قَبُولُ الْأَعْمَال
خطبة جمعة بتاريخ / 27-3-1439 هـ
الحمد لله الكريم الوهاب ، الغفور التواب ، وأشهدُ أن لا
إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، يحب من أطاعه ويجزل له الثواب ، وأشهد أنَّ محمداً
عبدُه ورسوله ، خير البرية وأفضل من إلى الله أناب ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى الآل
والأصحاب.أما بعد أيها المسلمون : اتقوا الله ربكم ، وراقبوه في جميع
طاعاتكم وعباداتكم ، وسلوا الله قبول أعمالكم؛ فإن الله عليم بالمتقين.
أيها المؤمنون: ألا ما أعظم نصح العبد لنفسه
بالإصابة في عمله وتقواه لربه وإخلاصه الدين له جل في علاه ، لتكون بذلك أعماله
مقبولة وطاعاته مرضية ليست مردودة ، فإن الله جل وعلا لا يتقبل عمل كل عامل ،
وإنما يتقبل أعمال المتقين المخلصين الصادقين المحسنين في إقبالهم على الله
ومتابعتهم لرسوله ومصطفاه صلى الله وسلم عليه ، يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ
اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة:27] فالشأن -عباد
الله- في تحقيق التقوى في العمل ليكون العمل متقبلا.
أيها المؤمنون : إن هذه الحياة ميدان امتحان
للعباد أيهم يكون أحسن عملًا وتقربا إلى الله ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ
وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك:2]، ولا يكون العمل
مقبولا إلا إذا اتصف بهذا الحسن ، ولا يكون العمل حسنًا إلا إذا أخلص فيه العامل
لله واتبع فيه هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال الإمام الفضيل بن عياض في
قول الله تعالى ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ
أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك:2] قال : «أخلصه
وأصوبه»، قيل يا أبا علي وما أخلصه وأصوبه؟ قال : «إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن
صوابا لم يُقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن
خالصا لم يقبل ، حتى يكون خالصا صوابا ، والخالص ما كان لله ، والصواب ما كان على
السنة». ولهذا كان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في دعائه : «اللهم
اجعل عملي كله صالحا ، ولوجهك خالصا ، ولا تجعل لأحد فيه شيئا».
أيها المؤمنون : وهذان هما مقتضى الشهادتين «شهادة
أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم»؛ فإن «شهادة أن لا
إله إلا الله» تعني إخلاص العمل لله عز وجل وأن لا يُبتغى بشيء منه أحد سواه ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا
لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة:5]، وإذا فات هذا القيد
في أي عمل من الأعمال رُدَّ على العامل ولم يُقبل منه ، قال الله عز وجل في الحديث
القدسي: ((أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً
أَشْرَكَ فِيهِ مَعي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ))أي رددتُ عليه عمله .
والأمر الثاني عباد الله: المتابعة للرسول صلى
الله عليه وسلم وهو مقتضى «شهادة أن محمدًا رسول الله»؛ فإن هذه الشهادة تعني : تصديقه
فيما أخبر ، وطاعته فيما أمر ، والانتهاء عما نهى عنه وزجر، وأن لا يُعبد الله إلا
بما جاء عنه صلوات الله وسلامه عليه . فإذا فات هذا القيد رُدَّ العمل على عامله
فلم يُقبل منه كما في الصحيح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((مَنْ عَمِلَ
عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ))، وفي رواية ((مَنْ أَحْدَثَ فِي
أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ)) أي مردود على صاحبه غير مقبول
منه .
أيها المؤمنون : إن الواجب علينا في أعمالنا
كلها وطاعتنا جميعها أن نحرص على هذين القيدين العظيمين والشرطين الأساسين الذيْن
لا قبول لعمل من الأعمال إلا بهما ؛ إخلاصٌ لله جل في علاه ، ومتابعةٌ للرسول
الكريم صلوات الله وسلامه عليه . وهذه هي حقيقة التقوى في العمل ، فإن من اتقى
الله في عمله بأن أتى به خالصًا وللسنة موافقا صار العمل بذلك صالحا مقبولا ، قال
الله جل وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70-71]؛ فانظر -رعاك
الله- هذا الترتب لصلاح العمل على تحقيق التقوى لله جل في علاه ، فإن من اتقى الله
في عمله قبِل الله عمله﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ
اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة:27]
أي
المتقين لله في أعمالهم وقرباتهم وطاعاتهم بأن تقع منهم خالصة لله لا يبغون بها
إلا وجه الله ونيل رضاه ، وباتباعهم فيها للرسول المصطفى والنبي المجتبى صلوات
الله وسلامه عليه .
أيها المؤمنون: إن من أعظم ما يكون في باب العبادة
والقربة إلى الله عز وجل أن تكون أيها العابد طامعًا في قبول عملك ، وأن تكون في
الوقت نفسه مهما اجتهدت في العمل تكميلًا وتتميمًا وإحسانًا وإجادةً فلا تزكي نفسك
، بل قدِّم ما تقدم من أعمال وتقرب إلى الله بما تتقرب إليه من طاعات وأنت في
الوقت نفسه خائف ، وهذا دأَب الصالحين ، قال الله جل وعلا في صفة المؤمنين الكمَّل: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا
آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ [المؤمنون:60]، جاء في المسند عن أم
المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه
الآية قلت يا رسول الله أهو الرجل يزني ويسرق ويخاف أن يعذب؟ قال : ((لا يا ابنة
الصديق ، ولكنه الرجل يصلي ويصوم ويتصدق ويخاف ألا يُقبل)) ، وهذا خليل الرحمن
عليه الصلاة والسلام يبني بيت الرحمن بأمر الرحمن وهو يدعو الله سبحانه وتعالى
بالقبول ،﴿وَإِذْ يَرْفَعُ
إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ
مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة:127] أورد الإمام ابن كثير
في تفسير هذه الآية عن وهيب بن الورد رحمه الله أنه قرأ هذه الآية فبكى وقال:«خليل
الرحمن ، ويبني بيت الرحمن ، بأمر الرحمن ، وهو خائف أن لا يقبل».
أيها المؤمنون : لنجاهد أنفسنا على الإحسان في
الأعمال ، وفي الوقت نفسه لنجاهد أنفسنا على الطمع والرجاء
بأن يتقبل الله منا ما عملنا ، وأن لا نزكي أنفسنا في شيء عملناه أو طاعة تقربنا
بها إلى الله ﴿فَلَا تُزَكُّوا
أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ [النجم:32]جاء عن الصحابي الجليل
أبي الدرداء رضي الله عنه قال : «لأن استيقن أنَّ الله تقبل مني صلاة واحدة أحب
إلي من الدنيا وما فيها».
نسأل الله عز وجل أن يتقبل منا جميعا صالح
الأعمال ، وأن يصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأن يصلح لنا دنيانا التي فيها
معاشنا ، وأن يصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، وأن يجعل الحياة زيادة لنا في كل
خير ، والموت راحة لنا من كل شر . أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر
المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله كثيرا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن
محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أمَّا بعد أيها المؤمنون: اتّقوا
الله تعالى ، واعلموا أن تقواه خير زاد يبلِّغ إلى رضوانه جل في علاه ، وتقوى
الله: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على
نورٍ من الله خيفة عذاب الله.
واعلموا أن
أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور
محدثاتها و، كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على
الجماعة .
وصلُّوا وسلِّموا
- رعاكم الله - على محمد ابن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال : ﴿إِنَّ
اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى
الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)).
اللهم صلِّ
على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وبارك
على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وارض
اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديِّين ؛ أبي بكرٍالصديق ، وعمرَ الفاروق ،وذي
النورين عثمان ،وأبي الحسنين علي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم
بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنِّك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم
أعزَّ الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى
الله عليه وسلم ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم كن
لهم ناصرًا ومُعينا وحافظًا ومؤيِّدا ، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك
، اللهم إنَّا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم . اللهم آمنَّا في أوطاننا ،
وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا
رب العالمين .
اللهم آتِ
نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليُّها ومولاها،اللهم إنا نسألك
الهدى والتقى والعفة والغنى. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات
والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . اللهم اغفر لنا ذنبنا كله ؛ دقَّه
وجلَّه ، أوله وآخره ، علانيته وسره . اللهم أنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك
العليا وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا من وسعت كل شيء رحمة وعلما أن تسقينا
الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين ، اللهم
أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا، اللهم إنا نسألك غيثًا مُغيثا ، هنيئًا مريئا
، سحَّا طبقا، نافعًا غير ضار ، عاجلًا غير آجل ، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان
وديارنا بالمطر ، اللهم إنا نسألك سقيا رحمة لا سقيا هدمٍ ولا عذابٍ ولا غرق ،
اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، وزدنا ولا تنقُصنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا . ربنا آتنا
في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب
العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبدالرزاق
البدر تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=125
|