( هذه هي الحقيقة)
ذم التقليد
في 20/ 11/ 1436هـ
الحمد لله معز من أطاعه ومعين, ومذل من عصاه ومهين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين, ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله حق تقواه.
أيها الإخوة المسلمون: علم من علوم الدين, وفن من فنون المعرفة لم يكن مبالغ فيه إذا قيل انه العلم الذي ارتكز عليه الدين كله, وبني على أساسه, فدين الإسلام علم نقله من سلف إلى من خلف سلسلة من الرواة, سمع الصحابي من النبي, وسمع التابعي من الصحابي, وسمع أتباع التابعين من التابعين, وهكذا من بعدهم إلى الاستقرار في تدوين السنة في زمن أئمة الحديث والجرح والتعديل, واحتاجت الأمة الإسلامية إلى هذا العلم بل اضطرت إليه حينما دبت البدع والخرافات في صفوف المسلمين فاختلط الأمر على الناس كل ينقل وكل يروي، فقال علماء السنة حينها مقولتهم المشهورة: "سموا لنا رجالكم"، فإذا قال أحد من الناس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه من أين سمعت هذا فإن ذكر راو ثقة مقبول قبلوا روايته، وإلا ردوها على صاحبها, ومن هنا نشأ علم الجرح والتعديل, وخاض غمار هذا الفن فحول الرجال وفطاحلة العلم كالإمام مالك وأبي حنيفة والزهري والإمام الشافعي والإمام أحمد والإمام البخاري والإمام مسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي، وغيرهم وغيرهم كثير, فكانوا رحمهم الله يتتبعون الرواة ويعرفون سيرهم, وصدقهم من كذبهم, وديانتهم من فسقهم, فإذا زكوا أحداً قالوا: فلان ثقة فلان صدوق فلان كذا وكذا من ألفاظ التزكية المعروفة, وإذا جرحوا أحداً قالوا: فلان كذاب, فلان مبتدع, فلان مدلس, فلان صاحب هوى. وهكذا من ألفاظ الجرح المعروفة لدى المتخصصين بهذا الفن, ولولا ذلك لما عرف الصحيح من الضعيف , ولما وصل إلينا هذا الدين فظا طريا كما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه , بل إن العلماء رحمهم الله قالوا : إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذوا دينكم .
وأنه لما انتهى علم رواية الحديث إلى مرحلة التدوين, وخرجت الأحاديث وبُيّن صحيحها من ضعيفها, بهذا تكن قد برئت ذمت الناقل, وقامت الحجة على الخلق, وعُلم إرث النبي صلى الله عليه وسلم فمستقل مستكثر (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)،(مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا)، يبقى بعد ذلك علم الجرح والتعديل مستمر ولكن ليس لرجال الحديث ورواته إلا ما ندر, بل لمن تصدر لتعليم الناس العلوم الشرعية ونزل ساحة الدعوة إلى الله, فمن اظهر خيرا قبل منه الخير, ومن أظهر غير ذلك وجب على أهل العلم والمعرفة والدراية بيان حاله وكشف أمره ورد باطله، أيًّا كان ذلك الشخص المعروف بالشيخ, أو الداعية, أو العالم, وإن هذا متحتم اليوم على العلماء والخطباء وطلبة العلم, حيث أن الساحة تعج بمن يسمون بالدعاة والمشايخ والعلماء وهم على خلاف ذلك, بل هم دعاة فتنة وفرقة وثورات وتكفير وتفجير وقتل وتشريد, ومشائخ ضلال وإن لمعهم الإعلام, وأكثروا الدروس والمحاضرات, فيبقى الخلل في المنهج والعقيدة لدى هؤلاء وأهدافهم الباطلة التي يسعون إلى تحقيقها من خلال إظهارهم للدين كشعار وإرادة الخير والإصلاح, و(قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)، وإننا حينما نبين حال هؤلاء لن نتجنى عليهم, بل نأخذ هذا من أقوالهم وأفعالهم ونُبين ما يجب بيانه بعيدين عن الدخول في الأمور الشخصية أو الانتقام والمقاصد التي لا تخدم الدين ولا المسلمين.
هاكم – أيها الإخوة – بعضا من أقوال هؤلاء واسمعوا ثم احكموا, يقول طارق السويدان الداعية الكويتي الذي أعطي اكبر من حجمه حتى انخدع به الكثير من الناس يقول: إنه يجوز الاعتراض على الدين وعلى الرسول بل وعلى الله, ثم يذهب ويبرر لما يقول بكلام فلسفي تفوح منه رائحة الجهل بالدين والخباثة في القصد, وقد عرض هذا الكلام على الشيخ صالح الفوزان وفقه الله فكفر قائله.
-ومن أقواله في معرض كلام له قوله: "... إني كنت أتكلم عن الدولة المسلمة التي أتمنّى أن تقوم، وعن شكلها وضوابطها ورؤيتها وطريقة قيامها وحكمها".
ويريد بذلك قيام دولة الإسلام المزعومة على طريقة حسن البنا وسيد قطب الخارجية التكفيرية, وهو بذلك يرفض دولة الإسلام القائمة في السعودية على الكتاب والسنة, ويتمنى زوالها واستبدالها بدولة بدعية خارجية على طريقته وحزبه. بل إن من أقواله وآراءه ودعوته قوله الخبيث في حرية الأديان والمعتقدات, ودعوته إلى السماح بإنشاء المعابد اليهودية, والكنائس النصرانية, والحسينيات الشيعية, في بلاد المسلمين وأن ذلك من الحرية التي يدعو إليها الإسلام وهذا افتراء.
ويكفي في الرد عليه قوله تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب "، والإسلام الصحيح هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم، وعلى هذه الطريقة الخارجية الإخوانية التكفيرية سار الداعية نبيل العوضي, ومحمد العوضي, وقبلهم بأعوام كان ذلك التكفيري السروري عبد الملك عبد الخالق وغيرهم كثير, فالحذر كل الحذر– أيها الإخوة – من هؤلاء الدعاة وأشكالهم ممن هم موجودين في بلادنا وأكثرهم -لا كثرهم الله-, فإن المسلم المكلف لا يعذر بالتقليد, بل هو محاسب على كل صغيرة وكبيرة (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:-
أيها الأخوة المسلمون : اتقوا الله حق التقوى.
أيها الإخوة المسلمون: إن الدين الإسلامي مرتكز على ثلاثة: كتاب الله أولاً, وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثانياً , ويكون ذلك على فهم الصحابة وأئمة الهدى ثالثاً.
وقد ذم السلف الصالح التقليد ونهوا عنه وأقوالهم في ذلك كثيرة ومشهورة.
يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إياكم والاستنان بالرجال، وإن كنتم لابد فاعلين فبالأموات لا بالأحياء "أهـ . وهذا ابن عباس- رضي الله عنهما- يقول: "ويل للأتباع من عثرات العالم, قيل: كيف ذلك؟ قال: يقول العالم شيئا برأيه، ثم يجد من هو أعلم منه برسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فيترك قوله ذلك، ثم يمضي الأتباع"أهـ. وروى الإمام مسلم في مقدمة صحيحه بإسناده إلى مجاهد أنَّه قال: "جاء بشير بن كعْب العدوي إلى ابن عباس، فجعل يُحدِّث، ويقول: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم - قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فجعل ابن عبَّاس لا يأذن لحديثه، ولا ينظر إليه، فقال (بشير): يا ابن عبَّاس، ما لي لا أراك تسمع لحديثي؟ أحدِّثك عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا تسمع! فقال ابن عباس: "إنَّا كنَّا مرة إذا سمعْنا رجلاً يقول: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ابتدرتْه أبصارُنا، وأصغَيْنا إليه بآذاننا، فلمَّا ركب الناس الصعب والذلول؛ لم نأخذْ من الناس إلاَّ ما نعرِف". رحم الله ابن عباس ورضي عنه ماذا يقول لو رأى حالنا اليوم ؟ وهذا الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- يقول: "إذا صح الحديث فهو مذهبي، وإذا صح الحديث فاضربوا بقولي عُرْض الحائط"أهـ. وقال الإمام مالك- رحمه الله-:" كل يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر وكان يشير إلى قبره - صلى الله عليه وسلم-"أهـ. وقال الإمام الشافعي- رحمه الله-: "إذا وجدتم الحديث في قارعة الطريق فهو مذهبي"اهـ. وقال الإمام أحمد- رحمه الله-: "لا تقلدني، ولا تقلد مالكاً، ولا الشافعي، ولا الأوزاعي، ولا الثوري، ولكن خذ من حيث أخذوا" اهـ وقال أيضا :"من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال".
إن التقليد اليوم –أيها الإخوة– قد عم عند الناس وخصوصا الشباب المتدين حديثا, ليس في مسائل فقهية يسوغ فيها الاجتهاد والتقليد, ولكن قلدوا في العقيدة والمنهج والطريقة, كلما رأوا داعية أو سمعوا شيخا قد أعجبهم كلامه في موضوع معين اتخذوه قدوة في كل مجال, بل وعادوا ووالوا من أجله, ودافعوا عنه ولم يقبلوا من أحد نقده وبيان خطأه وخطره, وهذا من جهلهم بدين الله ونقص عقولهم وخبرتهم في الحياة, ولو أنهم تبصروا وتعقلوا وتعلموا لاتضح لهم الأمر جليا كيف وقد قال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)، والنبي- صلى الله عليه وسلم يقول: «تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلّوا بَعْدِي كِتابَ اللهِ وَسُنّتي»، وهو القائل عليه الصلاة والسلام: «إِنَّها سَتَكُونُ فِتْنَة، قالوا: وما نصنع يا رسول الله؟ قال: تَرْجِعُونَ إِلَى أَمْرِكُمُ الأَوّل»، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ, وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ, وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قَالَ: الرَّجُلُ التَّافِهُ يَنْطِقُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ» وهذا حاصل اليوم من قبل هؤلاء الدعاة المتعالمين , فلنتق الله – أيها الإخوة – ولنسر على قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) .
اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمة عامة وهداية عامة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اهد ضال المسلمين، اللهم ردهم إلى دينك ردا جميلا واستعملهم في طاعتك يا ذا الجلال والإكرام. اللهم وفق ولاة أمرنا لما يرضيك ومدهم بعونك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصاراً لدينك وحماة لشريعتك، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأرهم الحق حقا وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه يا ذا الجلال والإكرام، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وجماعتنا وأبنائنا وبناتنا بسوء فأشغله بنفسه ورُدّ كيده في نحره وافضح أمره واجعل عاقبته إلى وبال يا قوي يا عزيز، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم آمن روعاتهم واستر عوراتهم واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ونعوذ بك أن يغتالوا من تحتهم، اللهم مكن لهم وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز. اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ نايف الرضيمان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=123 |