خطبة الأضحى 1429هـ
الله أكبر … الله أكبر … الله أكبر … الله أكبر
الله أكبر … الله أكبر … الله أكبر … الله أكبر
الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد . الحمد لله الذي بلغنا مواسم الخيرات ، وأجزل لنا العطايا والهبات ، نحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، ونشهد أن لا إله لنا غيره ولا رب لنا سواه ، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد فيا عباد الله :
أوصيكم بتقوى الله U فقد قال سبحانه : ) وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ( فاتقوا الله عباد الله : ) وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ( ، ) وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ( ، ) وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ( . جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن يومكم هذا ليوم عظيم ، رأى بعض أهل العلم أنه أفضل أيام السنة ، بل رأى بعضهم ، أنه أفضل حتى من يوم عرفة ، يقول أبن القيم ـ رحمه الله ـ خير الأيام عند الله يوم النحر ، وهو يوم الحج الأكبر ، كما في السنن لأبي داود ، عنه r قال : (( إن أعظم الأيام عند الله ، يوم النحر ، ثم يوم القر )) يعني يوم العيد ، هذا اليوم ، واليوم الذي بعده ، يوم الحادي عشر هو يوم القر حيث يستقر الحجاج في منى .
فاقدروا ـ يا عباد الله ـ لهذا اليوم قدره ، واعلموا بأن الله U قد خلقكم لأمر عظيم ، هو عبادته جل جلاله ؛ يقول سبحانه : } وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ { فإياكم والغفلة عن هدف خلقكم ، أحذروا يا عباد الله ؛ أن يكون أحدكم من الذين أشار الله إليهم بقوله : } ... لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ { فاعبدوا الله ـ يا عباد الله ـ كما أمركم ، ومثلما بين لكم نبيكم r ، أطيعوا الله يا عباد الله ، بامتثال أمره ، واجتناب نهيه ، يقول U : } وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيما { . وفي الحديث عنه r قال : (( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى )) قالوا : من يأبى يا رسول الله ؟ قال : (( من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى )) . فعليكم بطاعة الله U ، وطاعة رسوله r ، فبهما الفوز بالجنة والنجاة من النار ، ومن ثمارهما : هداية القلب ، وصلاح العبد ، وجلب النعم ودفع النقم . واحذروا المعاصي ـ يا عباد الله ـ فإن عواقبها وخيمة ، ونتائجها أليمة ، وثمارها مرة ، فبسببها حرمان العلم ، ومنع الرزق ، ووهن القلب ، وقصر العمر ، وإيراث الذل ، وهوان العبد ، وفساد البر والبحر . } وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً {
الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد .
أيها الأخوة المؤمنون :
وأنتم تذكرون بطاعة ربكم ، وتحذرون من معصيته ، تذكروا ذلك اليوم ، الذي لا ينفعكم فيه إلا طاعة الله U ، وإتباع سنة نبيه r ، يقول جل جلاله : } يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً { .
والله ـ أيها الأخوة ـ ليس بينكم وبين مقدمات ذلك اليوم ، إلا خروج أرواحكم ، وإنها لخارجة لا محالة ، والله الذي لا إله غيره ؛ لتموتون كما تنامون ، ولتبعثون كما تستيقضون ، إن ما حل بمن حولكم ، لحال بكم ، ومن لم يصدق بذلك فليتأمل : أين الأباء وأين الأجداد ؟ أين الأمهات والجدات ؟ ولينظر إلى الأيتام ، فقد كان لهم أباء ؛ فأين اليوم آباؤهم ! ولينظر إلى الأرامل ؛ فقد كن ذوات أزواج ؛ فأين اليوم أزواجهن ! وتلك الثكالى ؛ فقد كان لهن أبناء ؛ فأين اليوم أبناؤهن ! لقد فرقهم مفرق الجمعات ، وهدم لذاتهم ، هادم اللذات :
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب
متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب
نشاهد ذا عين اليقين حقيقة
عليه مضى طفل وكهل وأشيب
أين الملاذ ، وأين المهرب ، والله يقول : } قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ، أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ { تذكر يا عبد الله ، وتذكري يا أمة الله ، ذلك اليوم ومن يدري لعله قريب !
إنها ساعة رهيبة ، ولحظات مخيفة ، عندما يجئ ملك الموت لقبض روحك يا عبد الله ، عندما يصدق عليك قول الله U : } وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ { هذا الذي كنت تفر منه ، قد جاءك فلا محيد ولا فكاك ولا خلاص .
لو اجتمع أهل الأرض جميعهم ، ليبقوا روحك في جسدك لما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ؛ يقول U : } فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ { يعني وصلت الروح الحلق ، لتخرج وتودع الدنيا } وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ ، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ ، فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ، تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ { تذكر يا عبد الله ، وتذكري يا أمة الله ، تلك اللحظة الحاسمة ، التي وصفها بعضهم بأنها أشد من نشر بالمناشير ، وقرض بالمقاريض وغلي بالقدور ، يقول عنها عمرو بن العاص ، حينما سأل وهو يعاني منها ، قال : كأن جبال رضوى على صدري ، وكأني في جوفي شوك السلم ، وكأني أتنفس من ثقب إبره .
استعدوا يا عباد الله ، لهذه اللحظة القاسية ، بطاعة الله ، والاستقامة على شرع الله فقد قال تعالى : } إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ {
الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الله أكبر.. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر ..الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر
الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد .
الحمد لله الذي بعث نبيه محمداً e رحمة للعالمين ، وقدوة للعاملين ، وحجة على عباده أجمعين .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
يقول النبي e : (( ما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله من إراقة دم ، وإنه لتأتي يوم القيامة بأظلافها وقرونها وإشعارها ، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسا )) .
فالأضحية في هذا اليوم مما يحبه ربكم U ، وفيها اتباع لسنة نبيكم e ، روى ابن ماجة وغيره من حديث زيد ابن أرقم أنه قيل : يا رسول الله ! ما هذه الأضاحي ؟ قال : (( سنة إبراهيم )) ، قيل له : فمالنا بها ؟ قال e : (( بكل شعرة حسنة )) ، قيل : والصوف ! قال e : (( لكل شعرة من الصوف حسنة )) . ومن يسر الإسلام وسماحته ، أن الأضحية ، الشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته وإن كثر عددهم ، الأحياء والأموات وكذلك السبع من الإبل أو البقر يجزئ عما تجزئ عنه الواحدة من الغنم .
واعلموا عباد الله بأنه لا تجزئ الأضحية إلا من بهيمة الأنعام لقول الله تعالى : ) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ( .
ولا تجزئ الأضحية ، إلا بما بلغ السن المعتبر شرعاً ، وهي ستة أشهر في الضأن ، وسنة في المعز وسنتان في البقر ، وخمس سنوات في الإبل ، فلا يضحى بما دون ذلك، لقول النبي e : (( لا تذبحوا إلا مسنة )) وهي الثنية (( إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن )).
ولا تجزئ الأضحية إلا بما كان سليماً من العيوب التي تمنع من الإجزاء ، سأل النبي e : ماذا يجتنب من الأضاحي ؟ فأشار بيده وقال أربع : (( العرجاء البين ظلعها ، والعوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعجفاء التي لا تنقي )) .
الله أكبر .. الله أكبر ، لا إله إلا الله .. والله أكبر .. الله أكبر ولله الحمد .
وأما وقت التضحية ، فلا تجزئ الأضحية إلا في وقتها المحدد لها . وهو من الفراغ من صلاة العيد إلى غروب شمس اليوم الثالث بعد العيد ، فأيام الذبح : أربعة أيام ، يوم العيد وثلاثة أيام بعده ، أفضلها يوم العيد ، والذبح في النهار أفضل ويجوز في الليل .
ومن كان يحسن الذبح ، فليذبح أضحيته بيده ، ومن كان لا يحسن فليحضر ذبحها ، ويسمي المضحي أضحيته فيقول إذا أضجعها للذبح : بسم الله والله أكبر ، اللهم هذا منك ولك اللهم هذه عن فلان أو فلانة ، ويسمي من الأضحية له .
وأما مسح الظهر للأضحية فلا أصل له وإذا ذبحها ونوى من هي له ولم ينطق باسمه أجزأت النية لقوله e : (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى )) . ولكن النطق باسم من هي له أفضل إتباعا للسنة . واعلموا أنه من السنة لمن كان له أضحية يذبحها بعد الصلاة ـ صلاة العيد ـ من السنة أن لا يطعم شيئاً قبل أن يطعم من أضحيته ، هذه سنة نبيكم e .
فاتقوا الله يا عباد الله ، واقتدوا بنبيكم e . واتقوا الله في هذه البهائم ، اذبحوها برفق ، وأحدوا السكين ، ولا تحدوها وهي تنظر ، ولا تذبحوها وأختها تنظر إليها ، وأمروا السكين بقوة وسرعة ولا تلووا يدها وراء عنقها فإن في ذلك تعذيبا لها وإيلاما دون فائدة . ولا تكسروا رقبتها أو تبدوا بسلخها قبل تمام موتها ، ولا تدفعوا للجزار أجرته منها واحذروا ذبح من هو تارك للصلاة وكلوا من الأضاحي وأهدوا وتصدقوا.
الله أكبر .. الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن من السنة في العيد إذا أتى المسلم إلى المصلى من طريق أن يرجع من طريق آخر غير الطريق الذي أتى من خلاله .
ففي الحديث عن جابر رضي الله عنه قال : كان النبي e إذا كان يوم عيد ، خالف الطريق . رواه البخاري .
الله أكبر .. الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
أيها المسلمون :
العيد فرصة سانحة ، للقضاء على ما في النفوس من أمراض ، فتفقدوا أحوالكم مع جيرانكم ، وتفقدوا أحوالكم مع إخوانكم .
أسال الله عز وجل أن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال . اللهم تقبل منا صالح أعمالنا واغفر لنا زللنا وإجرامنا ، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إن نسألك الهدى والتقى والعفاف والغني ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء يا رب العالمين . اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم احمي حوزة الدين اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين . اللهم لا تفرق جمعنا هذا إلا بذنب مغفور وعمل متقبل مبرور وعيب مستور يا رب العالمين .
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين ، اللهم وفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك ، وارزقهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه ، واصرف عنهم بطانة السوء يا رب العالمين .
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات يا رب العالمين .
اللهم اغفر لموتى المسلمين ، الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك ، اللهم اغفر لهم وارحمهم ، وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم اشف مرضانا ، وارحم موتانا ، واجعلنا من عبادك الفائزين .
اللهم ربنا آتينا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
|