هدي النبي ﷺ في الجنائز
الجمعة ١٢رجب١٤٤٤
الْخُطْبَةُ الأُولَى:
كَانَ
هَدْيُهُ r فِي الْجَنَائِزِ
أَكْمَلَ هَدْيٍ، مُخَالِفًا لِهَدْيِ سَائِرِ الْأُمَمِ، مُشْتَمِلًا عَلَى
الْإِحْسَانِ إِلَى الْمَيِّتِ وَإِلَى أَهْلِهِ وَأَقَارِبِهِ، وَعَلَى إِقَامَةِ
عُبُودِيَّةِ الْحَيِّ فِيمَا يُعَامِلُ بِهِ الْمَيِّتَ، فَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ عُبُودِيَّةُ
الرَّبِّ تَعَالَى عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ، وَتَجْهِيزُ الْمَيِّتِ إِلَى
اللهِ تَعَالَى عَلَى أَحْسَنِ الْأَحْوَالِ، وَوَقُوفُهُ وَأَصْحَابُهُ صُفُوفًا
يَحْمَدُونَ اللهَ، وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ، ثُمَّ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَى
أَنْ يُودِعُوهُ حُفْرَتَهُ، ثُمَّ يَقُومُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى قَبْرِهِ سَائِلِينَ
لَهُ الثَّبَاتَ، ثُمَّ يَتَعَاهَدُهُ بِالزِّيَارَةِ إِلَى قَبْرِهِ، وَالسَّلَامِ
عَلَيْهِ، وَالدُّعَاءِ لَهُ.
فَأَوَّلُ
ذَلِكَ تَعَاهُدُهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَتَذْكِيرُهُ الْآخِرَةَ، وَأَمْرُهُ
بِالْوَصِيَّةِ وَالتَّوْبَةِ، وَأَمْرُ مَنْ حَضَرَهُ بِتَلْقِينِهِ شَهَادَةَ
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ لِتَكُونَ آخِرَ كَلَامِهِ، وَسَنَّ الْبُكَاءَ لِلْمَوْتِ
الَّذِي لَا صَوْتَ مَعَهُ، وَحُزْنَ الْقَلْبِ، وَكَانَ يَفْعَلُهُ وَيَقُولُ:
«تَدْمَعُ الْعَيْنُ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِي
الرَّبَّ» وَسَنَّ لِأُمَّتِهِ الْحَمْدَ وَالِاسْتِرْجَاعَ وَالرِّضَا عَنِ اللهِ.
وَكَانَ
مِنْ هَدْيِهِ الْإِسْرَاعُ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ إِلَى اللَّهِ، وَتَطْهِيرُهُ
وَتَنْظِيفُهُ وَتَطْيِيبُهُ، وَتَكْفِينُهُ فِي ثِيَابِ الْبَيَاضِ، ثُمَّ
يُؤْتَى بِهِ إِلَيْهِ، فَيُصَلِّي عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَدْعُو لَهُ
عِنْدَ احْتِضَارِهِ، فَيُقِيمُ عِنْدَهُ حَتَّى يَقْضِيَ، ثُمَّ يَحْضُرُ تَجْهِيزَهُ،
وَيُصَلِّي عَلَيْهِ، وَيُشَيِّعُهُ إِلَى قَبْرِهِ،
وَكَانَ
مِنْ هَدْيِهِ تَغْطِيَةُ وَجْهِ الْمَيِّتِ إِذَا مَاتَ وَبَدَنِهِ، وَتَغْمِيضُ
عَيْنَيْهِ، وَكَانَ رُبَّمَا يُقَبِّلُ الْمَيِّتَ، كَمَا قَبَّلَ عُثْمَانَ بْنَ
مَظْعُونٍ وَبَكَى.
وَكَانَ
يَأْمُرُ بِغَسْلِ الْمَيِّتِ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ مَا
يَرَاهُ الْغَاسِلُ، وَيَأْمُرُ بِالْكَافُورِ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ.
وَكَانَ
يَأْمُرُ مَنْ وَلِيَ الْمَيِّتَ أَنْ يُحْسِنَ كَفَنَهُ، وَيُكَفِّنَهُ فِي الْبَيَاضِ،
وَيَنْهَى عَنِ الْمُغَالَاةِ فِي الْكَفَنِ.
وَمَقْصُودُ
الصَّلَاةِ عَلَيْهِ الدُّعَاءُ، وَلِذَلِكَ حُفِظَ عَنْهُ، وَحُفِظَ مِنْ دُعَائِهِ:
اللَّهُمَّ إِنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ فِي ذِمَّتِكَ، وَحَبْلِ جِوَارِكَ، فَقِهِ
فِتْنَةَ الْقَبْرِ، وَعَذَابَ النَّارِ، وَأَنْتَ أَهْلُ الْوَفَاءِ وَالْحَقِّ،
فَاغْفِرْ لَهُ، وَارْحَمْهُ إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
وَكَانَ
يَأْمُرُ بِإِخْلَاصِ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ.
وَكَانَ
يُكَبِّرُ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، يُكَبِّرُ الْأُولَى ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ،
ثُمَّ يُكَبِّرُ الثَّانِيَةَ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ r، ثُمَّ
يُكَبِّرُ الثَّالِثَةَ وَيَدْعُو لِلْمَيِّتِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ الرَّابِعَةَ وَيُسَلِّمُ
تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً.
وَكَانَ
إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجَنَازَةِ صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ، فَصَلَّى
مَرَّةً عَلَى قَبْرٍ بَعْدَ لَيْلَةٍ، وَمَرَّةً بَعْدَ ثَلَاثٍ، وَمَرَّةً
بَعْدَ شَهْرٍ، وَلَمْ يُوَقِّتْ فِي ذَلِكَ وَقْتًا، وَكَانَ يَقُومُ عِنْدَ رَأْسِ
الرَّجُلِ، وَوَسَطِ الْمَرْأَةِ، وَكَانَ يُصَلِّي عَلَى الطِّفْلِ.
وَكَانَ
إِذَا صَلَّى عَلَيْهِ تَبِعَهُ إِلَى الْمَقَابِرِ مَاشِيًا أَمَامَهُ، وَسُنَّ لِلرَّاكِبِ
أَنْ يَكُونَ وَرَاءَهَا.
وَكَانَ
لَا يَجْلِسُ حَتَّى تُوضَعَ، وَقَالَ: «إِذَا تَبِعْتُمُ الْجِنَازَةَ فَلَا تَجْلِسُوا
حَتَّى تُوضَعَ».
وَلَمْ
يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مَيِّتٍ غَائِبٍ، «وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ
أَمَرَ بِالْقِيَامِ لِلْجَنَازَةِ لَمَّا مَرَّتْ بِهِ».
وَكَانَ
مِنْ هَدْيِهِ اللَّحْدُ، وَتَعْمِيقُ الْقَبْرِ، وَتَوْسِيعُهُ مِنْ عِنْدِ
رَأْسِ الْمَيِّتِ وَرِجْلَيْهِ، وَيُذْكَرُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا وَضَعَ
الْمَيِّتَ فِي الْقَبْرِ قَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَعَلَى
مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ»
وَيُذْكَرُ
عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَحْثُو عَلَى الْمَيِّتِ إِذَا دُفِنَ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ
ثَلَاثًا، وَكَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ، قَامَ عَلَى قَبْرِهِ
هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَسَأَلَ لَهُ التَّثْبِيتَ، وَأَمَرَهُمْ بِذَلِكَ.
وَلَمْ
يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ تَعْلِيَةُ الْقُبُورِ، وَلَا بِنَاؤُهَا، وَلَا تَطْيِينُهَا،
وَلَا بِنَاءُ الْقِبَابِ عَلَيْهَا، وَنَهَى أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ، وَأَنْ
يُبْنَى عَلَيْهِ، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ، وَكَانَ يُعَلِّمُ مَنْ أَرَادَ أَنْ
يَعْرِفَ قَبْرَهُ بِصَخْرَةٍ، وَنَهَى عَنِ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ،
وَإِيقَادِ السُّرُجِ عَلَيْهَا، وَلَعَنَ فَاعِلَهُ، وَنَهَى عَنِ الصَّلَاةِ إِلَيْهَا،
«وَنَهَى أَنْ يُتَّخَذَ قَبْرُهُ عِيدًا».
وَكَانَ
هَدْيُهُ أَنْ لَا تُهَانَ الْقُبُورُ وَتُوطَأَ، وَيُجْلَسَ عَلَيْهَا،
وَيُتَّكَأَ عَلَيْهَا، وَلَا تُعَظَّمَ بِحَيْثُ تُتَّخَذُ مَسَاجِدَ وَأَعْيَادًا
وَأَوْثَانًا.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
وَكَانَ
يَزُورُ قُبُورَ أَصْحَابِهِ لِلدُّعَاءِ لَهُمْ، وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ،
وَهَذِهِ هِيَ الزِّيَارَةُ الَّتِي سَنَّهَا رَسُولُ اللهِ r، وَأَمَرَهُمْ
إِذَا زَارُوهَا أَنْ يَقُولُوا: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ،
نَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ»
.
وَكَانَ
مِنْ هَدْيِهِ تَعْزِيَةُ أَهْلِ الْمَيِّتِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ أَنْ يَجْتَمِعَ
وَيَقْرَأَ لَهُ الْقُرْآنَ، لَا عِنْدَ الْقَبْرِ، وَلَا غَيْرِهِ.
وَكَانَ
مِنْ هَدْيِهِ أَنَّ أَهْلَ الْمَيِّتِ لَا يَتَكَلَّفُونَ الطَّعَامَ لِلنَّاسِ،
بَلْ أَمَرَ أَنْ يَصْنَعَ النَّاسُ لَهُمْ طَعَامًا، وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ
تَرْكُ نَعْيِ الْمَيِّتِ، بَلْ كَانَ يَنْهَى عَنْهُ، وَيَقُولُ: هُوَ مِنْ عَمَلِ
أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنَّمَا يَكْرَهُ ذِكْرَ الْمَآثِرِ وَالْمَفَاخِرِ، وَالتَّطْوَافَ
بَيْنَ النَّاسِ بِذِكْرِهِ بِهِذَهِ ِالْأَشْيَاءِ.
ثم
صلوا وسلموا....
ولمزيد
من خطب الشيخ زيارة موقع روضة الخطب المنبرية
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|