عيد الأضحى 34هـ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَسَيئاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه ، وسلمَ تسليماً كثيراً :
اللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.
أيها المسلمون :
تقوى الله U ، وصيته للأولين والآخرين من عباده : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن هذا اليوم ، هو يوم عيد الأضحى المبارك ، وهو يوم النحر ، أعظم يوم عند الله U ، ففي حديث البيهقي في سننه ، يقول r : (( إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ ، يَوْمُ النَّحْرِ ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ )) وهو آخر أيام العشر ، التي فيها العمل الصالح ، من العبد ، لا يفوقه بالفضل والمحبة عند الله U ، إلا إنفاق المال ، وبذل النفس في سبيل الله تعالى ، فالعمل الصالح ـ أيها الأخوة ـ في هذا اليوم له قيمة عالية ، ومكانة سامية ، ماعدا الصوم ، فإن الصوم في هذا اليوم من المحرمات في الدين ، ففي الحديث المتفق عليه ، َعَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ t أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ r نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ : يَوْمِ اَلْفِطْرِ وَيَوْمِ اَلنَّحْرِ . فصوم هذا اليوم حرام ، وكذلك ـ أيها الأخوة ـ ثلاثة الأيام التي بعده ، أيام عيد لا يجوز صومها ، لقول النبي r كما في الحديث الذي رواه الإمام مسلم : (( أَيَّامُ اَلتَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ , وَذِكْرٍ لِلَّهِ U )) .
اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.
أيها الأخوة المؤمنون :
روى ابن ماجه ، والترمذي ، عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال النبي r : (( مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلاً أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هِرَاقَةِ دَمٍ ، وَإِنَّهُ لَيَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلافِهَا وَأَشْعَارِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا )) . فالأضحية في هذا اليوم ، لها شأن عظيم ، والقيام بها عمل يحبه الله U ، بل هو أحب عمل يعمله المسلم في هذا اليوم ، وقد سأل النبي r عنها ، كما في الحديث صحيح الإسناد ، فقيل : مَا هَذِهِ الأَضَاحِىُّ ؟ فقَالَ r : (( سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ )) . قَالُوا : مَا لَنَا فِيهَا مِنَ الأَجْرِ؟ قَالَ r : (( بِكُلِّ قَطْرَةٍ حَسَنَةٌ )) .
فهي سنة إبراهيم ـ عليه السلام ـ حينما رأى في المنام ، أن يذبح أبنه إسماعيل ، ورؤيا الأنبياء وحي ، كما قال تبارك وتعالى عن قصة إبراهيم ورؤياه ، التي اختبره الله U وابتلاه بها : } قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى { رأى في المنام أن يذبح ابنه إسماعيل ، وحيده في ذلك الوقت ، والذي رزقه الله U فيه ، بعد بغض وكره وجفاء من قومه ، ومعاناة ودعاء ، وطلب وتوسل ورجاء ، كما قال U : } قَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ، رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ، فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى { تخيل ـ أخي المسلم ـ أبنه الوحيد ، الذي ليس له في هذه الدنيا سواه ، وقد بلغ من العمر أن يذهب ويجيء معه ، كما قال بعض المفسرين : قد ذهبت مشقته ، وأقبلت منفعته ، تخيل كم يكون مقدار محبته في نفس أبيه . بل تخيل ـ أخي ـ مقدار معاناة الأبن الشاب ، الذي لم يهتن بحياته ، ولم يتمتع بإيام عمره ، وأبوه هو الذي سوف يذبحه بيده ! لا شك أنه كما قال U : } إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ { الاختبار البين الواضح .
} يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى { يستشيره في ذبحه ، وإنهاء حياته ، } قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ { امتثل لأمر ربك ، حتى ولو كان على حساب حياتي ، فأي طاعة للرب ، وأي بر في أب ، بلغ هذا الشاب الصالح .
يقول U : } فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ { يقول عكرمة ـ كما في تفسير الطبري ـ : أسلما جميعا لأمر الله ، ورضي الغلام بالذبح ، ورضي الأب بأن يذبحه ، فقال : يا أبت اقذفني للوجه كيلا تنظر إلي فترحمني ، وأنظر أنا إلى الشفرة فأجزع ، ولكن أدخل الشفرة من تحتي ، وامض لأمر الله ، فذلك قوله : } فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ { فلما فعل ذلك ، ونجح في الاختبار ، وصدق في الابتلاء ، وأخلص في الضراء ، أتاه الفرج من الله ، قال U : } وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ { أي فعلت ما أمرت به ، وامتثلت وأطعت ، } إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ { نصرف السوء والمكروه والمشقة والشدائد ، عمن أطاعنا وامتثل أمرنا ، ونجعل له من كل هم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا ، ومن كل بلاء عافية . قال U : } وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ { يقول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فداه الله U بكبش قد رعى في الجنة أربعين خريفا .
فهذا ـ أيها الأخوة ـ أصل الأضحية ، ومعنى قول النبي r لما سأل عنها : (( سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ )) .
اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب ، فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلى إحسَانِهِ ، والشُّكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظِيماً لِشَأنِهِ ، وأشهدُ أنَّ مُحمَداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رضوانِهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلهِ وأصحابِهِ وسلّمَ تَسليماً كثيرا .
اللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ كبيرا ، والحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا .
أيها المؤمنون والمؤمنات :
إن الله U كما ابتلى نبيه إبراهيم ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ بذبح ابنه وفلذة كبده ، ونجح عند ابتلائه واختباره ، فإنه U ، أوجدنا في هذه الحياة للابتلاء والاختبار ، كما قال U : } الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ { ليبلوكم : ليختبركم ، أيكم أحسن عملا : أخلصه لله U ، وأصوبه لسنة النبي r .
أيها الأخوة والأخوات :
ما أكثر الذين يغفلون أو يجهلون أنهم في ابتلاء واختبار ، وإن كان إبراهيم ـ عليه السلام ـ لتوحيده وإيمانه ، نجح في ابتلائه واختباره ، فإن هؤلاء ، لجهلهم وقلة يقينهم ، يفشلون في اختبارات كثيرة !
يختبر بعضنا ـ أيها الأخوة ـ بأوامر صريحة واضحة ، جاءت في كتاب الله U ، ولكنه يفشل . يختبر بأحاديث ثابتة من سنة النبي r ، ولكنه يفشل . يختبر بشبهة توافق هواه ، وشهوة نفسه الإمارة بالسوء ، فيميل مع شهوته ورغبته لشبهته فيفشل . يختبر بشهوة تزين له من قبل شياطين الجن والإنس ، مخالفة لأمر الله U وشرعه ، فينزلق بمزالق شهوته ويفشل . يختبر بنوع من أنواع العبادة ، مما يحبه الله U منه ، ليدخله الجنة وينجيه من النار ، وقد تكون عبادة سهلة ميسرة ، كالصلاة والزكاة والصدقة والصدق والأمانة وصلة الرحم ، ونحو ذلك من العبادات ، ولكنه لضعف إيمانه ويقينه ، وقلة تقواه يفشل .
فبالله عليكم ، كيف لو اختبر هذا بذبح ابنه ؟
اللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .
أيها الأخوة :
فالأضحية مما يحبه الله U في هذا اليوم ، ومن يسر الإسلام وسماحته ، أن الأضحية ، الشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته الأحياء والأموات ، وكذلك السبع من الإبل أو البقر ، يجزئ عما تجزئ عنه الواحدة من الغنم ، والذبح عبادة ، يجب أن تكون على وفق ما جاء عن الرسول r , في وقته وكيفيته , ومعرفة ما يُذْبَح من بهيمة الأنعام , فمن الإبل ما تم له خمس سنين , ومن البقر ما له سنتان , ومن المعز ما له سنة , ومن الضأن ما له نصف سنة . وتجب السلامة من العيوب الظاهرة البينة , وهي : العَوَرُ البيِّن , والعرجُ البيّن , والمرضُ البيّن , والهزال . وكذلك ما كان مشابها لهذه العيوب أو أشد , فإنه يمنع الإجزاء .
الله أكبر .. الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد .
أسال الله عز وجل أن يتقبل منا ومنكم صالح أعمالنا ، وأن يتجاوز عن زللنا وإجرامنا ، وأن يغفر لنا ذنوبنا وآثامنا إنه سميع مجيب . اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك اللهم على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد . وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بعفوك وإحسانك ورحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين ، وهيئ لهم البطانة من عبادك الصالحين الناصحين . اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ، ونفس كرب المكروبين ، واقض الدين عن المدينين ، اللهم أرحم موتى المسلمين . اللهم أنزل من بركات هذا اليوم على أهل القبور من المسلمين في قبورهم ، وعلى أهل الدور من المسلمين في دورهم ، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة . ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، وآتنا ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة واجعلنا من المحسنين . سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
|