فريضـة الحـج
إن الحمد لله , نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا , من يهدي الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :
فإن الله عز وجل فرض فريضة الحج على عباده المسلمين, فقال تعالى:
{ وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} آل عمران.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيها الناس: إن الله فرض عليكم الحج فحجوا " رواه مسلم.
والحج شروطه ثلاثة, إذا توفرت في المسلم, وجب عليه الحج, ويأثم بتأخيره:
الشرط الأول: أن يكون بالغاً .
الشرط الثاني: أن يكون عاقلاً, فالمجنون لا يجب عليه الحج.
الشرط الثالث: أن يكون مستطيعاً بماله وبدنه.
فإذا وجدت هذه الشروط الثلاثة, وجب عليه الحج, ويزاد على المرأة وجود المحرم.
أيها المسلمون:
إنكم تستقبلون في هذه الأيام السفر إلى بيت الله الحرام لأداء هذه الشعيرة العظيمة, فمن أراد الحج فعليه أن يتهيأ, وأن يرد ما عليه من مظالم, سواء كانت مالية, أو بدنية, أو قوليه, وأن يتحلل من أصحابها, ويوصي إن كان له شيء يحب أن يوصي فيه, فيبين ما له وما عليه, لقوله عليه الصلاة والسلام : " ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه, يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه " متفق عليه
ويأخذ ما يكفيه من المال, ويترك لأهله ما يكفيهم, فإذا بدأ السفر فعليه أن يتمتع بأحكام السفر, كالقصر والجمع, والمسح, وغيرها من رخص السفر, وعليه أن يتحلى بالأخلاق الفاضلة, من السخاء والكرم, وطلاقة الوجه, والصبر على الآلام, والتحمل من الناس, لأن الحج يجمع أصنافاً وأشكالاً من الناس, فعلى المسلم أن يتحلى بالصبر, ويبتعد عن الغضب, لأنه لوحظ أن بعض الحجيج _هداهم الله_ يغضبون لأتفه الأسباب, فتحدث المشاكسات عند المياه وغيرها من المرافق؛ بل والأعظم والأطم أنك ترى بعض الناس يلعن ويشتم وهو يطوف, وعلى الحاج أن يجتنب أذية المسلمين, لا بقوله ولا بفعله , وأن يتقي الله عز وجل , ويقلع عن جميع المعاصي, وليتذكر أنه قادم على ربه , ومن بُلِيَ بشرب الدخان المحرم فليقلع عنه, فإن لم يستطع فلا يشربه وسط مخيمات الحجيج أو مراكبهم, فإذا وصل الحاج إلى الميقات تجرد من ملابسه واغتسل, وتطيب في بدنه ورأسه ولحيته, ولبس ملابس الإحرام,
ثم لبَّى بالنسك الذي يريده, فإن كان مفرداً قال: لبيك حجاً, وإن كان قارناً قال: لبيك عمرة وحجاً, وإن كان متمتعاً قال: لبيك عمرة ,
ويهلّ بالحج في اليوم الثامن قبل الزوال, وإن كان ممن معه نيابة قال : لبيك عن فلان, والسنة أن يلبي بالنسك إذا استوت به راحلته , ويقول: لبيك اللهم لبيك , لبيك لا شريك لك لبيك, إن الحمد, والنعمة, لك والملك, لا شريك لك .
ثم يتوجه إلى البيت الحرام, ملبياً رافعاً صوته بالتلبية, فإذا وصل إلى البيت الحرام , طاف سبعة أشواط, يرمل في الثلاثة الأولى إن تيسر, ويمشي في الأربعة مضطبعاً عند طوافه , فإذا فرغ من الطواف, صلى ركعتين خلف المقام إن تيسر, يقرأ بالأولى بـ[قل يا أيها الكافرون], وبالثانية [ قل هو الله أحد ],
ثم يتوجه إلى الصفا والمروة, فإذا انتهى, فإن كان مفرداً أو قارناً فإنه لا يقصّر, ويبقى على إحرامه, وإن كان متمتعاً قصّ وحل , فإذا كان في اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم الممتع بالحج, ويفعل بالإحرام كما فعل عند إحرامه من الميقات, ثم يصلي الحاج الظهر, والعصر, والمغرب, والعشاء, والفجر بمنى , كل صلاة على وقتها قصراً بلا جمع .
فإذا طلعت شمس اليوم التاسع توجه الحجاج إلى عرفات, ملبين خاشعين متضرعين, فيصلون فيها الظهر, والعصر قصراً, جمع تقديم, ثم يتفرغ الحاج للدعاء والابتهال, والأكمل أن يكون على طهارة مستقبلاً القبلة رافعاً يديه, وكل عرفة موقف,
وما يفعله بعض الجهال من صعود الجبل فلا أساس له, والحذر أن يكون الحاج خارج حدود عرفة, لأنه إن لم يقف بها فلا حج له, فإذا غربت الشمس, توجه إلى المشعر الحرام (المزدلفة), فيصلي فيها المغرب, والعشاء جمعاً وقصراً, جمع تأخير , ولكن لو تأخر وصوله إلى مزدلفة, فعليه أن يصلي حتى لو لم يصل إليها, لئلا يخرج وقت الصلاة.
ثم يبيت في مزدلفة, فإذا صلى الفجر توجه إلى القبلة وكبر الله وحمده ودعا , فإذا أسفر, سار قبل طلوع الشمس إلى منى, ورخص للضعفاء أن يدفعوا بعد منتصف الليل,
فإذا وصل منى لقط سبع حصيات, وذهب إلى جمرة العقبة, وهي التي تلي مكة, ورماها بسبع حصيات, يكبر مع كل حصاة, فإذا رمى جمرة العقبة قطع التلبية, ثم ينحر المتمتع والقارن هديه, ويحلق رأسه, والمرأة تقصر بقدر الأنملة, وبذلك حل الحاج التحلل الأول, فيلبس ملابسه, ويتطيب, ثم يتجه إلى مكة ويطوف طواف الحج,
والمتمتع يسعى سعي الحج, أما المفرد والقارن فكفيهما السعي الأول, الذي كان مع طواف القدوم, فإن لم يكونا سعيا عند القدوم فعليهم السعي بعد الطواف .
أيها المسلمون :
إن الحاج يعمل يوم العيد أربعة أنساك, هي على الترتيب:
رمي الجمرة, النحر, الحلق, طواف الإفاضة, وهذا الترتيب هو الأكمل, ولكن لو قدم الحاج بعضها على بعض فلا حرج.
ويبيت الحاج ليالي التشريق بمنى, ويرمي الجمرات كل يوم بعد الزوال, مبتدئاً بالصغرى, ثم الوسطى, ثم الكبرى.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سنة سيد المرسلين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
|