الأشهر الحرم وفضل عشر ذي الحجة
والتنويه على اعتداء الحوثيين الغاشم
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:- عباد الله:
اتقوا الله تعالى حيثما كنتم, وحاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا, واستعدوا قبل الموت لِما بعد الموت, واعلموا أن سعادة الدنيا والآخرة لا تحصل بعد رحمة الله, إلا بالإيمان والتقوى, والتزوُّدِ بالأعمال الصالحة, قال تعالى: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ).
ثم اعلموا يا عباد الله أن شهر ذي القعدة هو أولُ الأشهر الحُرُم, والأَشْهُرُ الحُرُم كانت تُعَظَّمُ على عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وكان القتال محرمًا في الأشهر الحُرُم على لسان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، واستمر العرب على ذلك,
وأما الحكمة من تحريم القتال فيها، فقد أوردها ابن كثير في تفسيره, فقال ما ملخصه : " وَإِنَّمَا كانت الأشهرُ المحرمةُ أربعة: ثلاثةٌ سرد، وواحدٌ فرد، لأجلِ أداء مناسك الحج والعمرة، فَحَرَّمَ قبل الحج شهراً، وهو ذو القعدة، لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال، وَحَرَّمَ شهرَ ذي الحجة لأنهم يُوقِعُونَ فيه الحج، ويشتغلون بأداء المناسك، وحرّم بعده شهراً آخر، وهو المُحرَّم ليرجِعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين، وحرَّم رجب وَسَطَ السَّنَةِ لأجلِ زيارة البيت، والاعتمار به لمنْ يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب، ثم يعود إلى وطنه فيه آمناً ".
فشهر ذي القعدة شهر حرام لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال, فيَسْلَم الناس من الظلم والإعتداء, وتأمن السُبل لمن أراد الحج,
ومع ذلك يوجد مَنْ لا يُراعي لهذه الأشهر حرمتها, ولا لشهر ذي القعدة وسبب تسميته بذلك حرمته, رغم انتسابهم للدين وادعاء نصرة الإسلام, وهم في معزل عن تطبيقه والعمل به كما أمر الله,
وما نسمعه اليوم من اعتداء اللصوص من الحوثيين على حدود جنوب غرب مملكتنا الحبيبة شاهد على ذلك, حيث لم يُراعوا للشهر حرمته, ولا لهذه البلاد وحكامها وأهلها, حرمتهم ومكانتهم, حيث لم يكفهم إفساد بعض شبابنا, وإيواؤهم, وتغذية قلوبهم بعقيدة الخوارج, وتكفيرهم لحكام هذه البلاد وأهلها, حتى تجرؤوا وتسللوا إلى حدودها ظلماً وعدواناً, واستحلالاً لحرمة هذه البلاد وأهلها, وإلحاق بعض الضرر,
ولكنَّ الله كبتهم, وأعان جُند الإسلام المجاهدين على صدِّ عُدوانهم, والتنكيل بهم, بكل شجاعة وفدائية وإخلاص, فنحمد الله على ذلك, ونسأله أن يحفظ هذه البلاد وولاتها وعلمائها, وأن يعزها بالإسلام, وأن يديم عليها الأمن والأمان.
عباد الله:
جمعتكم هذه آخر جمعة في الشهر, نستقبل بعدها شهر ذي الحجة, وفي أوله العشر المباركة, التي نوَّه الله بها في كتابه الكريم, حيث قال سبحانه: ( وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) فإن المراد بها عشر ذي الحجة.
أقسم الله بها تعظيماً لشأنها وتنبيها على فضلها, وقال النبي صلى الله عليه وسلم في شأنها : ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام, _ يعني أيام العشر _ قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله, إلا رجلاً خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء ).
فدلَّ هذا الحديث على أن العمل في هذه الأيام العشر أحبّ إلى الله من العمل أيام الدنيا من غير استثناء, وأنه أفضل من الجهاد في سبيل الله, إلا جهاداً واحداً, وهو من خرج بنفسه وماله فلم يرجع بشيء. فحريٌّ بالمسلم أن يستغل هذه الأيام بما يليق بها,
وذلك بأن يستقبل هذه العشر أولاً:
بالتوبة النصوح, والإقلاع عن الذنوب والمعاصي, ثم بالإقبال على فعل ما أوجب الله تعالى عليه, ثم بإشغال وقته فيما يقربه إلى الله تعالى من الأعمال الصالحة المتنوعة والتي يُتأكد منها ما يلي:
التكبير والتهليل والتحميد. وكذلك صيام يوم عرفة لغير الحاج يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ).
وأيضاً: الحج, وهو أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام, وهو واجب على الفور على كل مسلم حُرٍّ بالغ عاقل مستطيع. فمَنْ لمْ يحج من المسلمين البالغين القادرين فهو على خطرٍ عظيم.
ومن الأعمال التي تتأكد في هذه العشر:
الأضحية, وهي سنة مؤكدة, وقال بعض أهل العلم: بوجوبها على الموسر. وأما غير الموسر ومن لم يجد سعة في ماله فلا ينبغي أن يشق على نفسه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً . أما بعد عباد الله:
إذا دخل شهر ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فإنه يحرم عليه أن يأخذ شيئاً من شعره أو أظفاره أو جلده حتى يذبح أضحيته.
ومن نوى في أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته, ولا إثم عليه فيما أخذ قبل ذلك. وهذا الحكم خاص بالمضحي فقط, حتى لو كان لا يتولى الذبح بنفسه فإنه يمسك عن شعره وأظفاره.
وإذا أخذ شيئاً من شعره وأظفاره أو بشرته متعمداً فعليه أن يتوب ولا كفارة عليه. ولا يَحْرُمُ عليه سِوَى ما ذُكِر, فيجوز له أن يتطيب, ويصبغ شعره, ويجامع زوجته, ويغتسل متى شاء, ويمشط شعره, حتى لو أدى إلى تساقط شعره فإنه لا يضر.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أعلنّا وما أسررنا وما أنت أعلمُ به منا أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيءٍ قدير، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمةً عامة وهداية عامةً يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم سلط عليهم جُنداً من جندك واجعلهم عبرة لغيرهم يا قوي يا متين، اللهم مَنْ أراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا له يا سميع الدعاء, اللهم وفقّ إمامنا بتوفيقك وأيّده بتأييدك واجعله من أنصار دينك, وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، اللهم حبب إليه الخير وأهله وبغض إليه الشر وأهله يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات .
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أغثنا، غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت، اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
|