الله أكبر
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى, واعلموا أن من الكلام ما هو خير من الدنيا وما فيها, لما يحمله من المعاني العظيمة التي يحبها الله, ومن هذا الكلام, قول: ( الله أكبر ), قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " قول العبد, الله أكبر خير من الدنيا وما فيها ".
فهي كلمة جامعة لمعاني العبودية دالة على أصول عبادة الله تعالى وفروعها، وهي أصدق كلام وأعذبه، وهي أبلغ لفظ يدل على تعظيم الله تعالى وتمجيده وتقديسه، وفيها الشهادة لله تعالى بأنه أكبر من كل شيء وأنه أجل من كل شيء وأنه تعالى أعظم من كل شيء. فالله تعالى هو الذي له الكبرياء وحده لا يصلح إلا له وحده, قال تعالى: ﴿ وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾. وكان عليه الصلاة والسلام يقول في ركوعه: ( سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ). ويا ويل من تلبس بِلِباسِ الكِبْر فإن الله توعده بنار تلظى, فإن من أسمائه سبحانه: ( المتكبر ), وقال جل وعلا في الحديث القدسي: ( العظمة إزاري, والكبرياء ردائي, فمن نازعني واحدا منهما عذبته ). لأن الكِبْرَ ينافي حال العبد, فإن حال العبد أن يكون ذليلاً صاغراً لله تعالى, فإذا دَبَّ إلى قلبه شيء من الكبر, فقد نازع الله تعالى شيئاً من صفاته التي اختص بها.
وتَكْبيرُ الله تعالى من أول ما نَزَلَ من القرآن على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ﴾, أي: عظمه بالتوحيد. وقال تعالى: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾. أي: عَظِّمه عظمةً تامة, تجعلك تنقاد لأمره, ولا تعبد سواه, ولا تخضع لغيره, ولا تَجْرُؤ على مخالفة أمره.
ولِعِظَمِ شأن التكبير, فإن الصلاة التي هي مناجاة بين العبد وربه, تفتتح بقول: " الله أكبر ". لِيَعْلَمَ المصلى أن كل شيء يجب أن يصغرَ وقتَ الوقوف بين يدي الله, فلا يبقى في قلب العبد إلا ما يتعلق بهذه العبادة. وكذلك النداء بالصلاة, يفتتح بقول: " الله أكبر ". كي يتخلى المؤمن عن كل مشاغل الدنيا, ويفرغ نفسه لهذه العبادة, لأن ما يتعلق بالله وطاعته أكبر وأهم وأعظم من كل شيء. وكذلك الطواف بالبيت يفتتح بالتكبير, والسعي بين الصفا والمروة يفتتح بالتكبير ثلاث مرات, والسُّنةُ في رمي الجمار التكبير مع كل حصاة. وعند الذبح يقول المذكي: " بسم الله والله أكبر ". وفي ختام شهر رمضان يُشرع التكبير, وفي صَلاتَيْ العيد والإستسقاء يُكَبِّرُ الإمام في الأولى سبعا وفي الثانية خمسا, وفي خُطْبَتَي العيد يكبر الخطيب تسعا وسبعا. فلو أن المسلمين فقهوا معنى هذه الكلمة كما ينبغي لاستقامة أمور دينهم ودنياهم.
ومن الأوقات التي يشرع فيها التكبير, أيام عشر ذي الحجة وأيام التشريق, بل هو من أعظم الأعمال التي فَضَّلَها النبي صلى الله عليه وسلم على الجهاد في سبيل الله في أيام العشر, ولذلك قال البخاري رحمه الله: ( كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما ). وقال أيضاً ( وكان ابن عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرا ). فَحَرِيٌّ بنا معشر المسلمين أن نُحْيِيَ هذه السنة التي أُهمِلَت في هذا الزمان حتى أصبح لا يعمل بها إلا القليل. وصيغة التكبير: ( الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر, الله أكبر ولله الحمد ). أو غير ذلك مما ورد عن السلف.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم؛ وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم؛ أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عباد الله: إذا دخل شهر ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فإنه يحرم عليه أن يأخذ شيئاً من شعره أو أظفاره أو جلده حتى يذبح أضحيته, لحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره ) رواه أحمد ومسلم. وإذا نوى في أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته, ولا إثم عليه فيما أخذ قبل ذلك. وهذا الحكم خاص بالمضحي فقط, حتى لو كان لا يتولى الذبح بنفسه فإنه يمسك عن شعره وأظفاره. ولا يعني ذلك أن لا يمتشط أو يحك رأسه فإن مشط الشعر جائز حتى ولو أدى إلى سقوط بعض الشعر. وكذلك الاغتسال واستعمال المنظفات والطيب وصبغ الشعر والجماع. كل ذلك جائز. وإذا أخذ شيئاً من شعره وأظفاره أو بشرته متعمداً فعليه أن يتوب ولا كفارة عليه. ثم اعلموا يا عباد الله أن الأعمال الصالحة عموما فَضْلُها مُضاعَفٌ في عشر ذي الحجة, ولكن بعضها آكد من بعض, فيتأكد مع التكبير: " صيام عرفة لغير الحاج, والأضحية, والحج والعمرة ".
فاتقوا الله عباد الله واستغلوا أوقاتكم فيما يقربكم إلى الله واعلموا أنكم لم تخلقوا عبثاً ولن تتركوا سدى.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم أنزل على المؤمنين رحمة عامة وهداية عامة يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ونجهم من الظلمات إلى النور وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم أرهم الحق حقا وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه، ولا تلبسه عليهم فيضلوا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
|