خطبة جمعة عن العقيدة في الله ( 1 )
الحمد لله رب العالمين , إله الأولين والآخرين , والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين سيدنا ونبينا الأمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )
أيها الإخوة المسلمون : سؤال يتكون من ثلاث كلمات , الإجابة عنه تفوق مابين الأرض والسماوات , وتهز الجبال الراسيات , ومن عرف الإجابة عنه حق المعرفة , كاملة وافية تكاد تنهار منه القوى , وتنهد الأطراف , وتقشعر الجلود , وتستنفر الذاكرة جنودها , وتهيم في عالم الخيالات , في الوقت الذي يستهجن فيه الجهال والسفهاء صاحب السؤل لبساطة الجواب عنه عندهم .. هكذا زعموا . أما السؤال فهو : من هو الله ؟ لا إله إلا الله , كم إجابة دارة في أذهانكم الآن - أيها الإخوة – اهتزت قلوب من هذا السؤال بقد ما معها من العلم بالله فنكس البعض الرؤوس وقالوا سبحانك ما عرفناك حق معرفتك . وحرك السؤال عند آخرين مكامن النفس وبقايا الفطرة فأخذوا يرددون : نعم من هو الله ؟ وآخرين إلى الدعة والسكون مخلدين , لا تحرك فيهم البواعث ساكنا . نعم إن ما بين الإجابات كما بين السماء والأرض . ليس على من بذل الجهد واستفرغ الوسع في التحصيل ووصل إلى ما وصل إليه من العلم بالله ملامة , ولكن اللوم كل اللوم على من ضعفت همته وهو وفترت عزيمته فتقاعس عن معرفة خالقه , فلا والله يذوق طعم السعادة من جهل ربه ومولاه , ولا تستقيم له قائمة في الدنيا إلا قدرا لا تفضلا , كيف والله تعالى يقول ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) ومن لازم الذكر العلم بالمذكور , يأتي في مقابل ذلك قوله تعالى ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ) فهذا وعد ووعيد يحدو المرء إلى معرفة من بذكره تحصل السعادة , وبعدم ذكره تحصل التعاسة , إنه الله الذي ما من سورة في كتاب الله إلا وفيها حديث عن الإيمان به , حديثا مباشرا عن ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله . وإما دعوة إلى عبادته وتوحيده لا شريك له , وترك ما يعبد من دونه . وإما أمرا بطاعته سبحانه , ونهي عن معصيته . وإما إخبارا عن أهل الإيمان وما فعل بهم في الدنيا من الكرامة , وما يثيبهم به في الآخرة . وإما إخبارا عن الكافرين وما فعل بهم في الدنبا من النكال , وما سيفعل بهم في دار العذاب ... فهذا كله تعريف بالله وبالإيمان به , ولأهمية العقيدة في الله والإيمان به وترسيخ ذلك في النفوس نجد أن ذكر الله قد تكرر في القرآن الكريم باسم من أسمائه , أو صفة من صفاته أكثر من عشرة آلاف مرة , وفي السنة من الأحاديث ما لا قدرة لا أحد على عده وحصره . من أيقن أنه كان نطفة مذرة , ثم كان علقة فمضغة , ثم كان بشرا سويا , ثم شابا فتيا , ثم كهلا , ثم شيخا ضعيفا , ثم ترقبا لهادم اللذات , فبعدها موت وقبر, وحساب وجزاء , ومن ثم الاستقرار إما في جنة أو نار , من اعتقد ذلك – أيها الإخوة - وأيقن به , وأنه ملاقيه لا محالة أيساوره أدني شك في أن الله أوجب معرفته على عباده وجعلها أعظم الواجبات ؟ ( فاعلم أنه لا إله الا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين ) 0
أم يضع حاجته عند مخلوق لا يغني عن نفسه شيئا فضلا عن غيره ولا يجلب نفعا ولا يدفع ضرا ؟ , أم يبحث عما هو من خصائص الله عند غير الله ؟ كل ذلك وغيره خدوش في العقيدة في الله , وتصدعات في جدار الإيمان بالله , الذي هو أول أركان الإيمان وأوثق عراها .
من هو الله ؟ عرفنا منذ الصغر أن الله هو: خالقنا ورازقنا ومحيينا ومميتنا , ينزل الغيث , ويكشف الضر , ويبعث من في القبور . وهو الذي يوحد في العبادات من صلاة, وصوم, وحج وزكاة , وكل ما يتعبد المسلم به . ارتسمت تلك العقيدة في الأذهان منذ الصغر , وهذه أكبر نعم علينا على الإطلاق أن جعلنا مسلمين إذا استجبنا , وأسلمنا , وأنبينا , وطبقنا .
من هو الله ؟ عبادة قلبية في قلب كل إنسان عاقل على وجه الأرض هو مناط التكليف هي أكبر الأدلة على معرفة الله ,إن هو عمل بها وهي التي تدعو المرء إلى الاتجاه إلى الخالق , إنها ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ) ولو ترك كل إنسان دون مؤثرات ترد عليه تجعله ينحرف , لبقي على الدين الصافي , ولكن ما يغرسه الآباء في النفوس مما يكبت تلك الفطرة ويقذها ويلقي عليها غشاوة هو الذي يجعلها لا تنهض لترى طريقها , وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على بيان ذلك , ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل مولود يولد على الفطرة , فأبواه يهودانه , أو ينصرانه , أو يمجسانه ) . ولم يقل : يسلمانه , لان الإسلام موافق للفطرة . إذا من هو الله ؟ ( هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم * هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون * هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات الأرض وهو العزيز الحكيم ) .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .................................
الخطبة الثانية
الحمد لله تفضل علينا بالإسلام منة قبل أن نسأله إياه , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا . أما بعد فاتقوا الله عباد الله
أيها الإخوة المسلمون : يعرف المخلوق ربه ويخشاه بآياته ومخلوقاته
( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) العلماء بآياته الكونية والشرعية , والعلماء بمخلوقاته وعجائب صنعه , كلمات ترددت على الآذان كثيرا في المدارس النظامية وقت الصغر , لكنها الآن وفي وقت الكبر يجب أن يوقف عندها كثيرا وكثيرا , عقيدة ودينا , إيمانا وتصديقا , قولا وعملا , تفكرا واعتبارا . فما جعل الله لخلقه حجة عليه , بعد إرسال الرسل , وإنزال الكتب , ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل )
فإعمال العقل – يا أصحاب العقول – في معرفة الله مضموما إليه ما جاء في شرع الله عن الله , خير من تعطيله , أو اطراحه وإهماله , أو اعمله فيما يكون بخلاف ذلك وهي الأدهى والأمر .
جاءت في كتاب الله جل وعلا آيات كثيرة تبين وترشد إلى آيات تدل على معرفة الله كثيرة فمنها قوله تعالى ( ومن آياته أن خلقكم من تراب )
( ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم ) ( ومن آياته منامكم بالليل والنهار ) ( ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا )
( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ) ( ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ) ( ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر ...) ( ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام ) ( ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة ) , وغير ذلك من الآيات كثير وكثير , وكثير ما يأتي في القرآن بعد ذكر جملة من الآيات الكونية قوله تعالى ( كذلك يبين الله لكم آياته .....)
أيها الإخوة المسلمون العقلاء : اعلموا أنه لا سعادة لأحد في الدنيا ولا نجاة يوم القيامة إلا بمعرفة الله حق معرفته , فمن كان بالله أعرف كان منه أرهب , وإليه أرغب , وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : والله إني لأعلمكم بالله وأتقاكم له . وحتى لا تتجارى بالمسلم الأهواء, أو تقصر همته عن اللحاق , فليلزم كل مسلم هدي المرسلين , وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم , وشر الأمور محدثاتها , وكل بدعة ضلالة .....
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان ................. الخ |