوع ، أطعمه الله من ثمار الجنة ، وأيما مسلم سقى مسلما على ظمأ ، سقاه الله من الرحيق المختوم )) الجزاء من جنس العمل ـ أيها الأخوة ـ تكسوه ثوبا في هذه الدنيا ، يكسيك الله يوم القيامة من ثياب الجنة الخضر .فالكسوة من الأشياء التي يتقرب بها إلى الله U ، وخاصة أن بعض الناس في هذه الأيام بحاجة ، فالشتاء ببرودته في بدايته ، وبعد أيام يأتي العيد ، يوجد بعض الناس ـ أيها الأخوة ـ من هو بحاجة لملابس يلبسها ، يقي بها نفسه هذا البرد الشديد ، يريد ملابس يلبسها أطفاله ، لتقيهم برد الشتاء ولتجملهم في عيد المسلمين ، نعم إن بعضهم في هذه الأيام يعيش في كربة من كرب الدنيا ، وفي الحديث الذي رواه مسلم ، يقول e : (( من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة )) .
اسأل الله U أن ينفس كرب المكروبين ، وأن يقضي الدين عن المدينين ، وأن ييسر لي ولكم العمل الصالح إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
كما سمعتم ، هذه الأيام أيام فاضلة ، فحري بالمسلم أن يستغلها بالتوبةُ الصادقة والرجوع إلى الله ، ففي التوبة فلاح للعبد في الدنيا والآخرة ، قال تعالى : } وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ { وكذلك أيها الأخوة ؛ بالعزم الجاد على اغتنام هذه الأيام بالأعمال والأقوال الصالحة ، ومن عزم على شيء أعانه الله ُعليه وهيأ له الأسبابَ التي تعينه على إكمال العمل ، ومن صدق الله صدقه الله ، قال تعالى: } وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ { .
وكذلك ـ أيها الأخوة ـ بالبعد عن المعاصي ، فكما أن الطاعات أسباب للقرب من الله فالمعاصي أسباب للبعد عن الله والطرد من رحمته ، وقد يحرم الإنسان رحمة الله بسبب ذنب يرتكبه ، فإن كنت أخي تطمع في مغفرة الذنوب والعتق من النار ، فاحذر الوقوع في المعاصي في هذه الأيام وفي غيرها ، ومن عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل .
فاغتنموا ـ عباد الله ـ هذه الفرص قبل أن تفوت فتندموا ولات ساعة مندم ، واستبقوا الخيرات يا عباد الله ، وسارعوا إلى مغفرة من الله وجنة عرضها السماوات والأرض ، وإياكم والتواني والدعة َوالكسل ، فقد صح عنه e أنه قال : ((التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة)) رواه أبو داود والحاكم.
أيها الأخوة :
أنبه من أراد الحج في هذا العام ، إلى المبادرة بأخذ التصريح الخاص بالحج ، وذلك من الجهات المعنية بذلك ، والحذر من الحج بدون أذن من ولي الأمر ، لأن فيه مخالفة وخاصة إن كان الحج نافلة ، فطاعة ولي الأمر أوجب من النافلة ، بذلك أفتى أهل العلم ، وكذلك نحذر من إيواء وتشغيل المتخلفين أو نقلهم من بلد إلى بلد ، لأن في ذلك مخالفة ومعصية ويترتب عليه من المفاسد الشيء الكثير .
اسأل الله U أن يهدي ضال المسلمين وأن يرزقني وإياكم الفقه في الدين ، وأن يجعلني وإياكم من عباده الصالحين المخلصين ، إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم احمي حوزة الدين ، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا واستعمل علينا خيارنا واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين .
اللهم إنا نسألك أن تحفظ لنا ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين ، اللهم وفقه لهداك ، واجعل عمله في رضاك ، اللهم انصر به دينك وكتابك وسنة نبيك ، اللهم ارزقه البطانة الصالحة ، التي تدله على الخير وتعينه عليه ، واصرف عنه بطانة السوء يا رب العالمين .
اللهم عليك بالحوثيين المعتدين ، اللهم طهر بلادنا منهم وممن هم على شاكلتهم ، اللهم ووفق رجال أمننا ، لحفظ بلادنا وعقيدتنا ، اللهم سدد رميهم ، وتقبل شهداءهم ، ووحد صفهم يارب العالمين .
اللهم أغثنا ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا ، هنيئا مريعا سحا غدقا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار ، اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك على بلدك الميت ، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا . اللهم } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله : } إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|