الحمد لله الذي أحل البيع وحرم الربا, والصلاة والسلام على نبينا محمد القائل:
" الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس " .
أحمده حمداً كثيراً على نعمه وآلائه التي لا تعد ولا تحصى , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أولوهيته, وربوبيته, وأسمائه, وصفاته , وأشهد أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم , وعلى آله وأصحابه الذين اهتدوا بهديه , وساروا على دربه , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أيها المؤمنون : إن مهنة البيع مهنةٌ طيبةٌ , أحلها الله عز وجل في كتابه , وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم , مارسها الصحابة الكرام كأبي بكر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم , ومازال الناس يتبايعون فيما بينهم , ولكن الله عز وجل عندما أحل هذه المهنة جعل لها ضوابط وأحكام , ولم يتركها لأهواء الناس , { وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ } الآية :71 المؤمنون.
فإن وافق البيعُ هذه الأحكام الربانية , بارك الله له فيه, ونفع الله به صاحبه والمسلمين , وإن خالف البيع الأحكام الإلهية فإن الخسارة عائدة عليه في الدنيا والآخرة؛ أوبهما جميعاً , نعوذ بالله من الخذلان .
أيها المؤمنون :
لقد عاد بعض الناس في الآونة الأخيرة إلى نبذ الكسل والخمول, ومارسوا مهنة البيع وغيرها بأنفسهم , وتركوا الاعتماد على غيرهم من العمالة التي ربما كانت كافرة , وربما كانت لا ذمة لها , وربما كانت من أبناء السيخ والهندوس الذين يقتلون المسلمين في بلادهم , ويهدّمون مساجدهم , ويقيمون مكانها معابد الشرك والأوثان . تركوا الاعتماد على هذه العمالة وعملوا بأنفسهم , واعتز المسلم باعتماد أخيه المسلم على نفسه قائلاً لعل الله أن يصلح به , وأن يتقيد بأحكام ربه في المعاملات التجارية , ويتجنب ما حرم الله بيعاً وشراءً , ومعاملة , ومعاونة . وإذا بنا نفاجؤ ببعضهم وقد طور تجارة المحرمات, ونشرها نشراً فاحشاً, كتجارة المجلات الخليعة الجارّة للرذيلة , وتجارة الدخان , وتجارة الجراك وغيرها , فيدخل المسلم المحلَّ وفيه أخوه المسلم وقد تربع على كرسي البيع والدخان على يمينه والجراك على شماله , والمجلات الساقطة, عرضها في المدخل بجميع أصنافها .
إنها والله كارثة , أبناء المسلمين أصبحوا معاول هدم لشبابهم , أصبحوا خراباً لديارهم , صاروا دعاية لأعداء الإسلام , ينشرون رذائلهم بواسطة هؤلاء .
أيها المسلمون : إن الإسلام ليس انتساباً فقط, أو دعاءً, أو صلاة كنقر الغراب ينقرها مليئة بالوساوس والخواطر , إن الإسلام دين كامل شامل , يجب الأخذ به جملة وتفصيلاً , إن الإسلام جزءٌ لا يتجزأ , إن الإسلام دينٌ إلهيٌ , شرع رباني لا يشابه تشريعات البشر .
فيا أيها المسلمون : يا من أخذتم بعض الأحكام الإلهية وتركتم بعضها , بأي دليل هذه التجزئة , أما تخشون الله في أنفسكم وفي المسلمين , يا من تبيعون المحرمات , اعلموا أن بعض الأسر , قد تهدمت وتحطمت وتدنت أخلاقها وعمتها الرذيلة والفساد بسببكم , فكيف بكم أمام ربكم وقد تعلقوا بكم , وهم يقولون : { رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـكِن لاَّ تَعْلَمُونَ {38}} الأعراف.
كيف بأجسامكم إذا انطقت عليكم وشهدت :{ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ {19} حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {20}} فصلت .
واسمعوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت". فكيف تغذون أبنائكم بالحرام.
أيها المسلمون: ما هذا الخلط العجيب بين الحلال والحرام, نتقلب في نعم الله صباح مساء, ونجاهر بالمعاصي, نعرض الحرام مع الحلال, نبيع الحرام مع الحلال, نأكل ثمن الحرام مع ثمن الحلال, فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أيها المسلمون: إن أكل الحرام سبب في عدم إجابة الدعوة. روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنون بما أمر به المرسلين فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ{51}}المؤمنون.
وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ {172}}البقرة.
ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء, يا رب يا رب, ومطعمه حرام, ومشربه حرام, وملبسه حرام, وغذي بالحرام. فأَنَّى يستجاب له. وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : تليت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية " يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً " فقام سعد بن أبي وقاص فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا سعد , أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة , والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل الله منه عملاً أربعين يوماً , وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به " .
وروى أبو يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " لا يقبل الله صلاة امرئ في جوفه حرام " ().
أيها التجار : اتقوا الله في أنفسكم, وفي المسلمين, وتوبوا إلى ربكم, وأقلعوا عن بيع هذه المنكرات العظيمة المحرمة , ولا تهدموا بساعاتٍ ما بناه المصلحون في شهور وسنوات , ولا تكونوا وسائل عرض يعرض أهل الباطل تجارتهم على أكتافكم , ويفسدون شبابكم بأيديكم , قتوبوا إلى الله قبل فوات الأوان "{ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ {97} أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ {98} أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ {99}}الأعراف.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, إنه تعالى جواد كريم ملك بر رؤوف رحيم .
|