خطبة جمعة عن العقيدة في الله ( 2 )
الحمد لله الذي هدانا لمعرفته , وأقام على المعاند حجته , وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمد عبده ورسوله , صلى الله عليه وعلى آله , وأزواجه وأصحابه , وسلم تسليما كثيرا 0
( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )
أيها الإخوة المسلمون : لا يزال , ولم يزل , ولن يزال السؤال مطروحا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ( ليعلم الله من يخافه بالغيب ) و ( ليميز الله الخبيث من الطيب ) إنه السؤال الذي يحتم على كل إنسان معرفة جواب عنه , تكون به سعادته في الدنيا ونجاته يوم القيامة إن لم يتسن له الجواب كاملا عنه , السؤال – أيها الإخوة هو : من هو الله ؟
سبق وأن استمعنا إلى شيء أقل من القليل من الحديث عما يتعلق بالإجابة عن هذا السؤال , نخطو اليوم وإياكم - أيها الإخوة - خطوة أخرى نحو معرفة شيء من الجواب , فأحضروا قلوبكم , وارعوا أسماعكم عل الله أن ينفعنا بالقول والسماع والعمل 0
في كتاب الله الحكيم آيات بينات محكمات تدل وترشد إلى معرفة الله , الوقوف على جميعا ومعرفتها في هذا لمقام من الصعوبة بمكان . إليكم بعضا منها , فقفوا عندها وحركوا بها القلوب , قال الله تعالى ( ما قدروا الله حق قدره – أي ما عظموا الله حق تعظيمه , لأنهم لم يعرفوه حق معرفته - والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بينه سبحانه وتعالى عما يشركون ) فهذه الأرض التي أنت أيها الإنسان فيها بنسبة لا تكاد تذكر , فأنت في مكانك الآن الذي لا يتجاوز المتر المربع ما هي نسبتك إلى هذا المسجد ؟, ثم ما هي نسبتك إلى بلدك ؟ , ثم ما هي نسيتك الجزيرة العربية ؟, ثم ما هي نسبتك إلى العالم العربي ؟, ثم ما هي نسبتك إلى آسيا ؟ , ثم ما هي نسبتك إلى الكرة الأرضية التي قيل إنها أصغر الكواكب الشمسية , فإن في بعض الكواكب منحنا غائر يحتاج في ردمه وتسوية سطحه إلى عشرين كرة أرضية لكي يمتلئ ؟, ثم ما هي نسبتك إلى كواكب المجرة ؟ , ثم ما هي نسبتك إلى السماء الأولى التي مسافة ما بينها وبين الأرض مسيرة خمسمائة عام , ومسافة ما بينها وبين السماء الثانية مسيرة خمسمائة عام وهكذا إلى السماء السابعة ؟ وسمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام , وفوق السماء السابعة عرش الرحمن الذي نسبة السماوات فيه كدراهم سبعة ألقيت في ترس , وكرسي الرحمن الذي وسع السماوات والأرض ما هو في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهراني فلاة من الأرض , وقال صلى الله عليه وسلم أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش , ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام , فكم نسبتك أخي المسلم بالنسبة لهذه المخلوقات العظيمة ؟ لا شيء يذكر يمكن أن يقال نسبتك لما ذكر كنقطة قلم في كتاب يتكون من آلاف الأوراق .
فهل نحن حقا عرفنا الله حق معرفته ؟كلا والله ثم كلا والله , وهو القائل سبحانه ولا يحيطون به علما , ( فهذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه ) ( أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ) أنظروا – أيها الموفقون – إلى هذا الحديث وتصوروه جيدا , من غير تمثيل ولا تعطيل , ولا تحريف , ولا تأويل , عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السماوات على أصبع , والأرضيين على أصبع , والشجر على أصبع , والماء على إصبع , والثرى على إصبع , وسائر الخلق على إصبع , فيقول : أنا الملك , فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ) متفق عليه 0
إنه الله الذي ( بيده ملكوت كل شيء ) إنه الله الذي ( يعلم السر وأخفى ) ( ووسع كل شيئ علما ) إنه الله ( فاطر السماوات والأرض ) إنه الله الذي ( يقبض ويبسط وإليه ترجعون ) إنه الله الذي ( أضحك وأبكى *وأنه هو أمات وأحياء * وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى * من نطفة إذا تمنى * وان عليه النشأة الأخرى * وأنه هو أغنى وأقنى * وأنه هو رب الشعرى * وأنه أهلك عاد الأولى * وثمود فما أبقى ) إنه الله الذي ( وسع كل شيئ علما ) حقا ما قدرنا الله حق قدره , ولا أحطنا بشيء من علمه 0 فمن هو الله ؟ من عبد الله بدرجة الإحسان كأنه يراه فإلم يكن يراه فإنه يراه , هل يمكن أنه يعلم محارمه فينتهكها , وحدوده فيتعداها ؟ كلا والله , فلا يصدر ذلك إلا من جهل ربه , فكل من عصى الله فهو جاهل بالله حال ارتكابه لمعصيته 0 من هو الله ؟ من هو الله ؟ من هو الله ؟ رددوها –
يا عباد الله - في قرارة أنفسكم , ولتمسوا للسؤال جوابا علكم تجده عندكم , وتوبوا إلى ربكم وبارئكم , واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم 0
الخطبة الثانية
الحمد لله الواحد الأحد , الفرد الصمد , الذي لم يلد ولم يولد , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , بالملك والخلق والتدبير والتصريف تفرد , وأشهد أن نبينا وسيدنا محمد , صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن لله تعبد , وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين 0
أما بعد فاتقوا الله عباد الله 0 أيها الإخوة المسلمون : إن عظمة الله تعالى تتجلى في كل شيء من مخلوقاته وإن صغر ذلك المخلوق , فما أوجده إلا بقدرته ولحكمة عظيمة , ويكفي في الدلالة على عظمته أن أكثر المخوقات لا تعلم بكل الحكم من خلقه لهذا المخلوق الصغير 0
أعظم العبادات القلبية هي التفكر في مخلوقات الله لانها تدل على عظمة الله , وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه العبادة فقد ورد في معجم الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في الله. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله 0 وعن ابن أبي زيد القيرواني المالكي في "الرسالة": لا يبلغ كنه صفته الواصفون، ولا يحيط بأمره المتفكرون.. يعتبر المتفكرون بآياته، ولا يتفكرون في ماهية ذاته.. وجاء في عقيدة السلف الصالح عن أبي جعفر الطحاوي قوله : لا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأفهام، ولا يشبه الأنام.. ولإحاطة علما بكل ما خلق الله من الاستحالة بمكان , ولكن يمكن لكل مخلوق أن يتعرف على عظمة الله من خلال المخلوقات التي في محيطه , فقد أرشد الله تعالى إلى ذلك فخاطب أهل مكة بالتفكر فيما في محيطهم فقال سبحانه ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * والى الجبال كيف نصبت * والى الأرض كيف سطحت ) فإن هذه المخلوقات العجيبة العظيمة هي التي يشاهدونها في حياتهم اليومية , ففي مشاهدتها والتفكر فيها أعظم الدلالة على عظم خالقها وبارئها فيحدوهم ذلك الى توحيد الله فيما اختص فيه من الربوبية والأسماء والصفات , فيلزم من ذلك توحيده في العبادات . وقد أمر الله تعالى بالسير في الأرض والتفكر في مخلوقاته وآياته فقال سبحانه ( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) وقال سبحانه ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير )
فأعملوا عقولكم - أيها الإخوة- فيما يحيط بكم من مخلوقات الله فسترون عظمة الله تتجلى فكل شيء
ففي كل شيئ له آية × تدل على أنه واحد 0
وصلوا وسلموا ............... |