خطبة جمعة / شرح حديث : سبعة يظلهم الله في ظله ........
الحمد لله مسبب الأسباب , خالق الناس من تراب , إله يرجعون وإليه الحساب , وأشهد ان لا إله غلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمد عبده ورسوله , صلى لله عليه وعلى آله وصحابته وسلم سلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين 0 أما بعد : فاتقوا الله عباد الله 0 أيها الإخوة المسلمون : جاء في صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سبعة يظلهم الله في ظلّه يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين 0 لقد تردد هذا الحديث الشريف على الأذان مرارا وتكرارا حتى صار محفوظا عند الكثير من الناس , ومع هذا فإن الحديث عن هذا الحديث يبعث في النفس آمالا وتطلعات الى التحلي بما جاء فيه من صفات عل المرء يحظى بالانضمام إلى هذه الكوكبات المصطفات , فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر أنه في يوم القيامة يوم العرض على الله عندما تدنوا الشمس من الرؤوس قدر ميل , فلا يقي من حرها شيء , حينها يتنزل الله نزولاً يليق بجلاله ، ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية . فإذا تنزّل، نادى بصوت يسمعه من قرُب كما يسمعه من بعد ويقول عز وجل كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري (أنا الملك أين ملوك الأرض ) ويقول عز وجل كما جاء في حديث آخر: لمن الملك اليوم ؟لمن الملك اليوم ؟ فيجيب نفسه فيقول: (لله الواحد القهار ) .. في ذلك الموقف العظيم الذي يجتمع الله فيه الأولين والآخرين لا ظل إلا ظل عرش الرحمن , ولكن هناك مجموعة من الناس اختصهم الله بالاستظلال بظل العرش تفضلا من وإحسانا , إنهم من ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق وهم سبعة أصناف 0 أولهم: إمام عادل وهو: من عدل في رعيته , وحكم فيهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , سواء كان أمير عامة أو أمير خاصة ..حتى أن من عدل بين طالبين في المدرسة فهو إمام عادل يدخل في هؤلاء السبعة .. إذن فالإمام العادل – أيها الإخوة - يكون في أي مكان , في البيت , وفي المدرسة , وفي العمل , وغير ذلك 0
وأما النوع الثاني : فهو ذلك الشاب الذي نشأ في طاعة الله , ألذي عجب الله منه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : يعجب ربك من شاب ليس له صبوة 0 فلا يعرف إلا القرآن ولا يعرف إلا ذكر الله تعالى ، وقد خص الشاب بالذكر لأنه مظنة غلبة الهوى والشهوة والطيش فكانت ملازمته للعبادة مع وجود الصوارف أرفع درجة من ملازمة غيره لها .. والشباب المتصف بهذه الصفة ولله الحمد كثير منذ القرون المفضلة إلى يومنا هذا , وهل كان أكثر أصحاب رسول الله إلا الشباب , ولا عبرة بالشواذ 0 وأما النوع الثالث : فهما ذلك الرجلين الذين تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه , فكان اجتماعهما بسبب المحبة في الله تعالى ليس إلا , لا لمصلحة دنيوية إلا ما كان في خدمة الدين , ثم تفرقا عليه أي فارق أحدهما صاحبه لأي سبب كسفر أو موت وهما لا يزالان متحابان في الله ...وفي الحديث"أن رجلاً خرج من قرية إلى قرية يزور أخاً له في الله، فأرصد الله على مدرجته ملكاً من الملائكة، فلما مر الرجل قال له الملك: أين تريد ؟ قال : أريد أخاً لي في الله . قال :هل له من نعمة عليك تربُّها ؟ قال : لا غير أني أحببته في الله . فقال : فأنا رسول الله إليك - يعني ملكاً أرسله الله - بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه "0 أخرجه مسلم , وأحمد 0 ولذلك جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ ، والمتزاورين فيّ ، والمتجالسين فيّ ) وأما الصنف الرابع: فهو ذلك الرجل رقيق القلب دائم التفكر في خلق الله , ذكر الله خالياً ففاضت عيناه , هذا دليل على الإخلاص , فذكره لله خاليا أبعد عن الشبهة وعن الرياء والسمعة , وذكر الله كما أنه تسبيحاً وتكبيراً و تحميداً فإنه أعم من ذلك : فمن رأى مبتلى فدمعت عيناه فهو من الذاكرين الله . ومن خرج سائحا في الأرض متفكرا في مخلوقات الله فهو من الذاكرين لإذا صاحب ذلك خشية , وتعظيما لله نتج عنه فيضان الدموع تحقق في حقه الوعد المذكور في الحديث 0 وقد كان كثير من العلماء رحمهم الله على هذه الحال يقول ابن القيم :قال تقي الدين بن شطير: خرجت يوماً من الأيام وراء ابن تيمية، فمضى في طريقه بحيث أراه ولا يراني.قال : فانتهى إلى مكان فرأيته وقد رفع طرفه إلى السماء وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير ثم بكى ثم قال: وأخرج من بين البيوت لعلني .......أحدث عنك النفس بالسر خالياً
كل ما تقدم – أيها الإخوة – هو من الاستقامة على الدين , والله تعالى يقول ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون )0
بارك الله لي ولكم في القرأن العظيم .............................
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الآخرة والأولى , وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا 0
أما بعد : فاتقوا الله عباد الله حق التقوى , واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى 0 لا يزال الحديث عن ذكر بقية الأصناف الواردة في هذا الحديث العظيم , الذي حق لكل مسلم أن يقف عنده وقفات كثيرة , ويحدث النفس في أفضال الله , ويزعها إلى التحلي بكل خلق جميل 0
فمما جاء في هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم :و رجل قلبه معلّق بالمساجد 0 وهذه هي الصفة الخامسة المذكورة في الحديث 0 فالمساجد بيوت الله , وأماكن أداء العبادات المفروضة , وميدان العلم والتعلم , فالمتعلق بالمسجد بعيد عن رؤية المنكرات , وقريب من فعل الصالحات , ومرضٍ لرب الأرض والسماوات , يصفو قلبه وتنجلي همومه وأكداره ويعيش في روضة من رياض الجنة , حري أن يفوز بأعلى الدرجات , وكثرة الحسنات , وتكفير السيئات , وقد مدح الله القائمين في المساجد وسماهم رجال بينما الكثير من الناس ذكر فقط وليسوا رجالا فقال تعالى ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال *رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار *ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله ) . وكان صلى الله عليه وسلم كما تقول عائشة رضي لله عنها: يشتغل في مهنة أهله يقطع مع أهله اللحم , ويخصف نعله ويرقع ثوبه , ويحلب شاته , ويكنس بيته وهو أشرف الخلق ..وتقول عائشة : فإذا سمع الله أكبر، قام من مجلسنا كأننا لا نعرفه ولا يعرفنا 0 أين هذا الخلق ممن إذا سمع النداء دخل بيته وأغلق عليه بابه , ألله أكبر إنها الفوارق العظيمة بين الهمم العالية والهمم الدنيئة 0 وأما السادس من الأصناف فهو : رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه 0 لا يعلم بصدقته إلا الله عز وجل, فالصدقة فضلها كبير , وأجرها عظيم , فهي مكفرة للسيئات قال تعالى( إن تبدوا الصدقات فنعمّاهي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير ) ..وذُكر أن علي بن الحسين زين العابدين كان يخرج في آخر الليل فيأخذ من الدقيق ومن السمن ومن الزبيب على ظهره ويمر على فقراء المدينة ويعطيهم في ظلام الليل بحيث لا يراه إلا الله .فلما مات وجاء الناس يغسلونه وجدوا أثر خيوط الحبال على كتفه .فسألوا أهله ماله ؟ قالوا هذا من كثرة ما كان يحمل من الدقيق ومن التمر والزبيب ويوزع على فقراء المدينة كلهم فهذا من الذين أخفوا صدقاتهم بحيث لا يراهم إلا الله عز وجل0 وأما الصنف السابع فهو : رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين 0 طلبته للفاحشة , وهي في تلك الحالة منصب وأصل وشرف ومكانة وحراسة فلا يخاف من الوقوع بها فإن ذات المنصب يمكن أن تخرج نفسها وتخرجه من المشكلة ولا تخاف من إقامة الحدود , وهي أيضا ذات جمال فهي تدعوه بجمالها ..ولكنه قال : إني أخاف الله رب العالمين فاستحق بهذا أن يستظل في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله وقد مر يوسف عليه السلام بمثل هذا الابتلاء مع امرأة العزيز فقال
( معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون ) أين هذا الخلق ممن يعمدون إلى المومسات الباغيات القذرات اللواتي جعلن أنفسهن كنفايات للقمامة كل يلقي فيها قذره , ويأنسون بذلك ويتتبعونه هنا وهناك ويتحملون من أجله ألوانا من المخازي والإذلال والخسائر الفادحة في الدين والدنيا , عياذا بالله من حال السوء 0
اللهم أصلح أحولنا .............................. الخ |