وقفة مع آية ( 5 )
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في تفسير قوله تعالى من سورة الحجرات :
( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ...الآية}.
السخرية: هي الاستهزاء والازدراء، يقول الله - عز وجل -: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم } فيخاطبنا - جل وعلا - بوصف الإيمان، وينهانا أن يسخر بعضنا من بعض؛ لأن المفضِّل هو الله - عز وجل - وإذا كان هو الله لزم من سخريتك بهذا الشخص الذي هو دونك أن تكون ساخراً بتقدير الله - عز وجل - فلماذا تسخر من هذا الرجل الذي هو دونك في العلم أو في المال، أو في الخُلُق، أو في الخلقة، أو في الحسب، أو في النسب، لماذا تسخر منه؟ أليس الذي أعطاك الفضل هو الله الذي حرمه هذا - في تصورك - فلماذا، ولهذا قال - عز وجل -: {عسى أن يكونوا خيراً منهم } رب ساخر اليوم مسخور منه في الغد، ورب مفضول اليوم يكون فاضلاً في الغد، وهذا شيء مشاهد، وفي بعض الآثار يروى: «لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك» (28) . إذن يجب على الإنسان أن يتأدب بما أدبه الله به، فلا يسخر من غيره عسى أن يكون خيراً منه، {ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن } ونص على النساء والرجال بالتفصيل، حتى لا يقول أحد: إن هذا خاص بالرجال، لو ذكر الرجال وحدهم، أو خاص بالنساء وحدهن،
وهذا الأدب عام لجميع الأمة اهـ .
وهذا يكثر في الطرائف- وهي ما نسميه بالنكت - فتجد بعض يتناقل النكتة في الجنسية الفلانية أو القبيلة الفلانية وهذا يدخل تحت الاستهزاء والسخرية المحرمان في هذه الآية والوعيد في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ويل له ويل له )
رواه أبو داود وحسنه الألباني رحمه الله .
ونكمل تفسير قوله تعالى في سورة الحجرات ( يأيها الذين أمنوا.لايسخر قوم من قوم ..إلى قوله ولا تلمزوا أنفسكم } ا
للمز: العيب، بأن تقول: فلان بليد، فلان طويل، فلان قصير، فلان أسود، فلان أحمر، وما أشبه ذلك مما يعد عيباً، وعلى كل حال ففي الآية تحريم عيب المؤمنين بعضهم بعضاً، فلا يجوز لك أن تعيب أخاك بصفة خَلْقية أو صفة خُلُقية، . لكن إذا وجدت فيه سوء خُلُق فالواجب النصيحة، أن تتصل به إن كان يمكن الاتصال به، وتبين له ما كان به من عيب، أو أن تكتب له كتاباً: رسالة باسمك أو باسم ناصح مثلاً، وقوله{ولا تنابزوا بالأَلقاب } يعني لا ينبز بعضكم بعضاً باللقب، فتقول له مثلاً: يا فاسق، يا فاجر، يا كافر، يا شارب الخمر، يا سارق، يا زاني، لا تفعل هذا؛ لأنك إذا نبزته باللقب فإما أن يكون اللقب فيه، وإما أن لا يكون فيه، فإن كان فيه فقد ارتكبت هذا النهي، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه وارتكبت النهي أيضاً، ثم قال - عز وجل -: {بئس الاسم الفسوق بعد الإِيمان } يعني بئس لكم أن تنقلوا من وصف الإيمان إلى وصف الفسوق، فإذا ارتكبتم ما نهى الله عنه صرتم فسقة، فالإنسان إذا ارتكب كبيرة واحدة من الكبائر صار فاسقاً، وإذا ارتكب صغيرة وكررها وأصرّ عليها صار فاسقاً، فلا تجعل نفسك بعد الإيمان وكمال الإيمان فاسقاً، هذا معنى قوله: { بئس الاسم الفسوق بعد الإِيمان } . فاستفدنا من هذه الآية الكريمة تحريم السخرية، وتحريم لمز الغير، وتحريم التنابز بالألقاب، وأن من صنع ذلك فهو فاسق بعد أن كان مؤمناً، وأقول: إن كلمة فاسق ليست بالأمر الهين حتى يقولها الإنسان {بئس الاسم } ولهذا ذمه الله، فقال: {بئس الاسم الفسوق بعد الإِيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون } يعني من كان يفعل هذه الأشياء الثلاثة، ولم يتب فأولئك هم الظالمون، فالذي لا يتوب يكون ظالماً، والظلم كما قال النبي - عليه الصلاة والسلام - «ظلمات يوم القيامة» (31) ، وإذا كان المؤمنون يوم القيامة يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، فهؤلاء الظلمة ليس لهم نور، فيجب الحذر مما نهى الله - عز وجل - لأنك أيها العبد، عبد لله تأتمر بأمره، وتنتهي عن نهيه. اهـ تفسيره رحمه الله
بقلم الشيخ : وليد بن سالم الشعبان
(رئيس مركز هيئة قفار )
|