خطبة عيد الأضحى 1442
الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا. وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وكفى بالله وليا ونصيرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله إلى
جميع الثقلين بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، اللهم صل وسلم
على محمد وعلى آله وأصحابه الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. أما بعد:
أيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: الْيَوْمُ
يَوْمُ النَّحْرِ، وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَهُوَ أَفْضَلُ أَيَّامِ
السَّنَةِ، وَأَكْثَرُ أَعْمَالِ الْحُجَّاجِ تَكُونُ فِيهِ؛ كَرَمْيِ الْجِمَارِ،
وَذَبْحِ الْهَدْيِ، وَحَلْقِ الرَّأْسِ، وَطَوَافِ الْحَجِّ وَسَعْيِهِ ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ
وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾. وَأَهْلُ الْأَمْصَارِ يَتَقَرَّبُونَ
لِلَّهِ تَعَالَى بِهَذِهِ الصَّلَاةِ الْعَظِيمَةِ، ثُمَّ يَذْبَحُونَ
ضَحَايَاهُمْ، وَيَأْكُلُونَ مِنْهَا وَيُهْدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَيَمْتَدُّ
وَقْتُ الذَّبْحِ وكذا التكبير إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ
التَّشْرِيقِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَهِيَ
أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ تَعَالَى، يُشْرَعُ فِيهَا
التَّكْبِيرُ، فَكَبِّرُوا اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا ﴿وَاذْكُرُوا
اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾
واظهروا الفرح والسرور فهو سنة في العيدين.
أيها
الناس، اتقوا الله فقد فاز المتقون، واعتمِدوا على ربكم في كل ما به تتصرفون،
واعلموا أن كل شيء بقضاء قدر من يقول للشيء كن فيكون، ألا وإن الاعتقاد في القضاء
والقدر أحد أصول الإيمان، وبتحقيقه يتحقق للعبد الربح ويسلم من الخسران، فإن هذا
الاعتقاد إذا وقر في القلوب نشط العاملين في أعمالهم، ورقاهم إلى مدارج الكمال في
كل أحوالهم، فمن آمن حق الإيمان بالله وعلم أن كل شيء بقدره وقضاه ثبّت الله قلبه
للرضى والتسليم وهداه، ومن استعان بالله معتمدا بقلبه عليه أعانه، ومن لجأ إليه
واحتمى بحماه حماه وعصمه وصانه، ومن تحمل في سبيله الأثقال والمشاق سهلها عليه وهونها،
ومن قصد نحوه صادقا كفاه كل مؤنة وزيّن في قلبه مسالك الخير وحسنها، كيف يرهب
الخلق في رضى الخالق من يعلم أن الأجل محتوم؟ وكيف يخشى الفقر فيما ينفق من ماله
في الخير من تيقن أن الرزق مقسوم؟ كيف لا يطمئن إلى كفاية الله ورزقه من يعلم أن
الله تكفل بأرزاق الخليقة؟ كيف لا يثق بوعد من قال: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ
شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ}؟ وهو الذي بيده خزائن الملك على الحقيقة، كيف يتسخط
العبد المصائب والمكاره والله هو الذي قدرها؟ كيف لا يحتسب له ثوابها ويرجو ذخرها
من يعلم أن الله هو الذي أجراها ودبرها؟ ألا وإن الإيمان بقضاء الله وقدره يوجب
الطمأنينة إلى الله في كل الحالات، ويسهل على العبد اقتحام الصعاب والأهوال
الملمات. {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ
بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله
الحمد.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من
الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائِر المسلمين من
كلّ ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خلق فسوَّى، والذي قدَّر فهدى، وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له خالقُ الأرض والسماوات العُلَى، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا
محمدًا عبدُ الله ورسوله النبيُّ المُجتَبَى، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك
محمد، وعلى آله وصحبه أهل البرِّ والتُّقَى. أما بعد:
حافظوا
على صلواتكم, وصلوا أرحامكم , واحفظوا وصية الله فيهم , غضوا أبصاركم عما حرم الله
عليكم , مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر خصوصا بين أهليكم فإنكم مسؤولون عنهم.
أَيَّتُهَا
الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ: إِنَّ اتِّبَاعَ الْحَقِّ يَعْنِي التَّجَرُّدَ مِنَ
الْهَوَى، وَأَخْذَ الدِّينِ بِعَزْمٍ وَقُوَّةٍ، وَالتَّمَسُّكَ بِتَعَالِيمِهِ
فِي كُلِّ شُئُونِ الْحَيَاةِ، فِي الْمَنْزِلِ وَالْعَمَلِ وَالسُّوقِ وَكُلِّ
مَكَانٍ، فِي النَّفْسِ وَالزَّوْجِ وَالْأَوْلَادِ وَالْقَرَابَةِ وَسَائِرِ
النَّاسِ، فِي الْعِبَادَةِ وَالْمُعَامَلَةِ وَاللِّبَاسِ وَكُلِّ شَأْنٍ.
وَأَمَّا مَنْ تَأْخُذُ مِنَ الْحَقِّ مَا تَهْوَى، وَتَتْرُكُ مِنْهُ مَا لَا
تَهْوَى؛ فَفِي عُبُودِيَّتِهَا لِلَّهِ -تَعَالَى- نَقْصٌ بِحَسْبِ مَا تَرَكَتْ
مِنَ الْحَقِّ، وَمَا أَتَتْ مِنَ الْبَاطِلِ. وَالْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ
تَطْلُبُ رِضَا اللَّهِ -تَعَالَى-، وَرِضَاهُ -سُبْحَانَهُ- فِي قَبُولِ دِينِهِ
الَّذِي هُوَ الْحَقُّ، وَالِاسْتِسْلَامِ لَهُ، وَأَخْذِهِ كُلِّهِ، وَعَدَمِ
التَّفْرِيطِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَمُجَانَبَةِ الْبَاطِلِ وَلَوْ هَوَتْهُ
النَّفْسُ، وَدَعَا إِلَيْهِ أَهْلُ الشَّرِّ. وَعَلَيْهَا أَنْ تُرَبِّيَ
أَوْلَادَهَا مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ عَلَى سُلُوكِ طَرِيقِ الْحَقِّ،
وَالثَّبَاتِ عَلَيْهِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ؛ وَالصَّبْرِ عَلَى الْأَذَى فِيهِ
(وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر).
الله
أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
اللهمّ
صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد
مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك
حميد مجيد.
اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب
الرحيم، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما
قرب إليها من قول وعمل، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها صغيرها وكبيرها
علانيتها وسرها أولها وآخرها، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام
قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أعزَّ
الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين وانصر عبادك
المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح
ذات بينهم واهدهم سبل السلام ونجهم من الظلمات إلى النور وانصرهم على عدوك وعدوهم
يا قوي يا عزيز، اللهم يسر للحجاج إتمام نسكهم، وتقبل منهم سعيهم وتجاوز عن
تقصيرهم، وردهم إلى بلادهم وأهاليهم سالمين غانمين كيومَ ولدتهم أمهاتُهم بلا ذنوب
ولا عصيان، اللهم وفق جميع القائمين على شؤون الحج والحرمين الشريفين بتوفيقك
واخلف عليهم خيرا، واجعل ما يقومون به في ميزان حسناتهم يوم لقائك يا أرحم
الراحمين، اللهم وفق وُلاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك,
وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تعينهم على الخير وتدلّهم عليه يا رب
العالمين، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وعقيدتها وعزتها وسيادتها، اللهم احفظها
ممن يكيد لها ويتربص بها وبأهلها الشر والفتن، اللهم احفظها من كيد الكائدين
وعدوان المعتدين اللهم أعذ بلادنا من كل شر وفتنة يا رب العالمين، اللهم انصر
جنودنا ورجال أمننا، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن
شمائلهم، اللهم اربط على قلوبهم وأنزل السكينة عليهم وثبت أقدامهم وانصرهم على
عدوك وعدوهم يا رب العالمين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ونفس كرب
المكروبين واقض الدين عنا وعن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين، واغفر لجميع موتى
المسلمين وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، ربنا استجب دعوتنا واغفر لنا وارحمنا
ولا تردنا خائبين ولا رحمتك مطرودين واجعلنا عندك من المقبولين الفائزين، اللهم
صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد .
|