رسول الله بين أتباعه وأعدائه
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ).( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ).( يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ). أما بعد:
فإنّ خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
أيها الإخوة المسلمون: تمضي الأعوام , وتذهب الأيام , ولا يزال الأنام يتقلبون في أحوال عدة أحياء وأموات وقيام ونيام, وتبقى أشياء وتذهب أشياء وما يبقى يذكر وقد يشكر أو يكفر, وما لا يبقى ينسى وقد يؤثر أو لا يؤثر, إنها سنن الله في هذا الكون التي لا تتبدل ولا تتحول , ليس من أمر الله ولا من حكمته أن يسير هذا الكون على نمط واحد أبدا, وقد جعل الله حدوث أشياء مقترن بأشياء أخرى لا يحصل الثاني إلا عن طريق الأول وهذا في جل الأشياء والحوادث إن لم يكن فيها كلها فلا حياة لمتنفس في هذا الكون إلا بالهواء والماء والمأكل والمشرب وغيرها , كما أنه لا جنة إلا بعمل , ولا نار إلا بعمل, بل لا معرفة بالله إلا عن طريق آيات الله , ولا وصول إلى مرضاته إلا عن طريق رسله وأنبياءه
أيها الإخوة: ماذا يستحق من يحسن إليك ويفعل لك معروفا ؟ لا شك أن الجزاء من جنس العمل , وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟ وكما قال الأول:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم * فطالما استعبد الإحسان إنسان , وأيّ إنسان أعظم منة على آخر كان سببا لسعادته وتحرره من عبادة المخلوق وسببا لنجاته من المرهوب , بل وسببا لفلاحه في دار الخلود؟ الجواب: لا أحد أعظم منة من ذلك الإنسان.
فإذا عُلم ذلك وتقرر أيها الإخوة, عُلم أن ذلك الإنسان هو الرحمة المهداة والنعمة المسداة, الذي وصفه ربه بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) .
إنه رسول الله الذي أغلق الله أبواب جنانه إلا عن طريقه , وما عمل مسلم عمل ولا يعمل من عمل إلا أول ما يصب في ميزانه, لأنه الدال على الخير , والدال على الخير كفاعله, ومن هنا فلا غرو ولا عجب أن يصل الحد بالمسلم المتبع أن يقول سمعنا أطعنا, وأن يصل الحد بالصحابة منتهاه في حب رسول الله والتفاني في ذلك: فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول عنه: « إن كان قاله فقد صدق. ويقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا يا رسول الله » . ويقول الفاروق رضي الله عنه: « والله لأنت الآن يارسول الله أحب إلي من كل شيء حتى من نفسي», فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (الآن ياعمر) . ويقول سعد بن معاذ: « يارسول الله هذه أموالنا بين يديك, خذ منها ما شأت ودع ما شأت وما أخذت أحب إلينا مما تركته, ولو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ... »، ويقول طلحة رضي الله عنه: « نحري دون نحرك يارسول الله»، ويقول ثوبان رضي الله عنه وكان شديد الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: « غير أني إذا لم أراك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك , ثم ذكرت الآخرة فأخاف أني لا أراك , لأنك تُرفع مع النبيين , وأني إن دخلت الجنة في منزلة أدنى من منزلتك, وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبداً، فأنزل الله تعالى قوله: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا) » ، والأحاديث والآثار عن الصحابة والسلف الصالح المذكورة في حب النبي صلى الله عليه وسلم لا تكاد تعد ولا تحصى, ولو سال كل إنسان منا الآن نفسه قائلا: ما الذي جعل أولئك القوم يخلد ذكرهم ويُذكرون على ألسنة أفضل الناس وفي أطهر الأمكنة التي يحبها الله وهي المنابر والمساجد، بل وعلى أعواد منابر الحرمين يقال فلان رضي الله عنه, ورواه فلان رحمه الله ؟ ويقترن الذكر بأعظم مذكور من الخلق ؟
فالجواب بأن يقال: ما كان ذلك ليكون ويحصل لولا اصطفاء الله وفضله, ثم المحبة التي وقرت في قلوب أولئك البشر لسيد البشر حتى جعلت منهم بشر لا كالبشر فكان لهم نصيب من قوله تعالى: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ).
أين نحن -أيها الإخوة – وأين وقعنا من أفذاذ هذه الأمة حينما نستعرض التاريخ وسير النبلاء , والله إننا لنستحي من الله ثم نستحي من نبينا, ثم نستحي من محبي نبينا المخلصين الصادقين بحبهم, ولكنه الواقع الذي نعيشه، هو هكذا الأعذار كثيرة والتبريرات متنوعة, والتسويف هو الشعار, والأعوان قلة, والأعداء كثرة, وقد قيدتنا الذنوب والمعاصي, وأضعفتنا الخلافات والفرقة, حتى جبنا واستحيينا من التأييد والنصرة ويكاد أن يحق علينا قول الله تعالى (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا.....) .
إن نبينا –أيها الإخوة- قد استقر في الرفيق الأعلى , وتبوء من الجنة الوسيلة والدرجة الرفيعة, وليس بضآره كل ما يحدث بعده من أمته وأعدائه, ولكننا نبتلى بنبينا (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) و(لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) وإلا فالله تعالى ناصر رسله ومعلي كلمته ومتم نوره (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) والله ليسألن الله كل واحد منا ماذا قدم لنصرة نبيه؟ ولنسألن عنه في قبورنا يقال لكل واحد منا من نبيك؟ فالجواب الآن هين, ولكن الإجابة عنه في القبر والإعداد لها مرهونة بمعرفته حق المعرفة وبمدى الاتباع لدينه وشرعته, وإلا فاليهود قال الله عنهم: (يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ) ولم تنفعهم مجرد المعرفة, فأحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل قلوبكم, وزنوا تلك المحبة بأعمالكم, فمن وجد خيرا فليحمد الله وليزدد إيماناً مع إيمانه, ومن وجد غير ذلك فالبدار البدار قبل فوات الآوان ما دام في العمر بقية (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون: كأني بكل واحد منا والمتحدث قبل السامع يقول: إن نسبة حب النبي صلى الله عليه وسلم في قلوبنا ضعيفة وضعيفة جدا فما السبيل إلى تحقيق تلك المحبة, وما هي وسائل إيجادها ؟
فالجواب يمكن أن يقال: المسلم يؤدي ما في هذا الدين من أركان وشروط ووجبات وسنن ومستحبات, من شهادة بالله وملائكته وكتبه ورسله, ومن صلاة وصيام وحج وزكاة, ومن امتثال لما يستطاع من الأوامر واجتناب لكل الزواجر, فإذا استشعر معنى الشهادة, وأدرك حقيقة الصلاة, وفرضية والصوم والزكاة والحج وأنه بذلك مقتدٍّ بالنبي صلى الله عليه وسلم قاده ذلك إلى التعبد بالاتباع لا بالتقليد المفرغ من معرفة الحكمة، حينها يلتمس الفائدة العاجلة من تلك العبادة وهي انشراح الصدر بتحقق التوحيد وحصول الأمن الخاص والعام الموعود بقوله تعالى: (أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) فيتقرر في نفسه عظمة المتبوع وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فيجد في نفسه أن قلبه مركز تصرفات جوارحه, فتستجيب الجوارح لتعليمات القلب فلا يتصرف إلا وفق ما يحبه الله ورسوله, ولا يسمح بأي حال من الأحوال بأن يُساء إلى متبوعه وقدوته وأمامه لأنه يعتبر نفسه أنها لا تساوي شيئا بدون الاتباع, ولذا فلا تستغربوا حينما تروا مسلما لم يتحمل الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيُنتقم له وينتصر ولو كان على هلاكه هكذا هو الحب حينما يتبلور على ارض الواقع, ولكن الاستغراب يكون ممن لا يترك ضميره لنصرة نبيه, والأغرب من ذلك أن يُرمى من ينتصر لنبيه بالتبديع والإرهاب والخروج عن دائرة الإسلام .
إن نبينا -أيها الإخوة- ليس كثيرا في حقه ذهاب المال والوالد والولد والنفس والناس أجمعين , فأمة لا تنتصر لنبيها باطن الأرض خير لها من ظاهرها , والله المستعان , ولتعلموا -أيها الإخوة– أن بوسع كل واحد منا أن يقدم شيء لنصرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تعبّدا لله أولاً ووفاءً لحقه ثانيا , ودفعا للبلاء الذي علينا ثالثا, وعزة للأمة الإسلامية واستردادا لهيبتها وعزتها في الدفاع عن رموزها وقادتها رابعا.
والفوائد العائدة جراء نصرة النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة لا تخفى.
اللهم ارزقنا حبك وحب نبينا، اللهم ارزقنا اتباعه ظاهرا وباطنا واحشرنا في زمرته وأوردنا الشرب من حوضه، اللهم ارزقنا التمسك بسنته، اللهم انتقم لنا ممن سخر واستهزأ بنبينا، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك اللهم اشف غيظ قلوبنا وأنزل عليهم رجسك وعذابك إله الحق يا قوي يا عزيز.
اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين ، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم آمن روعاتهم واستر عوراتهم واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ونعوذ بك أن يغتالوا من تحتهم، اللهم مكن لهم وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز. اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ارزقهم بطانة الصلاح وأهل الخير، وأبعد عنهم أهل الزيغ والفساد، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا بسوء اللهم فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات انك سميع قريب مجيب الدعوات. اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ نايف الرضيمان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=123
|