مكفرات الذنوب وصيام عاشوراء
4- 1 - 1443
إِنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ
من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا
هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً
عَبدُهُ ورسولُهُ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) ((يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ
مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا
اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيبًا)) ((يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا
سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ
يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ))، أما بعد: فإن خير
الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها
، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة .
أيها الناس: ((ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ))،
رحمنٌ رحيم بهم رحمته تسبق غضبه، توابٌ يريد أن يتوب على العباد، بل ويفرح بتوبتهم،
عفوٌّ يحبُّ أن يعفو عنهم، ويقبل عذر المعتذرين منهم، غفارٌ يدعو عباده ليغفر لهم،
ويكفر عنهم سيئاتهم.
لم يخلق الله الناس ليعذبهم بل ليرحمهم، قال
تعالى: ((إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)) قال ابن عباس رضي
الله عنهما: للرحمة خلقهم ولم يخلقهم للعذاب. وكذا قال مجاهد والضحاك وقتادة.
ولكن يا عباد الله: الإنسان ((ظلومٌ كفار))، الإنسان
جهولٌ هلوعٌ جَموعٌ مَنوعٌ جَزوعٌ عَجولٌ، إلا من رحم الله، وكثيرٌ من بني الإنسان
لا يؤمنون، وكثيرٌ منهم لا يشكرون ولا يعقلون ولا يذَّكرون ولا يركعون ولا يسجدون.
عباد الله: مهما كان كِبرُ المعاصي وكثرتُها،
الله خير الغافرين يغفرها ويكفرها، ينادي عباده المسرفين: ((قُلْ يَا عِبَادِي
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ))
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى
رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)).
وفتح الله بابا واسعاً عظيم السعة للتوبة
والرجوع والإنابة إليه، مفتوح بالليل والنهار ولن يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، ((يَبْسُطُ
يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ
بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ
مَغْرِبِهَا)) رواه مسلم، وقال: ((التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ، كَمَنْ لَا ذَنْبَ
لَهُ)) حسن رواه أحمد وابن ماجه.
ومن رحمة الله ولطفه بعباده المؤمنين أن أكثر
لهم أسباب محو الذنوب وغفران الزلات وتكفير السيئات ... ونوّعها لهم.
ــ فـ ((الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ
إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ)) والحجُ
المبرور كفارة، والعمرةُ إلى العمرة كفارة، ((وَالصَّدقةُ تُطْفِئُ الخطيئةَ كما
يُطْفِئُ الماءُ النَّارَ))
واجتناب الكبائر كفارة: ((إِن تَجْتَنِبُواْ
كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم
مُّدْخَلاً كَرِيمًا))
وإحسان الوضوء كفارة: ((مَن تَوَضَّأَ فأحْسَنَ
الوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِن جَسَدِهِ، حتَّى تَخْرُجَ مِن تَحْتِ
أَظْفَارِهِ)) رواه مسلم.
و ((إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ علَى الْمَكَارِهِ،
وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسْاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ
الصَّلاَةِ)) ماحيات للسيئات.
والاستغفارُ ما أدراكم ما الاستغفار، قال الرحيم
الغفار في الحديث القدسي: ((يا عِبَادِي إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ
لَكُمْ)) مسلم.
وأنواعٌ من الأذكار مكفرات، فذكر الله عقب صلاة
الفريضة بالتسبيح والتحميد والتكبير ثلاثاً وثلاثين، قال صلى الله عليه وسلم في فضلهن: ((غُفرَتْ له
ذنوبُه وإنْ كانتْ مثلَ زبَدِ البحرِ)) رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قَالَ سُبْحَانَ
اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ
كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ)) رواه البخاري ومسلم
وذكر كفارة المجلس في ختام المجلس ماحٍ لسقطات المرء فيه، قال صلى
الله عليه وسلم في فضله: ((غفر له ما كان في مجلسه ذلك)).
بل ومجالس الذكر يقال للجالسين في ختامها ((قوموا
مغفوراً لكم)) ويقول الله للملائكة ((اشهدوا أني قد غفرت لهم)).
والإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم، من المكفرات.
فاستكثروا عباد الله من المكفرات، وكاثروا بالحسنات
السيئات لعلها تغلبها، فلا تدرون ما الذي يقبل منها: ((إِنَّ الْحَسَنَاتِ
يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)).
واحتسبوا عباد الله ما أصابكم وما يصيبكم من المصائب
والأحزان والآلام ونقص الأموال والأنفس والثمرات؛ واصبروا عليها فإنها من المطهرات
المكفرات الربانية الرحمانية فـ: ((ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ،
ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا،
إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ))، قاله صلى الله عليه وسلم، بل وقال:
((ما يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ والمؤمنةِ في نفسِه وولدِه ومالِه حتَّى يلقَى اللهَ
تعالَى وما عليه خطيئةٌ)).
وإن لم تف المكفرات في الدنيا بالطهارة التامة
من السيئات، كفر الرحمن الرحيم عن المؤمن بشدائد الموت والقبر ومصاعب الحشر
ومقامات يوم القيامة العصيبة.
فالحمد لله ربنا على رحمانيته ورحمته ولطفه
وعفوه وكرمه، رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولاً.
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من
المواعظ والحكمة ، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه
وعلى كل من اقتفى، أما بعد:
عباد الله: ما أحوجنا للإكثار من المكفرات،
ونحن الخطاؤون المذنبون المسرفون على أنفسنا، المعترفون بكثرة خطايانا في أسماعنا
وأبصارنا وألسننا وبطوننا وفروجنا وسائر جوارحنا.
فلنُرِ الله منا الإقبال عليه، والرغب إليه
بتنقيتنا من الذنوب.
ومن ذلك عباد الله ألا نضيع أي فرصة تتاح لنا
لتكفير سيئاتنا.
هذا وإن من المكفرات التي قرب أوانها: صيام يوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر من شهر
الله محرم، فهو من أيام الله العظيمة، التي كان يعظمها الأنبياء، فقد صامه موسى
عليه السلام شكراً لله، فهو اليوم الذي نجاه الله وقومه فيه وأغرق فرعون وملأه في
البحر بعد صبر عظيم على البلاء والبغي والاستعباد والتقتيل.
وصامه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأمر
بصيامه، بل قيل إن صيامه في أول الإسلام كان فرضاً، فلما فرض صيام رمضان بقي على
الاستحباب
ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فضل صيام
يوم عاشورا قال: ((يكفر السنة الماضية)) رواه مسلم.
وفي آخر سنة صام فيها رسول الله صلى الله عليه
وسلم عاشوراء عزم على صيام اليوم التاسع مع العاشر مخالفة لليهود.
فيسن صيام اليوم التاسع مع العاشر.
أما صيام اليوم الذي بعد عاشوراء، اليوم الحادي عشر، فلم يثبت فيه عن النبي صلى
الله عليه وسلم شيء.
ومن صام يوم عاشوراء وحده جاز
له ذلك بلا كراهة ونال فضل الصيام، لكن الأفضل أن يصوم التاسع والعاشر.
فاحرصوا أيها المؤمنون على صيامه أنتم وأهليكم،
وحدثوهم عن هذا اليوم:
بأنه يوم إعزاز وانتصار للحق على الباطل.
ويوم غلبة للفئة المؤمنة المستضعفة على الكافرة
المتجبرة.
ويوم هزيمة للطغيان، وهوان للطاغين.
يومٌ ظهرت فيه ثمرة الصبر وجزاء الصابرين وأن
العاقبة للمتقين.
وحذروهم من بدعة الرافضة فيه، واحمدوا الله على
العافية والسنة.
فاللهم إنا نسألك المغفرة والعفو والعافية والجنة.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين وأن
تغفر لنا وترحمنا وتعفو عنا وتتقبل منا.
اللهم وفقنا للعمل الصالح الذي يرضيك عنا.
اللهم إنا نسأل موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك، والعزيمة على الرشد
والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار.
اللهم إنا نسألك متفائلين
أن تجعل عامنا الهجري الجديد عام أمن وإيمان وسلامة وإسلام، ونصر وتمكين، وهزيمة
للكافرين وتفريج لكرب المكروبين من المسلمين، ورفع للبلاء عنا وعن المسلمين، وصلاح
لدين ودنيا أمة محمد أجمعين يا حيي يا كريم يا رحمن يا رحيم يا ذا الجلال
والإكرام.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك ويُهدى فيه أهل
معصيتك ويُؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر يا ذ الجلال والإكرام، اللهم
اكفنا واكف بلادنا شر الأشرار وكيد الفجار يا عزيز يا جبار، اللهم من أرادنا
وديننا وبلادنا بسوءٍ فعليك به اللهم اشغله بنفسه واجعل كيده في نحره وتدبيره في
تدميره يا قوي يا عزيز .
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم
والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات . اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصبحه أجمعين وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121 |