خطبة مختصرة في أحكام الأضحية
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:- عباد الله:
اتقوا الله تعالى, وعظموا شعائره, فإن ذلك من تقوى القلوب.
ومن أعظم شعائر الله, ذبح الهدي والأضاحي.
والأضحية: ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام الأضحى بسبب العيد؛ تقرباً إلى الله عز وجل. وقد قُرِن الذبح بالصلاة لعِظَم شأنه, قال تعالى: ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ). وقال تعالى:( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ).
فدلَّ ذلك على أن الذبح لغير الله, كالسجود لغير الله. فمَنْ ذبح عند القبور والأضرحة, أياً كان أصحابها, طلباً لمنفعة يحصل عليها. أو ذبح للجن رجاء نفعهم أو تخلصاً من شرهم. فهو مشرك, وهو بمنزلة من سجد للأوثان.
وإذا دخل شهر ذي الحجة وأراد المسلم أن يضحي, فليمسك عن شعره وأظفاره وبشرته, حتى يضحي, وهذا الإمساك خاص بالمضحي فقط سواء تولى الذبح بنفسه أو وَكَّل غيره.
والأضحية سنة مؤكدة وقال بعض أهل العلم بوجوبها على الموسر وهو قول قوي, فلا ينبغي للمسلم أن يتركها مع تيسر ثمنها.
ويجب أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام خاصة:
وهي الثني من الإبل والبقر والمعز, والجذع من الضأن. فمن الإبل ما تم له خمس سنين, ومن البقر ما تم له سنتان, ومن المعز ما تم له سنة, ومن الضأن ما تم له نصف سنة.
ويجب أن تكون سالمة من العيوب الظاهرة البيّنة, وهي المذكورة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( العوراءُ البيّنُ عورُها، والمريضةُ البيّنُ مرضُها، والعرجاءُ البيّن ظلعُها، والكسيرُ التي لا تُنقي ) .
الأولى : العوراءُ البيّنُ عورُها ، وهي التي انخسفت عينها أو برزت ، فإن كانت لا تبصر بعينها ولكن عورها غير بيّن أجزأت.
الثانية : المريضةُ البيّنُ مرضُها ، وهي التي ظهر عليه آثار المرض مثل الحمى التي تقعدها عن المرعى ، ومثل الجرب الظاهر المفسد للحمها أو المؤثر في صحتها ، ونحو ذلك مما يعده الناس مرضا بينا.
الثالثة : العرجاءُ البيّن ظلعُها، وهي التي لا تستطيع معانقة السليمة في الممشى ، فإن كان فيها عرج يسير لا يمنعها من معانقة السليمة أجزأت.
الرابعة : الكسيرةُ أو العجفاء ( يعنى الهزيلة ) التي لا تُنقي ، أي ليس فيها مخ ، فإن كانت هزيلة فيها مخ أو كسيرة فيها مخ أجزأت إلا أن يكون فيها عرج بين.
ويلحق بهذه الأربع ما كان بمعناها أو أولى ، فيلحق بها :
العمياء : التي لا تبصر بعينيها ؛ ومقطوعة اليد أو الرجل, والمبشومة التي لا تثلط ولا يخرج منها شيء, وكذلك ما أخذتها الولادة حتى تنجو ؛ لأن ذلك خطر قد يودي بحياتها ، فأشبه المرض البين. وكذلك العاجزة عن المشي لعاهة ؛ لأنها أولى بعدم الإجزاء من العرجاء البين ظلعها .
وأما ما دون ذلك من العيوب التي لا يكون أثرها واضحاً على الأضحية فلا تمنع الإجزاء: مثل مكسورة القرن, أو مقطوعة القرن أو الأذن ، أو مشقوقة الأذن, أو الخرقاء ، وهي التي خرقت أذنها, وكذلك الهتماء، وهي التي سقط بعض أسنانها، فإن مثل هذه العيوب اليسيرة لا تمنع الإجزاء لكن كلما كانت السلامة تامة فهو أفضل.
ويحرم على المضحي أن يبيع شيئا من أُضْحِيَته من لحم أو شحم أو دهن أو جلد أو غيره؛ لأنها مال أخرجه لله فلا يجوز الرجوع فيه كالصدقة ، ولا يعطي الجزار شيئا منها في مقابلة أجرته أو بعضها ؛ لأن ذلك بمعنى البيع, إلا إذا أعطاه من باب الهدية.
وكذلك لا يجوز لعمال المسالخ, أو الأمانة القائمة على أعمال المسالخ اشتراط أخذ شيء من الأضاحي, حتى الجلود, إلا إذا تركها صاحبها من قِبَلِ نفسه.
ووقت الأضحية يبدأ من بعد صلاة العيد, وينتهي بغروب ثالث أيام التشريق, فتكون أيام الذبح أربعة: يوم العيد, والحادي عشر, والثاني عشر, والثالث عشر. ويجوز للمسلم أن يذبح ليلاً ولا كراهة في ذلك.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً . أما بعد عباد الله:
للذكاة شروط لابد منها, أهمها أولاً:
أن يكون المذكي مسلماً أو كتابيّاً, أما المشرك فلا تقبل ذبيحته وإن ذكر اسم الله.
الثاني: أن لا يذبح لغير الله: مثل أن يذبح تقربا لصنم أو وثن أو صاحب قبر ، أو يذبح تعظيما لملك أو رئيس أو وزير أو وجيه أو والد أو غيرهم من المخلوقين.
الثالث: أن لا يهلّ لغير الله به ، بأن يذكر عليه اسم غير الله, مثل أن يقول: باسم النبي، أو باسم جبريل، أو باسم الحزب الفلاني، أو الشعب الفلاني، أو الملك، أو الرئيس، أو نحو ذلك.
الرابع: أن يسمي الله عليها, فيقول: بسم الله, وله أن يزيد: الله أكبر.
الخامس: أن تكون الذكاة بمحدد ينهر الدم في محل الذكاة, غير العظم والظفر, لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التذكية بهما.
ولا تشترط الطهارة عند الذبح, وإن كانت أفضل. ويجوز للمرأة أن تتولى الذبح بنفسها, حتى ولو كانت حائضاً.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أعلنّا وما أسررنا وما أسرفنا وما أنت أعلمُ به منا أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيءٍ قدير، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمةً عامة وهداية عامةً يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم انصر جُندنا المجاهدين في سبيلك، اللهم سدد رميهم واربط على قلوبهم وأنزل عليهم النصر من عندك يا قوي يا متين، اللهم مَنْ أراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا له يا سميع الدعاء, اللهم وفقّ ولي أمرنا بتوفيقك وأيّده بتأييدك واجعله من أنصار دينك, وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، اللهم حبب إليه الخير وأهله وبغض إليه الشر وأهله يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات. اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
|