الصـوم جُـنَّـة
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:- أيها الناس: اتقوا الله تعالى, واعلموا أن من أعظم مقاصد الصيام: التقوى, وتهذيب النفوس, وتزكيتها, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( والصيام جُنة، فإذا كان يوم صوم أحدِكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤٌ صائم ).
وشرع الله الصيام ليكون تذكرةً للعبد، وعِظَةً له، وسبباً لإقباله على طاعة الله، واستِنقاذِه من غفلته ، وليكون هذا الصوم كفارةً لما مضى من الذنوب بتوفيق رب العالمين، ( الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر ). إنه جُنَّة، وحاجز بين العبد وبين معاصي الله، كلما هَمَّ بخطيئةٍ، ذكّر نفسه أنه صائم، فدعاه ذلك إلى الإعراض عما حرم الله عليه. فمن لم يحجزه الصوم عن الوقوع في الحرام, وكذلك من لم يحُثُُه صيامُه على المحافظة على الواجبات التي من أعظمها الصلاة مع الجماعة, فليعلم أن صيامه ناقص, وأنه على خطر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه ).
ورب صائم حظه من الصيام الجوع والعطش فقط. فكم من صائم يمتنع عن المفطرات, ولا يمتنع عن الغيبة والنميمة والكذب والسب والشتم. أو أنه لا يتورع عن أكل الحرام, أو الظلم, أو أذية الخلق. وكم من صائم يمتنع عن المفطرات, ولكنه ينام عن الصلوات, ويضيّع الجماعة، ويهمل الوقت، ولا يعلم أن ما وقع فيه إثمٌ عظيم، ومنكرٌ كبير، لأن تضييعها من أبرز علامات النفاق الظاهرة, وتركها هو أولُ ذنوبِ المجرمين أَهْلِ النار عندما يُسْأَلُون: ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴾ , فاحذر أيها المسلمُ من التهاونِ في الصلاة، لا في رمضان ولا في غيره، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ).
عباد الله: من السنن المؤكدة في الصيام: أكلة السحر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر )، ويقول أيضاً: ( تسحروا فإن في السحور بركة )، بركة من الله في ذات السحور، يعينك أيها الصائم على صومك، وبركة في ذلك الوقت الذي فيه التنزّل الإلهي، تقوم من فراشك، تذكر الله وتثني عليه، وتصلي ما قُسِمَ لك، وتتضرع بين يدي الله، وتكثر من الدعاء فإن الدعاء مستجاب.
وبركةٌ أيضاً لأن الله وملائكته يصلون على المتسحرين كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تأخير السحور حتى قال زيد بن ثابت رضي الله عنه: كان بين سحور النبي صلى الله عليه وسلم وأن تقام الصلاة قدر خمسين آية. فكان يؤخر السحور، ويقول: ( إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ) .
والسحور سنة ولو باليسير، وأفضله أن يكون على تمر لقوله صلى الله عليه وسلم: ( نعمَ سحور المؤمن التمر ). فإن التمر أفضلُ ما يفطر به الصائم وأفضل ما يتسحر به, فيا له من طعام مبارك. ولبركته قال عليه الصلاة والسلام: ( بيت لا تمر فيه أهله جياع ).
ويستحب تعجيل الفطور، بمجرد ما تغرب الشمس، أو سماع المؤذن الثقة, لقوله عليه الصلاة والسلام: ( لا يزال الناس بخير، ما عجلوا الفطر )، ويستحب الفطر على رطب، فإن لم يكن رطب أفطر على تمرات، فإن لم يكن فعلى ماء.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:-
عباد الله: من رحمة الله بعباده أن رخص لأهل الأعذار بالفطر في نهار رمضان, والقضاء بعد ذلك. فالمريض الذي يُرْجى برؤه يفطر ويقضى بعد رمضان, وهكذا المسافر, حتى ولو لم يشق عليه السفر, لقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ مَرِيضاً ، أوْ عَلَى سَفَرٍ ، فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامُ أُخَرَ ﴾. وهكذا الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيها, أو على الجنين جاز لهما الفطر.
وأما الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يقدران على الصيام, وهكذا المريض مرضا مزمنا لا يرجى برؤه, فإنهم يُفطرون ويطعمون عن كل يوم مسكينا, لكل مسكين نصف صاع, ولا حرج من تأخير الإطعام إلى آخر الشهر ودفعه دفعة واحدة مع زكاة الفطر.
ويجوز للعاجز عن الصيام أن يصنع طعاماً يكفي ثلاثين شخصاً ويطعمهم إياه سواء كانوا مجتمعين أو متفرقين. ولكن لا يجوز أن يجعل ذلك مع تفطير الصائمين الذي يُجْعَل في المساجد أو المخيمات, لأنه يحضره الغني والفقير.
كما لا يجوز دفع زكاة المال ضمن التبرعات المخصصة لتفطير الصائمين .
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا، اللهم تقبل صيامنا وقيامنا ولا تردنا خائبين، اللهم اجعلنا في هذا الشهر من عتقائك من النار اللهم أعتق رقابنا من النار يا رب العالمين اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا و لا مبلغ همنا ، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والعصيان وجعلنا من الراشدين، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين وانصر عبادك المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم اللهم سلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم من أراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا له يا سميع الدعاء، اللهم احفظ ولي أمرنا, اللهم وفقه بتوفيقك وأيده بتأييدك واجعله من أنصار دينك, وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، اللهم وفقه وإخوانه وأعوانه لما فيه صلاحُ أمر الإسلام والمسلمين، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
|