الأمر بالاتباع والتحذير من الابتداع
في شهر رجب وشعبان
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا , من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم, وعلى آله, وأصحابه, وأتباعه, ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين .
أما بعد : فإن خير الكلام كلام الله , وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم , وشر الأمور محدثاتها , وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار .
أيها الناس: أمركم الله بالاتباع , ونهاكم عن الابتداع , فقال سبحانه :{لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {63}}النور
وقال سبحانه : {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {7}}الحشر
وقال سبحانه : { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً {115}}النساء
والآيات في هذا المعنى كثيرة , وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالاتباع, وحذر وأنذر عليه الصلاة والسلام من الابتداع .
فلقد روى أهل السنن, أنه صلى الله عليه وسلم قال :" عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي, تمسكوا بها, وعضوا عليها بالنواجذ, وإياكم ومحدثات الأمور, فإن كل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلاله, وكل ضلالة في النار "
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الشيخان :" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه, فهو رد "
وفي رواية لمسلم :" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا, فهو رد ".
ولما سمع ابن عمر رضي الله عنه بقوم أحدثوا في دين الله, قال : [أخبروهم أني برئ منهم, وأنهم براء مني ].
ولقد شدد السلف -رحمهم الله- في أمر البدعة, وحذروا منها, وحذروا من مجالسة أهلها , فضلاً عن السماع لهم, أو مشاركتهم في بدعهم , حتى قال بعضهم: ( من أعان صاحب بدعة, فقد أعان على هدم الإسلام ). والبدعة يا عباد الله! شأنها عظيم, حتى عدّها العلماء أعظم من الكبيرة, لأن كبائر الذنوب قد يتاب منها, وصاحب البدعة قلما يرجع عن بدعته .
قال أحد السلف : [ البدعة أحب إلى إبليس من المعصية ].
عباد الله : إن البدعة شأنها عظيم, وخطرها جسيم , وفي السنة ما يغني عن البدعة , والمبتدع مستدرك على الشرع , لأنه ببدعته يظن أنه أكمل الدين , والذي أكمله الله بقوله :{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً }.
وكذلك متهم للرسول صلى الله عليه وسلم بالتقصير في إبلاغ الرسالة, وقد قال عليه الصلاة والسلام :" تركتكم على مثل البيضاء, لا يزيغ عنها إلا هالك ".
عباد الله : من البدع المحدثة, ما يفعله بعض الجهلة, في شهر رجب من الاحتفالات بذكرى الإسراء والمعراج , وهذا الفعل كان في السابق محصوراً على بعض المبتدعة, الذين لا يؤبه بهم , ولكن لما انتشرت هذه الأطباق الفضائية, التي أخذت تنقل الشر والخبث, من كل حدب وصوب, خشيتُ أن يتلقف بعض جهلة المسلمين هذه البدع, ويعملوا بها .
فإحياء ذكرى الإسراء والمعراج, بدعة منكرة شنيعة, لا تعرف عن صاحب الشأن وهو الرسول صلى الله عليه وسلم , ولا تعرف عن السلف الصالح , وإنما أحدثها قوم من المبتدعة , نشرت هذه البدعة , حتى شرقت وغربت, وشارك فيها من ينسب إلى العلم, ونسبته إلى الجهل أفضل .
عباد الله : كما أحدثت بدعة أخرى, وهي إحياء ليلة الخامس عشر من شهر شعبان بالقيام, وتخصيص يومها بالصيام , وهذه بدعة أيضاً, لعدم النقل الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم , وقد أنكرها جماعة من أهل العلم, وضعفوا الحديث الوارد فيها , لذا فلا يشرع تخصيصها بقيام, ولا صيام .
أما عن الصوم في شهر رجب, فهو مستحب , لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: " وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان " رواه مسلم
ولكنه صلى الله عليه وسلم كان لا يخصص يوماً معلوماً منه بالصوم, بل كان يكثر الصيام فيه .
أيها المسلمون: فالسنة غنية عن البدعة , واقتصاد في سنة, خير من الاجتهاد في البدعة , فعليكم بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم في جميع أموركم .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {153}}الأنعام.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات, والذكر الحكيم, إنه تعالى, كريم ملك بر رؤوف رحيم .
|