فلنغرسها
26 /2/ 1441هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه
ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن
يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) .(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً
كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) أما بعد: فإن خير
الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل
بدعة ضلالة أما بعد. فاتقوا الله عباد الله.
أيها
الاخوة المسلمون: مخلوقات الله جل وعلا لا يحصيها الا هو سبحانه, منها ذوات الارواح,
ومنها مالا روح له, ومنها الجمادات, وكل المخلوقات في هذا الكون وفي هذه الحيات تتكامل
فمثلا هذه الشمس مخلوقة وهذه الارض مخلوقة وهناك مخلوقات على الارض لا يمكن ان تحيا
الا بوجود الشمس, وكذلك الرياح والهواء مخلوق ولا حياة لمتنفس إلا بالهواء, وكذلك
هذه الانعام لا يمكن ان تحيا الا بالأشجار والاعشاب ... وهكذا كل شيء يكون مربوطا بمخلوق آخر.
مخلوق من مخلوقات الله ليس بوسع أي مخلوق الاحاطة
بكل أنواعه, إنها الأشجار!! وما أدراكم ما الأشجار, إنها الأشجار التي أحاط الله بها
وبكل شيء علما فقال سبحانه: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا
هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا
يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا
فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) الاشجار التي هي جزء من هذه المنظومة الكونية وهذه الحياة,
ولا توجد عين مخلوق مبصرة على وجه الارض الا وقد وقعت على منظرها, وإن هذه الاشجار
احيانا تسر الناظرين, وأحيانا تُحزن الناظرين,
تسر الناظرين إذا رأوها يانعة مخضرة مورقة زاهية تتلهب, وتحزن الناظرين إذا رأوها يابسة
عطِشة ذابلة أو ميتة هامدة, وهذه الاشجار جعل الله لكل شجرة بقعة من الارض لا تنبت
ولا تثمر الا بها حسب ما يناسبها من الحرارة والبرودة والهواء وغيرها.
وقد أودع الله هذه الاشجار ما أودع, فهناك أشجار
خيرها خيرٌ محض وهي منة من الله ونعمة, وهناك اشجار شرها شرٌ محض، وهي فتنة من الله
ومحنة, وهناك اشجار فيها خير وفيها شر.
وقد
جاء في القرآن والسنة ذكر أشجار بعينها كما قال سبحانه: ( فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ
إِلَىٰ طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ
شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا
* وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (وَفِي
الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ
وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْـضٍ فِي
الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
وكشجرة النخلة والعنب فهما شجرتان طيبتان في الاصل
فيهما خير وفيهما شر كما بيّن ذلك الله في كتابه فقال سبحانه: ( وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ
وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً
لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) فاكل ثمار النخيل والاعناب حلال طيب مبارك نافع, واستخراج الخمور
منهما خبيث محرم ضار .
ومن الأشجار أيضا التي جاء ذكرها في القرآن والسنة
شجرة اليقطين, وكذلك سدرة المنتهى, وكذلك الشجرة التي كلم الله موسى عندها, وكذلك من الاشجار ما ذكره الله في كتابه في قوله ( وَإِذْ
قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ
يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا
وَبَصَلِهَا .........) الآية.
وكذلك الشجرة في الجنة التي اخبر بها النبي صلى
الله عليه وسلم بقوله: "طوبى شجرة في الجنة مسيرة مائة عام , ثياب أهل الجنة تخرج
من أكمامها"
وكذلك الشجرة التي قيل أنها القمح التي منع الله
الابوين من الاكل منها، وكذلك شجرة الارزة, وغيرها كثير وكثير.
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على غرس الاشجار
والاهتمام بها, وبين انها من الاعمال الصالحة كما قال صلى الله عليه وسلم: " ما
من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به
صدقة "، وكما في الحديث الاخر عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "سَبْعٌ يجري للعبدِ أجْرُهُنَّ
وهو في قبره وبعد موته: مَنْ عَلَّمَ علماً، أو كَرَى نهراً، أو حَفَرَ بئراً،
أو غَرَسَ نخلاً، أو بنى مسجداً، أو وَرَّث مُصحفاً، أو ترك ولداً يستغفرُ له بعد موته".
يقال هذا –أيها الإخوة- في وقت يدشن فيه أمير المنطقة
وفقه الله حملة تطوعية تحمل اسم ( فلنغرسها ) وما ذاك الا اهتماما بما ينفع البلاد
والعباد, فلنحرص جميعا على غرس الاشجار, ولنبتعد كل البعد عن قطعها واحتطابها احتطابا
جائرا, ففي وجودها خير, وفي عدمها غير الخير, ولِمَ لا نحرص على غرس الاشجار وقد نهى
النبي صلى الله عليه وسلم عن قطعها في حرم مكة والمدينة, فقد روى البخاري عن ابن عباس
رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "حرّم الله مكة فلم تحل
لأحد قبلي ولا لأحد بعدي, أحلت لي ساعة من نهار، لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها, ولا
ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرف"، فقال العباس رضي الله عنه: إلا الإذخر
لصاغتنا وقبورنا. فقال: "إلا الإذخر".
وكما هو الحال في المدينة فعن جابر بن عبد الله
رضي الله عنهما فيما رواه مسلم: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: "إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة، ما بين لابتيها،
لا يقطع عضاهها ولا يصاد صيده". وما منع النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك إلا
لأن في بقاء الأشجار فائدة, وفوائد الاشجار والنباتات لا تعد ولا تحصى.
فاتقوا الله عباد الله, وأحسنوا أن الله يحب المحسنين, ولا تعتدوا عن
الله لا يحب المعتدين، والحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين.
الخطبة
الثانية
الحمد لله انعم علينا بالأشجار, وجعل لنا منها قوتا وتعبار, فقال سبحانه من كريم غفار, وهو يبين شجرة
النار ( أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا
أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ)
وأشهد أن لا اله إلا الله وحد لا شريك له، اله
الاولين والآخرين , واشهد أن محمدا عبده ورسوله بل البلاغ المبين, صلى الله عليه وعلى
اله الطيبين, وصحابته اجمعين، والتابعين ومن
تبعهم بإحسان الى يوم الدين.
أما بعد : فيا ايها الإخوة المسلمون: لا حياة
للأشجار إلا بالماء, ولا ماء الا من رب الماء, ولا استجلاب له الا بما شرعه الله
, وقد شرع الله لنا دعائه لينزّل علينا غيثه ورحمته فقال سبحانه (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ
الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)
وقال سبحانه (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي
أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ
جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) فلندُعُ ربنا فإنه لا مكره لنا وقد أمرنا بدعائه, ووعدنا باستجابته, فارفعوا أيديكم وأمنا, واخلصوا واحسنوا وابشروا ......
اللهم إنك أمرتنا بالدعاء فامتثلنا ووعتنا بالإجابة فاستبشرنا, فاللهم
لا تخيب رجائنا, أغثنا غيثا مغيثا, هنيئا مريئا مريعا , سحا غدقا نافعا غير ضار, اللهم
لتسق به البلاد وترحم به العباد وتجعله متاعا للحضر والباد, اللهم انبت لنا به الزرع
وأدر لنا به الضرع واجعله عونا لنا على طاعتك
يا أرحم الراحمين.
اللهم وفقنا لكل خير, وجنبنا
كل شر, اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والاموات, اللهم اصلح احوالنا وارخص
اسعارنا والف بين قلوبنا, اللهم واصلح احوال
المسلمين في كل مكان واحقن دمائهم وولِّ عليهم خيارهم, اللهم من أرادنا في بلادنا بسوء
فاجعل كيده في نحره واكفناه بما شئت, اللهم
وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك واجعلهم رحمة على رعاياهم يارب العالمين, اللهم وفق ولاتنا في بلادنا واعنهم
على كل خير ياذا الجلال والاكرام, اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا ولكل المسلمين يارب
العالمين, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا
ان الحمد لله رب العالمين وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ نايف الرضيمان تجدها
هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=123
|