الأ مـن
إن الحمد لله , نحمد ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهدي الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وسلم, وعلى آله وأصحابه, وبعد:
أيها الناس: إن الأمن مطلب نبيل, تهدف إليه المجتمعات البشرية, وتتسابق لتحقيقه السلطات الدولية, بكل إمكانياتها الفكرية, والمادية.
والأمن, ضد الخوف, وهو سكون القلب, وذهاب الروع والرعب , والبلد الآمن والأمين, هذا الذي اطمئن به أهله.
وطلب الأمن مقدم على طلب الغذاء, لأن الخائف لا يتلذذ بالغذاء, ولا يهنأ بالنوم, ولا يطمئن في مكان , ولهذا لما دخل خليل الله إبراهيم عليه السلام لمكة المشرفة, قال : { رب اجعل هذا البلد آمناً وارزق أهله من الثمرات }, فدعا بتوفير الأمن, قبل توفير الرزق(), ولكن يا ترى ما هي الأسباب التي يتوفر بها الأمن!؟ ويحصل بها, هل يحدث بالبطش والقوة والجبروت ؟ أم يحصل بامتلاك الأجهزة الفتاكة ؟ كل ذلك لا يحقق الأمن, لأننا نرى أقوى البلدان امتلاكاً للأجهزة, والقوة المادية والبشرية , ولكنهم مع ذلك يفقدون هذا الأمر الهام , وهو الأمن , فلا يأمنون على أعراضهم, ولا على أموالهم, ولا على أنفسهم , لأنهم فقدوا أعظم ما يحصل به الأمن , وهو الإسلام .
قال تعالى : { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ {82}}الأنعام0
أيها الناس : كان الناس قبل الإسلام تسودهم العصبيات والقبليات , يأكل القوي الضعيف , ويظلم القوي الضعيف , وحوشٌ في غابة , والمسيطر فيها القوي , فجاء الله بالإسلام , وبخاتم أنبيائه محمد عليه أفضل الصلاة والسلام , فدخل الناس في دين الله أفواجاً فأصبحوا إخوة ومن قبل كانوا أعداء ,
قال تعالى:{وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } آل عمران0
وقال تعالى : { وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {26}} الأنفال.
عاش الناس بسلام وأمن وأمان, تحت راية الإسلام العادلة, التي لا يخاف تحتها من لا يستحق الخوف, ولا يظلم تحتها من لا يستحق الظلم, ولكن كلما ابتعد الناس عن دينهم, أو تخلو عن شيء منه, كلما فقدوا شيئاً من أمنهم , وفي هذا العصر الذي ظهر فيه الشر والمنكر ؛ وذلك لاتصال العالم ببعضه , ولما فيه من وسائل جعلته كأنه بلداً واحداً, ولوجود هذه الأطباق التي بواسطتها نقل إلى المسلمين ثقافة الكفار وشرهم, وأخلاقهم, وعقائدهم الضالة , لهذا اختل الأمن في بلدان المسلمين, ولا بد لهم من الرجوع إلى دينهم الصافي, الذي يكفل الله لهم به الأمن والأمان .
أيها الناس: لقد فقد العالم الأمن, لفقدهم المقومات الأساسية له , أعظمها الإسلام والإيمان, قال تعالى : { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ {82}}الأنعام.
ومن مقومات الأمن:الإيمان, والعمل الصالح, والعبادات الحقة , قال تعالى :
{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {55}} النور0
ومن مقومات الأمن : شكر المنعم, وحفظ النعم , قال تعالى : { فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ {3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ {4}}قريش .
ومن مقومات الأمن: إقامة الحدود, لردع المجرمين, فيقتل القاتل, وتقطع يد السارق, ويصلب المفسد أو تقطع يده ورجله من خلاف, ورجم الزاني المحصن, وجلد غير المحصن , وجلد الشارب والقاذف ... إلى غير ذلك من الحدود التي رتب الشارع لها عقوبات , وعدم التهاون في ذلك , بل تقام على الشريف والوضيع , والقوي والضعيف.
وروى الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها, أن امرأة من بني مخروم سرقت, فأهم قريش شأنها , فقالوا : من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم , قالوا: ومن يجرئ عليه إلا أسامة بن زيد خب رسول الله صلى الله عليه وسلم , فكلمه أسامة , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتشفع في حد من حدود الله , إنما أهلك من كان قبلكم كانوا إذا سرق فيه الشريف تركوه , وإذا سرق فيه الضعيف أقاموا عليه الحد, وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد رسول الله سرقت لقطعت يدها".
وكذلك الحذر من الشفاعة التي تمنع إقامة الحدود , والشافع آثم , لا مأجور , قال عليه الصلاة والسلام : " من حالت شفاعته دون حدٍ من حدود الله فقد ضاد الله في أمره ".
وقال عليه السلام : " إذا وصلت الحدود السلطان فلعن الله الشافع فيها " 0
ومن مقومات الأمن: حفظ البلاد من الكتب, والمجلات, والأفلام التي أفسدت العقول والأفكار, ودعت إلى الرذيلة, وحاربت الفضيلة, وسممت العقول, وقرأ الناشئة من خلالها كيفية القتل, والسطو والنهب والسلب.
ومن مقومات الأمن: ضبط الإعلام, وما يبث فيه من أفلام المغامرات, والسرقات والخطف, إلى غير ذلك من رذائل الأخلاق.
أيها الناس: اتقوا الله في أبنائكم, وأنفسكم, ومجتمعكم, وبلادكم, وأنتم يا من تعملون بالإعلام, اتقوا الله عز وجل, واحفظوا إعلام المسلمين من الشر, وانشروا فيه الخير.
أقول قولي هذا, واستغفر الله لي ولكم, ولسائر المسلمين من كل ذنب , فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|