الجليس الصالح و السوء
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا , من يهد الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم, وعلى آله وصحبه وسلم, وبعد :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ {102}} آل عمران.
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً {1}} النساء.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً {71}}الأحزاب.
أيها الناس: إن الإنسان في هذه الحياة لا بد له من مصاحب, ومجالس, ومخالط , وهذا المجالس, إما أن يكون عوناً على الطاعة, أو معيناً على المعصية , فإن كان الأول, فأكرم به وأنعم, وإن كان الآخر, فهذا الذي حُذِّرْتَ منه , قال تعالى : {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ {67}}الزخرف .
وقال تعالى : {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً {27} يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً {28} لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً {29}}الفرقان.
أيها الناس: يخبر الله عز وجل في الآية الأولى عن الأخلاء, وأنهم على قسمين : أخلاء على التقوى, وأخلاء على المعصية, أما المتحابون لغير الله, فإنهم يتعادون يوم القيامة, ويتبرأ بعضهم من بعض, أما المتقون, فإن الله عز وجل استثناهم, بل قال النبي صلى الله عليه وسلم:" يقول الله عز وجل : أين المتحابون فيَّ ؟ اليوم أظلهم في ظلي, يوم لا ظل إلا ظلي ". وفي الصحيحين, قال النبي صلى الله عيه وسلم :" سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله , وذكر منهم رجلين تحابا في الله, اجتمعا عليه وافترقا على ذلك ".
أما الآية الثانية: ففيها بيان لحال من اتخذ خليلاً سيئاً , فإنه يعض على يديه, يقول: يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً , ويتمنى أنه اتخذ مع الرسول سبيلاً .
عباد الله : إذا كان الأمر كذلك, وأن الخليل سيتأثر بخليله, فالواجب على الناصح لنفسه, أن يبحث عن خليل الصدق, الذي يعينه على طاعة الله, ويذكره إذا نسي , ويعلمه إذا جهل, ويرشده إذا ضل .
ففي الترمذي, من حديث أبي هريرة, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" المرء على دين خليله, فلينظر أحدكم من يخالل ".
وفي الصحيحين, من حديث أنس, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" المرء مع من أحب ".
وفيهما أيضاً, من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"مثل الجليس الصالح والسوء, كحامل المسك, ونافخ الكير, فحامل المسك إما أن يحذيك, وإما أن تبتاع منه, وإما أن تجد منه ريحاً طيبة, ونافخ الكير, إما أن يحرق ثيابك, وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة ".
وقال أحد السلف: عليك بمعاملة من يزيد في علمك منطقه .
قال ابن عيينة: قيل لعيسى: يا روح الله! من نجالس؟ قال: من يزيد في علمك منطقه, ويذكركم الله تعالى رؤيته, ويرغبكم في الآخرة عمله. فيض القدير ج3/ص467
وقالوا: صديقك من صدَقك, لا من صدّقك .
وقال الشاعر :
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكـل قرين بالمقارن يقتـدي
وقال الآخر :
إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
الخطبة الثانية
أيها الناس: صاحبوا أهل الخير والصلاح , واحذروا أهل الزيغ, والفساد, والضلال, فإن مخالطتهم كمخالطة الأجرب بالصحاح.
أيها الناس: إن بعض المسلمين _هداهم الله_ يجالسون من يشرب الحرام, ويجالسون من يلعب الورق, ويجالسون من يغتاب المسلمين, ويجالسون أهل البدع والضلال, وفي هذا خطر عليهم, لأن الشبه خطافة, والقلب بيد الرحمن, يقلبه كيف يشاء, فابحثوا عن الجلساء الناصحين, الذين ينتقون أطيب الكلام , كما ينتقى الآكل أطايب التمر.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
{الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ {67}}الزخرف
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات, والذكر الحكيم, إنه تعالى كريم ملك برّ رؤوف رحيم0 |