الحث على الإنفاق
الحمد لله الغني الحميد, ذي العرش المجيد, عطاؤه في مزيد, أحمده حمداً يليق بجلاله, وأشكره على تفضله وإنعامه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسول صلى الله عليه وسلم وعلى آله, وأصحابه, وبعد:
لقد أمر الله سبحانه وتعالى بالإنفاق في سبيله, قال تعالى : {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {195} }البقرة.
وقال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ {254}}البقرة .
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ {267} الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {268} يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ {269}}البقرة.
وقال تعالى : {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {261}}البقرة.
وقال تعالى : {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {245}}البقرة.
والآيات بهذا المعنى كثيرة .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرغِّب أصحابه في الصدقة, ويأمرهم بها, ويحثهم عليها, وقد سُر عليه الصلاة والسلام عندما اجتمع عنده كومان ؛ كوم من طعام وكوم من ثياب, وقال : " من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ".
وأخبر عليه الصلاة والسلام أن مال المسلم ما قدم. فقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله ؟ قالوا يا رسول الله ما منا إلا وماله أحب إليه من مال وارثه, قال: فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر".
عباد الله: إن الله عز وجل يدفع البلاء بسبب الصدقة, قال عليه الصلاة والسلام: "إن صنائع المعروف, تقي مصارع السوء ".
وأفضل الصدقة, ما كان زمن الصحة, روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الصدفة أفضل ؟ فقال:" أن تتصدق وأنت صحيح شحيح, تخش الفقر, وتأمل الغنى, ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم". فقلت: لفلان كذا وكذا, وقد كان لفلان.
الخطبة الثانية
والصدقة تقي صاحبها النار, قال صلى الله عليه وسلم:" اتقوا النار ولو بشق تمرة, فإن لم يجد فبكلمة طيبة " متفق عليه.
عباد الله إن الشيطان يأمر بالفحشاء, ويعد بالفقر , والله يعد بالمغفرة والفضل , فعودوا أنفسكم على البذل, والعطاء, والإنفاق في وجوه البر, وأبشروا بالخلف من الله عز وجل , قال صلى الله عليه وسلم :" ما نقصت صدقة من مال بل تزده, بل تزده ".
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ما من يوم يصبح فيه العبد إلا ملكان ينزلان, فيقول أحدهم: اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً ".
عباد الله لقد حذركم نبيكم صلى الله عليه وسلم عن الشح فقال:" اتقوا الشح, فإن الشح أهلك من كان قبلكم, حملهم على أن سفكوا دماءهم, واستحلوا محارمهم " رواه مسلم من حديث جابر.
أيها الناس إن مستلزمات الحياة كثيرة في هذا العصر , بعض الناس لا يطيقها , ومع ذلك يستعفف, قال تعالى : { لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ {273}}البقرة.
وقال صلى الله عليه وسلم :" ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان, واللقمة واللقمتان, ولكن المسكين الذي لا يجد غناً يغنيه, ولا يفطن له فيتصدق عليه, ولا يقوم فيسأل الناس " متفق عليه.
أيها المسلمون إن أمثال هؤلاء كثيرون في المجتمع, فالواجب عليكم أن تبحثوا عنهم وأن تعينوهم بما تجود به أنفسكم من المال , ولكم أسوة في أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه الذي كان يتفقد رعيته ليلاً, بحثاً عن المساكين, وأشباههم, واستعينوا بأهل الخبرة بهذا الشأن, وأئمة المساجد, والمؤذنين وغيرهم, أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {9} وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ {10} وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {11}}المنافقون.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم , ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, إنه تعالى كريم ملك بر رؤوف رحيم. |