الْعَمَلُ الصَّالِح
خطبة جمعة بتاريخ / 8-8-1435 هـ
إنَّ الحمد لله ؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ؛ من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وصفيُّه وخليلُه ، ومبلِّغ الناس شرعه ، ما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه ، ولا شرًا إلا حذَّرها منه ؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أمَّا بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله تعالى ، فطوبى لعبدٍ حقق تقواه ، وجاهد نفسه على طاعة ربه ومولاه، وحرص في حياته على الاستكثار من الأعمال الصالحة المبلِّغة رضاه .
أيها المؤمنون عباد الله : إن العمل الصالح هو المتجر الرابح والمغنم الراجح ، قال الله تبارك وتعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر:29-30] .
والعمل الصالح -معاشر المؤمنين- مجلبةٌ للسعادة مطردةٌ للشقاء ، قال الله تعالى : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل:97] .
والعمل الصالح -عباد الله- هو خير مرتجى وأفضل مدَّخر ، قال الله تبارك وتعالى : ﴿ مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ﴾ [الروم:44] ؛ أي يهيِّئون ويعدُّون ويقدِّمون .
والعمل الصالح -عباد الله- هو الموجب للفوز بالجنان ونيل رضا الرحمن ، قال الله تبارك وتعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾ [البينة:7-8] .
أيها المؤمنون عباد الله : والعمل الصالح مع القلب هو محل نظر الرب ونيل ثوابه ، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ)) .
أيها المؤمنون عباد الله : والعمل الصالح هو خير الرفقاء وأفضل الأصحاب ، ففي الصحيحين عن أنس ابن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاَثَةٌ ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى وَاحِدٌ ؛ يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ)) . قيل لبعض الحكماء من أبرُّ الأصحاب ؟ فقال : العمل الصالح.
أيها المؤمنون عباد الله : ولنتأمل في هذا الرفيق البار في يوم الوحشة يوم يقدِم على صاحبه عندما يكون في قبره ؛ ففي المسند عن البراء بن عازب في حديثه الطويل عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر حال الميت عندما يُدرج في قبره فذكر عليه الصلاة والسلام العبد المؤمن فقال : (( وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ فَيَقُولُ : أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ ؛ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ ، فَيَقُولُ لَهُ مَنْ أَنْتَ ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ ؛ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ)) . عباد الله ؛ ألا ما أهنأه يومئذٍ بعمله ، وأقرَّ عينه برفيقه وصاحبه ، يوم يخسر المبطلون ويندم المفرطون .
عباد الله : لقد ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة ، ولكلٍ منهما بنون ، واليوم عملٌ ولا حساب ، وغدًا حسابٌ ولا عمل ؛ فكونوا كن أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا .
أسأل الله جل في علاه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يعيننا أجمعين على ذكره وشكره وحُسن عبادته ، وأن يوفقنا أجمعين لاغتنام الأوقات بالأعمال الصالحات والطاعات الزاكيات ، وأن يبلغنا أجمعين رضوانه والجنة .
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله حمد الشاكرين ، وأثني عليه ثناء الذاكرين ، أحمده جل وعلا بما هو أهله سبحانه من عظيم الثناء وجزيل التعظيم ، لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد أيها عباد الله : اتقوا الله تعالى ؛ فإن من اتقى الله وقاه ، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه .
عباد الله : إن العمل لا يكون صالحًا إلا إذا كان لله خالصًا ، وللسنة موافقا ، كما قال الله تبارك وتعالى : ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف:110] ، وقال الله جل وعلا : ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك:2] قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى : «أخلصه وأصوبه» ، قيل يا أبا علي وما أخلصه وأصوبه ؟ قال : «إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل ، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصا لم يُقبل ؛ حتى يكون خالصًا صوابا ، والخالص : ما كان لله ، والصواب : ما كان على السنة» .
اللهم اجعل أعمالنا كلها لك خالصة ، ولسنة نبيك صلى الله عليه وسلم موافقة ، ولا تجعل لأحدٍ فيها شيئا .
واعلموا- رعاكم الله - أن أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدى هُدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكلَّ محدثةٍ بدعة ، وكلَّ بدعةٍ ضلالة ، وعليكم بالجماعة ، فإنَّ يد الله على الجماعة.
وصلُّوا وسلِّموا - رعاكم الله - على محمد ابن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) .
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد . وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبي بكرٍ الصديق ، وعمر الفاروق ، وعثمان ذي النورين ، وأبي الحسنين علي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم آتِ نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم , اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم كن لهم ناصراً ومُعينا وحافظاً ومؤيِّدا ، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم . اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم ولِّ على المسلمين أينما كانوا خيارهم واصرف عنهم شرارهم يا رب العالمين .
ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . اللهم اغفر لنا ذنبنا كله ؛ دقَّه وجِلَّه ، أوله وآخره ، علانيته وسره ، اللهم إنا نسألك علمًا نافعا ، ورزقًا طيبا ، وعملًا صالحا .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبدالرزاق البدر تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=125 |