المبارك الكريم
الحمد لله ، الذي شهدت بوجوده آياته الباهرة ، ودلت على كرمه وجوده ؛ نعمه الباطنة والظاهرة ، وسبحت بحمده الأفلاك الدائرة .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، خضعت لعزته الرقاب ، وذلت لربوبيته الأرباب ، وأقداره في بريته سائرة .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، أرسله إلى كافة الأمم من العرب والعجم ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه نجوم الهدى الزاهرة ، صلاة دائمة إلى يوم الوقوف بالساهرة ، وسلما تسليما .
أما بعد عباد الله :
اتقوا الله U ، بفعل أوامره ، وبالبعد عن ما نهى عنه ، فقد قال سبحانه : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ { فاتقوا الله عباد الله واعلموا بأنكم في شهر مبارك ، في شهر كريم ، البركة والكرم ، من أعظم صفاته ، وأبرز مميزاته ، حري بالمسلم أن يستفيد منه ، ومن كرمه وبركاته .
حري بالمسلم - أيها الأخوة - أن لا يكون من المحرومين ، الذين يحرمون أنفسهم كرم وبركة هذا الشهر بسبب تقصيرهم ، وبسبب ذنوبهم ومعاصيهم ، الذين يدخل شهر رمضان ويخرج كما دخل لم يحصل لهم شيء من كرمه ولا من بركته ، حظهم منه رغام أنوفهم ، كما قال r في الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة t : (( ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له )) .
أتعرفون - أيها الأخوة - معنى قول النبي r : (( رغم أنف )) أي لصق أنفه بالتراب .
نعم - أخوتي في الله - خيرات هذا الشهر وبركاته وكرمه ، كثيرة ومتنوعة ومتعددة ، من حرم منها ، وعجز عن نفسه لإدراكها ، فليس له إلا الرغام وهو التراب . بل مع الرغام ليس له من رمضان إلا الجوع والعطش ، كما قال النبي r : (( رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش )) .
أيها الأخوة :
إن من بركات رمضان وكرمه ؛ أن الله U يضاعف فيه الحسنات ، ويرفع فيه الدرجات ، يقول النبي r في الحديث : (( من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه )) والحديث رواه ابن خزيمة في صحيحه .
كرم وبركة - أيها الأخوة - خصلة الخير عن فريضة والفريضة عن سبعين فريضة ، فضل من الله U .
ومن كرم وفضل رمضان ، أن من صامه إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه ، يقول النبي r في الحديث الصحيح : (( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )) وفي الحديث الذي رواه مسلم يقول r : (( الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر )) .
ومن كرم وبركة رمضان ، أن للصائم دعوة مستجابة لا ترد ، يقول النبي r في الحديث الذي رواه البيهقي في السنن : (( ثلاث دعوات لا ترد : دعوة الوالد ، ودعوة الصائم ، ودعوة المسافر )) فدعوة الصائم ، من الدعوات المستجابة ، فهي فرصة ، أخي المسلم ، اسأل الله U من فضله ، } وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ { تعبد إلى الله U بدعائه ، واحذر أن تفوت عليك هذه الفرصة ، كما تفوت على كثير من الناس ، بسبب متابعة المسلسلات الطائشة ، والأفلام القاتلة للوقت ، والبرامج التي تسرق منك هذا الشهر المبارك الكريم .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
ومن كرم رمضان وبركته ، أن الله U في كل يوم يزين جنته ويقول : (( يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ثم يصيروا إليك )) كما جاء في حديث أبي هريرة t . ولله U عتقاء من النار ، وذلك كل ليلة من رمضان ، ويغفر U للصائمين في آخر ليلة من رمضان ، وتستغفر الملائكة للصائمين حتى يفطروا ، وتصفد فيه الشياطين ، وتفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار ، ومَنْ فطّر صائما كان له مثل أجره ، والعمرة فيه تعدل حجة مع النبي r ، ومن قام خلف إمامه ، حتى ينصرف كتب له قيام ليلة كاملة .
أيها الأخوة المؤمنون :
ومن أعظم بركات رمضان وكرمه : أن فيه ليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر ، كما قال تبارك وتعالى : } لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ { .
فا الله .. الله .. أخي المسلم ، هاهو الكريم ، هاهو المبارك ، بين يديك ، فاحرص على استغلاله والاستفادة منه ، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء ، ولا يكن حظك من صيامك الجوع والعطش .
أسأل الله U أن يعينني وإياك على ذكره وشكره وحسن عبادته ، وأن يجعلني وإياك في هذا الشهر الكريم المبارك ، من عتقائه من النار .
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الله لا إله إلا أنت ، أن تعتق رقابنا من النار ، ورقاب آبائنا وأمهاتنا ، وترحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء وتوفنا شهداء واحشرنا في زمرة الأتقياء يارب العالمين .
اللهم إن للصائم دعوة مستجابة ، فاللهم إنا نسألك أن تغفر ذنوبنا ، وتستر عيوبنا ، وتهدي قلوبنا ، وتشفي مرضانا ، وترحم موتانا ، وتسدد ديوننا ، وتعافي من ابتليته منا برحمتك يا أرحم الراحمين. ] رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [
عباد الله : ] إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [ فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|