لباس التقوى بمناسبة قدوم الشتاء
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ).( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ).( يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ). أما بعد:
فإنّ خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
أيها الإخوة المسلمون: مما لاشك فيه أن الله خلق هذا الكون بدقة عظيمة وإحكام متناهي, أرض وسما, ويابس وبحار, وليل ونهار, وشمس ونجوم وقمر, رياح وسكون, وصيف وشتاء, يسير هذا الكون كيف له الله شاء, فإذا أذن الله بخراب الدنيا اختل نظامها وظهرت علامات تحولها وزوالها, ( وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ )، ( لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) .
ألهم الله تعالى بني آدم ليتخذ لكل زمان ما يناسبه مما يعينه على العيش في هذه الحياة والحفاظ على بقاء النسل من المأكل والمشرب والملبس, حتى جعل سبحانه من النباتات ماينبت في فصل الشتاء لا ينبت في فصل الصيف وهكذا العكس , كل ذلك لتجانس هذا الكون واستمرار العيش فيه (حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ).
وبمناسبة حلول موسم الشتاء – أيها الإخوة - يعمد الجميع إلى لباس يقي البرد ويحمي منه من أجود أنواع الألبسة كما هو الشأن في الصيف أيضا , وقد أمر سبحانه باتخاذ اللباس للزينة أيضا إضافة إلى التدفئة ونحوها قال تعالى: ( يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )، وقال سبحانه منكرا على من يعترض على من يلبس ويركب وينعم فيما آتاه الله من فضله من دون إسراف ولا مخيلة: ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ .... )، وقال سبحانه: ( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ) ويلاحظ هنا أن الله تعالى قال: ( وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ) فهناك لباسان للمرء لباس ظاهر يراه من نظر إليه من البشر وهو المعروف, ولباس باطن لا يطلع عليه إلا رب البشر علام الغيوب وهو لباس التقوى.
فالناس في اللباس أربعة أنواع: منهم من حسن ظاهره فقط ولم يحسن باطنه, ومنهم من حسن باطنه ولم يحسن ظاهره, ومنهم من خرب ظاهره وباطنه, ومنهم من حسن باطنه وظاهره, فالثلاثة الأنواع الأولى كلها لا تصلح بل هي مخالفة للعقل والنقل , وأما النوع الرابع وهو تحسين الباطن والظاهر فهو الصواب والمطلوب. فإن العمل إذا كان صوابا غير خالص لا يقبل , وإذا كان خالصا غير صواب لا يقبل , وإذا خلا من الصواب والإخلاص أيضا لا يقبل, وإنما يقبل العمل إذا كان خالصا أي لله, صوابا أي موافقا للسنة. ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين ) ، ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ).
ومن هنا – أيها الإخوة – كما حرصنا ونحرص على التخير من اللباس الظاهر في موسم الشتاء وغيره أطيبه وأنفعه وأستره وأجمله, فلنعمل على صلاح اللباس الداخلي الباطن بكل وسيلة مشروعة, ولنعلم أن لباس التقوى يشمل: صلاح القلب وخلوه من الشوائب كالغش والحسد والحقد والرياء والسمعة, والكبر والبطر, واحتقار الناس وازدرائهم والترفع عليهم, ونحو ذلك, وأن يلبس المسلم لباس الحياء والخوف, والورع والوجل, والرغبة والرهبة من الله, والحرص على كل عمل يقرب من الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون: مع حلول موسم الشتاء يخفى على الكثير منا بعض الأحكام التي تتعلق في بعض العبادات , كأحكام بعض الألبسة, والمسح على الخفين, والجمع بين الصلاتين, والصلاة في الرحال حال البرد القارس والمطر, وغير ذلك, فعلى المسلم أن يعلم من الدين ما يتمم به عباداته ولا ينقص منها, ويؤدي بها ما فرض الله عليه , فهو مطالب بالعلم قبل القول والعمل قال تعالى: ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ )، ومع تيسر سبل العلم في الوقت الحاضر فلو قيل أنه لا يعذر أحد بالجهل خصوصا في أصول الدين لكان لهذا القول مسوغ, فاتقوا الله عباد الله ولا تتلبسوا بعبادة إلا وقد علمتموها بأدلتها. أرأيتم لو أن أحدنا أراد أن يبتني بيتا أو يشتري سيارة أو يسافر إلى بلد لا يعرف طريقها كيف نحرص على السؤال والبحث والتحري, وإذا فرّط أحدنا بذلك عُدّ أحمقا وملوما , فإن أمور ديننا والله أولى وأحرى من أمور دنيانا, فإنّ تعلم الدين أصلا من الدين وكما هي القاعدة: مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالحرص الحرص , ومن سلك السبيل وصل فـ (إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)، (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)، و (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا).
اللهم أصلح قلوبنا وأحوالنا وأعمالنا اللهم استعملنا في طاعتك ونعوذ بك من عقوبتك، اللهم اجعلنا نخشاك كأنا نراك، وارزقنا تقواك في السر والعلن، اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا، اللهم اجعلنا لك شاكرين.. لك ذاكرين.. لك راغبين.. لك راهبين. اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وثبت حجتنا، واهد قلوبنا، ويسر أمورنا، وطهر قلوبنا، واسلل سخيمة قلوبنا، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين ، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم آمن روعاتهم واستر عوراتهم واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ونعوذ بك أن يغتالوا من تحتهم، اللهم مكن لهم وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز. اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز، اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ارزقهم بطانة الصلاح وأهل الخير، وأبعد عنهم أهل الزيغ والفساد، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا بسوء اللهم فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات انك سميع قريب مجيب الدعوات. اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ نايف الرضيمان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=123 |