ذم الكذب والتهاون فيه
الحمد لله الذي جعل الأخلاق من الدين، وأعلى بها شأن المؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله الصادق الأمين، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الغر الميامين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:-
عليكم بتقوى الله فهي الربح الذي لا خسارة فيها ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾.
أيها الناس: ظاهرة مستشرية، وسمة غالبة، ومرض فتَّاك، وداء عضال، وخُلُقٌ ساقطٌ بغيضٌ إلى الله، بغيض إلى رسوله، بغيض إلى الفِطر الصادقة، يأباه الشرفاء، ويمقته العقلاء، وتمجُّه أنفس النبلاء، يُهين أصحابه، ويُذل أربابه، ويزري بمروجيه؛ إنه الكذب.
نعم الكذب!! الذي أصبح لبعض الناس سجية ولآخر مطية فقوله كذب وفعله أيضا كذب عافانا الله وإياكم .
أما المؤمن حقا فإنه لا يمكن أن يكذب لأنه يؤمن بآيات الله يؤمن برسوله يؤمن بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا))، ما أقبح الكاذب غاية الكذب وما أسفل مرتبة الكاذب، الكذب يفضي إلى الفجور وهو الميل والانحراف عن الصراط السوي ثم إلى النار، ويا ويل أهل النار.
فها هو -صلى الله عليه وسلم- يؤكد أن الكذب صفة للمنافق، وليست للمسلم فيقول: ((آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ , وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ , وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ))، وحينما نتأمل هذه الثلاث نجد أنها جميعًا قامت على الكذب، ويعظم إثم الكذب حينما يكون على الله تعالى أو على رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فيا عجبًا لأناس يتطاولون ويُحلِّلون ويحرِّمون، ويجيزون ويمنعون، دون معرفة أو تثبُّت، ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ﴾ [الزمر:60]، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ كذب عليَّ مُتَعمِّدًا فلْيتبوأ مقعده من النار)).
والكاذب سافل لأنه مكتوب عند الله كذابا، وبئس هذا الوصف لمن اتصف به. إن الإنسان لينفر أن يقال له بين الناس: يا كذاب. فكيف يقر أن يكتب عند خالقه كذابا، وإن الكاذب لمحذور في حياته لا يوثق به في خبر ولا معاملة، وإنه لموضع الثناء القبيح بعد وفاته.
ولقد قرن الله تعالى الكذب بعبادة الأوثان فقال تعالى: ﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج:30]. فهل بعد ذلك سبيل إلى أن يتخذ المؤمن الكذب مطية لسلوكه أو منهجا لحياته.
إن أبا سفيان في حال كفره تنزه أن يوصف بالكذب ولو مرة واحدة مع أنه كان يرى أن له مصلحة في كذبه عما يخبر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن بعض المنخدعين من هذه الأمة ليستمرئ الكذب ويفتي نفسه بحله إما لتهاون بالكذب، وإما لاعتقاد فاسد، يظن أن الكذب لا يحرم إلا إذا تضمن أكل مال، وإما لطمع مادي يتمتع به في دنياه، وإما لتقليد أعمى لا هداية فيه، وكل ذلك خداع لنفسه وتضليل لفكره .
والكذب حرام وإن لم يكن فيه أكل لمال الغير بالباطل، ولكنه إذا تضمن أكل مال بالباطل كان أعظم جرما وأشد عقوبة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم عد الكبائر ومنها اليمين الغموس قيل ما اليمين الغموس ؟ قال: ((الَّذِي يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ)) [رواه مسلم].
إن بعض الناس يكذب ليضحك به القوم - وهو مايسمى بالطرفة - فيألف ذلك لما يرى من ضحك الناس ويستمر على عمله فيهون عليه وقد يكون كذبا على قبيلة أو على جنسية أو على لون بشرة معينة أو غيرها وقد جاء في الحديث: ((وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ ، وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ)) [أخرجه الثلاثة وإسناده قوي].
وإن بعض الناس يكذب على الصبيان لأنهم لا يُوجهون إليه النقد، ولكنه في الحقيقة أوقع نفسه في الكذب وفتح لهم باب التهاون به والتربي عليه، عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَنَا وَأَنَا صَبِيٌّ صَغِيرٌ ، فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ فَقَالَتْ لِي أُمِّي : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، تَعَالَ أُعْطِيكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((مَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيَهُ ؟)) ، قَالَتْ : أَرَدْتُ أَنْ أُعْطِيَهُ تَمْرًا ، قَالَ : ((أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تَفْعَلِي لَكُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةً )) [رواه أبو داود والبيهقي].
فاتقِ الله أيها المسلم، اتقِ الله في نفسك، واتقِ الله في مجتمعك، واتقِ الله في دينك، ألم تعلم أن الدين يظهر في أهله فإذا كان مظهر الأمة الإسلامية مظهر كذب وتقليد أعمى وأكل مال الغير بغير حق فأين المظهر الإسلامي أرأيت إذا ظهر المسلمون بهذا المظهر المشين أفلا يكونون سببا للتنفير عن دين الإسلام، ألا يكونون فريسة لأراذل الأنام؟
فعجبا وأسفا لأمثال هؤلاء القوم الذين ألبسوا أنفسهم ما تعروا به أمام أعدائهم واتبعوا سبيل الهالكين وابتعدوا عن سبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:-
أيها الناس: الْكَذِب أساس الْفُجُور كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: ((إِن الْكَذِب يهدي إِلَى الْفُجُور وَإِن الْفُجُور يهدي إِلَى النَّار))، وَأول مَا يسري الْكَذِب من النَّفس إِلَى اللِّسَان فيفسده ثمَّ يسري إِلَى الْجَوَارِح فَيفْسد عَلَيْهَا أَعمالهَا كَمَا أفسد على اللِّسَان أَقْوَاله فَيعم الْكَذِب أَقْوَاله وأعماله وأحواله فيستحكم عَلَيْهِ الْفساد ويترامى داؤه إِلَى الهلكة إِن لم يتداركه الله بدواء الصدْق يقْلعُ تِلْكَ من أَصْلهَا.
وأخيرًا، هذا الحديث نسوقه لكل من تهاون بالكذب، أو استساغ الكذب، بل ولكل من يرجو لقاء الله، ويخشى عقابه، أن يبتعد عن هذا الخلق المشين، والداء اللعين، يقول -صلى الله عليه وسلم-: ((رَأَيْتُ كَأَنَّ رَجُلا جَاءَنِي ، فَقَالَ لِي : قُمْ ، فَقُمْتُ مَعَهُ ، فَإِذَا أَنَا بِرَجُلَيْنِ ، أَحَدُهُمَا قَائِمٌ ، وَالآخَرُ جَالِسٌ ، بِيَدِ الْقَائِمِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ ، يُلْقِمُهُ فِي شِدْقِ الْجَالِسِ ، فَيَجْذِبُهُ ، حَتَّى يَبْلُغَ كَاهِلَهُ ، ثُمَّ يَجْذِبُهُ فَيُلْقِمُهُ الْجَانِبَ الآخَرَ ، فَيَمُدُّهُ ، فَإِذَا مَدَّهُ رَجَعَ الآخَرُ كَمَا كَانَ ، فَقُلْتُ لِلَّذِي أَقَامَنِي : مَا هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا رَجُلٌ كَذَّابٌ ، يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)) فاحذروا الكذب! واحذروا قوله تعالى: ﴿فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّـهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾.
اللهم طهر ألسنتا من الكذب وقلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وأعيننا من الخيانة فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنّا سيء الأخلاق لا يصرف عنّا سيئها إلا أنت، اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً يا عليم، اللهم فقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا فى ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، وﻻ مبلغ علمنا، وﻻ تسلط علينا من ﻻ يرحمنا، اللهم أنت ربنا لا إله إلا أنت، خلقتنا ونحن عبيدك، ونحن على عهدك ووعدك ما استطعنا، نعوذ بك من شر ما صنعنا، نبوء لك بنعمتك علينا، ونبوء بذنوبنا، فاغفر لنا، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز، اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصارا لدينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا بسوء اللهم فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين، اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا واستقرارنا وجماعتنا يا أرحم الراحمين .
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أعلنّا وما أسررنا وما أنت أعلمُ به منا أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيءٍ قدير، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أغثنا، غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت، اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ وليد الشعبان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |