3/12/1433هـ
العشر يامن تريد الأجر
الحمد لله الملك ، القدوس السلام ، أنزل القرآن يهدي به } مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه ، } وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ { . وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، } وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، بعثه رحمة للعالمين ، وقدوة للسالكين ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى الله U ، وصيته لعباده الأولين والآخرين ، فهو القائل سبحانه في كتابه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
إننا في هذه الأيام ، نعيش أياما هي أفضل الأيام على الإطلاق ، فلا يوجد أفضل منها في أيام الدنيا ، ففي الحديث يقول ـ صلوات ربي وسلامه عليه : (( أفضل أيام الدنيا ؛ أيام العشر )) أي عشر ذي الحجة ، فهذه الأيام ـ أيها الأخوة ـ أيام فاضلة ، أيام لها مكانة سامية ، ولفضلها ومكانتها أقسم الله بها فقال } : U وَالْفَجْرِ ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ { ، فقسم الله بها لعظمتها ومكانتها ، لأنه سبحانه لا يقسم إلا بالشيء العظيم .
أيها الأخوة
إن عظمة هذه الأيام ، وعلو مكانتها ، وسمو منزلتها بين الأيام ، ليس من أجل برودتها أو حرارتها ، وليس لطول ليلها أو سواده ، أو قصر نهارها وبياضه ، أو لأنها إجازة تقضى بالسهر أو السفر أو النوم ! إنما لأنها موسم من مواسم الأعمال الصالحة ، وميقات لما يحبه الله جل جلاله .
الله U ـ أيها الأخوة ـ من حكمته وخبرته ، فهو الحكيم الخبير ، ميز هذه الأيام على غيرها من الأيام ، وبين فضلها ومكانتها ، وحث على الاجتهاد فيها ، لنستيقظ من غفوتنا ، وننتبه من غفلتنا ، ونتذكر ما خلقنا من أجله ، وما أوجدنا على هذه الأرض بسببه ، ونستغل فترة وجودنا القصيرة ، بما ينفعنا } يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ { فتكون هذه الأيام محفزا لنا ، وفرصة عظمى لاجتهادنا ، وخاصة عندما نجد كل من حولنا ، مهتمون لما يرضي الله U ، حريصون على ما يرفع درجاتهم ، ويعلي منازلهم يوم القيامة ، وكما قال تبارك وتعالى : } وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ { فاستشعارنا لعظمة هذه الأيام ، وقيامنا بما يحبه الله U ، وضبط أنفسنا لانضباط غيرنا ، هو من باب التعاون على البر والتقوى .
أيها الأخوة المؤمنون :
في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما ، يقول النبي r : (( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر )) قال الصحابة رضي الله عنهم : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ يعني هل العمل الصالح ، في هذه الأيام ، أفضل من الجهاد في سبيل الله ؟ قال r : (( ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء )) . يعني حتى الجهاد ، إلا جهادا واحدا ، وهو جهاد من خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء ، أنفق جميع أمواله ثم استشهد في سبيل الله .
فالأعمال الصالحة ، يحبها الله U ، في هذه الأيام ، وفي مقدمتها الحج الذي هو ركن من أركان الإسلام ، جعله الله U فريضة على من استطاع إليه من عباده ، كما قال تعالى : } وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ { ، وفي الحديث المتفق عليه ، يقول r : (( بني الإسلامُ على خمسٍ : شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقامِ الصلاة ، وإيتاءِ الزكاة ، وحجِ البيت ، وصومِ رمضان )) .
فالحج ركن من أركان الإسلام ، وحكمه : الوجوب مرة واحدة في العمر ؛ على كل مسلم بالغ عاقل مستطيع ، وقد جعل الله U عدم القيام به ممن استطاع عليه بمثابة الكفر كما في قوله تعالى : } وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ { .
فينبغي للمستطيع ، أن يبادر لتأدية فريضة الحج ، وأن يجعل الحج في مقدمة اهتماماته . على المسلم ؛ أن يحذر التقاعس والتسويف ، لأنه لا يدري ما ذا يحدث له ، يقول النبي r : (( من لم تحبسه حاجة ظاهرة ، أو مرض حابس أو منع من سلطان جائر ، ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا )) .
ومما أثر عن السلف الصالح ، أنهم كانوا يبادرون لتأدية فريضة الحج ، ويحذرون من تأخيرها ، يقول عمر بن الخطاب t : لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار ، فينظروا كل من له جده ـ يعنى غنى ، يعني لديه مال ـ ولم يحج ، فيضربوا عليهم الجزية ، ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين . ويقول علي ابن أبي طالب t : من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى البيت ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا .
أيها الأخوة المؤمنون :
فتأدية فريضة الحج ، أمر يجب الاهتمام به ، وبذل ما يستطاع من أجله ، وينبغي لمن وفقه الله U ، لتأدية الحج ، الحرص أن يكون حجه مبرورا كما يريد الله جل جلاله ، ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن جابر t قال r : (( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة )) والحج المبرور ـ أيها الأخوة ـ له شروط في جملتها تدل على طاعة الله U وطاعة رسوله r ، والحرص على ما يرضي الله ـ جل جلاله ـ وهدي النبي r ، ولهذا يجب على المسلم أن يحذر من كل أمر فيه مخالفة لذلك ، فلا يحج وعليه دين تكلفة حجه تسدده ، والمرأة لا تحج إلا مع محرم لها ، يحفظها في سفرها ، ولا يحج المسلم عن غيره وقصده مبلغا من المال يتحصل عليه ، ولا يستغل الحج لحاجة في نفسه ، كما يفعل بعضهم ، لترويج منهج جماعة من الجماعات ، أو للقاء دعاة الأحزاب الضالة ، أو أهل البدع ممن هم على غير منهج السلف الصالح .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
} وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ { بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
ومن الأعمال الصالحة في مثل هذه الأيام ؛ الصيام ، فمن صام يوما في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم النار عنه سبعين خريفا ، وللمسلم في رسول الله r أسوة ، فقد كان يصوم الاثنين والخميس ولما سأل قال r : (( إن الأعمال تعرض على الله كل اثنين وخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم )) ومن غلبته نفسه على الصيام ، ففرط في هذه الأيام ، فعليه أن يحرص على صيام اليوم التاسع ، يوم عرفه ، فهو من أفضل الأيام وهو من مكفرات الذنوب والآثام ، ففي الحديث عن جابر أن النبي r قال : (( أفضل الأيام يوم عرفه )) وأما تكفيره للذنوب ، ففي الحديث يقول r : ((صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده )) والحديث رواه مسلم .
أيها الأخوة :
ومن الأعمال الصالحة ، التي ينبغي للمسلم أن يفطن لها ، وأن لا يفوت عليه أجرها في مثل هذه الأيام ، وخاصة الذين من الله عليهم ووسع سبحانه أرزاقهم ؛ الإنفاق والصدقة ، لا سيما الكسوة ، كسوة الفقراء والمساكين ، يقول تبارك وتعالى : } فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ { ، وفي الحديث الذي رواه أبو داود ، عن أبي سعيد الخدري t، عن النبي r قال : (( أيما مسلم كسا مسلما ثوبا على عري ، كساه الله من خضر الجنة ، وأيما مسلم أطعم مسلما على جوع ، أطعمه الله من ثمار الجنة ، وأيما مسلم سقى مسلما على ظمأ ، سقاه الله من الرحيق المختوم )) الجزاء من جنس العمل ـ أيها الأخوة ـ تكسوه ثوبا في هذه الدنيا ، يكسيك الله يوم القيامة من ثياب الجنة الخضر .
أيها الأخوة :
ومن الأعمال التي يحبها الله U ، وخاصة في آخر يوم من أيام العشر ، وأول يوم من أيام العيد : الأضحية ، التي هي شعيرة من أهم شعائر الدين ، و مشروعة باتفاق المسلمين ، بل هي سنة مؤكدة ، فعلها النبي r، وحث أمته على فعلها ، وهي مطلوبة في وقتها من الحي عن نفسه وأهل بيته ، وله أن يشرك في ثوابها من شاء من الأحياء والأموات .
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ واحرصوا على التقرب إلى الله U في هذه الأيام العشر ، اسأله سبحانه أن يوفقني وإياكم لهداه ، وأن يجعل عملنا في رضاه ، إنه سميع مجيب .
اسأل الله لنا الفقه في الدين ، والتمسك بالكتاب المبين ، والاقتداء بسيد المرسلين ، والسير على نهج أسلافنا الصالحين .
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم أحمي حوزة الدين ، اللهم واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين .
اللهم أحينا سعداء وتوفنا شهداء واحشرنا في زمرة الأتقياء برحمتك يا أرحم الراحمين .
} رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { |