بعض فوائد قصة موسى عليه السلام مع الخضر وفضل صيام عاشوراء
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ).( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ).( يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ).
أمََّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الكلامِ كلامُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدّثّةٍ بِدْعَة، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
عبادَ الله: لَقَدْ قَصَّ اللهُ علينا في كتابِه قَصَصاً طَيِّبةً وعظيمةً مِنْ أخبارِ رُسُلِهِ وأنبِيائِه, وذَكَرَ فيها مِنَ العِظاتِ والعِبَرِ ما يُحْيِي القُلوبَ, ويُثَبِّتُها وَيُقَوِّي الإيمان. وَمِنْ تِلْكُمُ القَصَص: ما أَخْبَرَ اللهُ بِهِ في سورةِ الكهفِ مِنْ رِحْلَةِ موسى عليه السلامُ إلى الخَضِر, وما تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الفوائِدِ الكثيرةِ التي سَنَذْكُرُ بَعْضَها:
أولُها: أَهَمِّيَّةُ طَلبِ العِلم, وحِرصُ الأنبياءِ على تَحْصيلِه, فإنَّ موسى عليه السلام, خَرَجَ إلى مَجْمَعِ البَحْرَين مِنْ أَجْلِ ذلك, معَ العِلْمِ أنه كَلِيمُ الله, وأعْلَمُ وأفضَلُ مِنَ الخَضِرِ عليهِ السلام. وفِي هذا دليلٌ على تواضُعِ موسى عليهِ السلامُ وأَخّْذِهِ العلمَ مِمَّن هو دونَه في العِلْمِ والمَنْزِلَة. قالَ مُجاهِدٌ رَحِمَه الله: " لا يَنالُ العِلًمَ مُسْتَحيٍ ولا مُسْتَكبرٌ ". فالمُسلِمُ لابُدَّ أنْ يَتَواضَعَ إذا أرادَ أن يَتَعَلَّمَ وَيسْتَفيدَ, وكذلِكَ لا يَنْبَغِي أنْ يمنَعَه الحياءُ مِنَ السُّؤال عَمّا يُشْكِلُ عليه في أَمْرِ دِينِهِ ودُنياه.
ومِنَ الفوائِدِ أيضاً: أنَّ الناسَ لَمْ يُؤْتَوْا مِنَ العِلْمِ إلا قَلِيلا, لِأَنَّ الله قالَ في شأنِ الخَضِرْ: ( آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ). وَهَذا هوَ الذي جَعَلَ موسى يَرْحَلُ إلى الخَضِر وَلَمْ يَكْتَفِ بِما عِنْدَهُ مِن العَلم, ولِذَلِكَ لما رَكِبَ موسى والخَضِرُ في السفينة, رَأَيا عُصْفوراً نَقَرَ نَقْرةً مِنَ البحرِ, فقال الخَضِرُ: " يا موسى: ما نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللهِ إِلاّ كَنَقْرَةِ هذا العُصْفورِ مِنْ هذا البَحْر ".
ومِنَ الفوائدِ أيضاً: أَنَّه إذا تَزاحَمَت المَفاسدُ, واضْطَرَّ الشَّخْصُ إلى ارْتِكابِ بَعْضِها, فَإِنَّه يَرْتَكَبُ أَخَفَّهُما ضَرَرا. وَمِثْلُ ذلكَ إذا تَزاحَمَتْ عليهِ المصالح, ولَمْ يدرِ بِأيِهِما يَبْدأُ, فَإِنَّه يَبْدأُ بِأعلاها وأَوْلاها. فَإنَّ اللهَ أَوحى إلى الخَضِر, أَنَّ الغُلامَ كافِرٌ وأنَّه سَيَفْتِنُ والِدَيْهِ عن دِينِهما ويَرْتَدَّا عنه, فَأرادَ الخَضِرُ أنْ يَدْفَعَ الشَّرَّ الكَبيرَ بارْتِكابِ الشَّرِّ الصَّغير, وَيُراعِيَ أَكْبَرَ المَصْلَحتين. وَمِثْلُ ذلكَ في خَرْقِهِ للسفينة, فَإِنَّه لَما خَرَقَها تَضَرَّرَت شيئاً يَسيراً يَضُرُّ بِأصحابِها المساكين, ولكنَّهُ يُمْكِنُ إصْلاحُه, بَيْنما لو بَقِيَتْ سليمةً لَذَهَبَتْ كُلُّها بيدِ ذلكَ المَلكِ الظالِم, وَحُرِمَ مِنها أَهْلُها.
ومنَ الفوائِدِ أيضاً: أَنَّ المِسْكينَ قَدْ يَكونُ لهُ مالٌ ولهُ تِجارةٌ يَتَمَوَّنُ مِنها, لِكنَّ دَخْلَها قَليلٌ لا يكْفِي حاجاتِهِ الأساسية, فَيَكُونُ مِسْكينا بِهذا الإعتِبار, لأَنَّ اللهَ أَخْبَرَ أنَّ هؤلاءِ المساكين يَمْلِكونَ سفينَةً يَعْمَلُونَ بِها في البحر.
ومِنَ الفوائِدِ أيضاً: أَنَّ العَبْدَ الصالِحَ يَحْفَظُهُ اللهُ في نَفْسِهِ وَذُرِّيَّتِه, لِقولِهِ تعالى: ( وَكانَ أَبوهُما صالِحاً ). حَيْثُ حَفِظَ اللهُ لَهُما مالَهُما بِسَبَبِ صلاحِ أبيهِما وَتَقواه وعِبادَتِه. وَهَذا يَدُلُّ على عِظَمِ شأنِ صلاحِ الآباء وأثَرِهِ على ذُريَتِهِم مِن بَعْدِهِم. بَلْ وحَتى بَعْدَ الموتِ فإنَّهم يَكونونَ سَبباً لِرفْعَةِ دَرجَةِ ذُرِّياتِهِم إذا ماتوا على الإيمان, لِقَولِهِ تعالى: ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ). وهذا يَدُّلُّ على أَنَّ اللهَ يُلْحِق بِهِم ذُرٍّيَتَهُم في الجنةِ إذا كانت الذُّرِّيَّةُ مؤمنة.
ومِنَ الفوائِدِ أيضاً: أَنَّ الخَضِرَ نَبِيٌّ وليسَ مُجَرَّدَ رَجُلٍ صالح, لأنَهُ قالَ في آخِرِ الأمْرِ: ( وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْري ), أي: أَنَّ كُلَّ ما رأيتَ يا موسى إنما هو وَحْيٌ مِنَ الله.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عباد الله: اعلموا أنكم في شَهْرٍ حَرَام، شَهْرِ اللهِ المُحَرَّم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أفضل الصيام بعد رمضان شهرُ الله المحرم، وأفضل الصلاةِ بعد الفريضة صلاة الليل ". فصيام هذا الشهرِ كاملاً مستحب بِنَصِّ هذا الحديث، وصيامُ بعضِهِ كذلك.
وآكدُ أيامِ هذا الشهر: هو اليومُ العاشر، فإنه اليومُ الذي نَجَّى الله فيه موسى وقومَهُ من فرعونَ وقومِهِ، قالت عائشة رضي الله عنها: لما قدِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلمَ المدينةَ وجد فيها اليهودَ تصومُهُ وتُعَظِّمَه فقال: " نحن أحق بموسى منكم ". وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صومِ يومِ عاشوراء؟ فقال: " يُكفر السنة الماضية ". وينبغي أن يُصَامَ مَعَهُ اليومُ التاسعُ لأنَّ الصحابةَ رضي الله عنهم قالوا يا رسولَ الله: إنه يومٌ تُعَظِّمُهُ اليهودُ والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فإذا كان العامُ المقبل صُمْنَا اليومَ التاسع ", فلمْ يأتِ العامُ المقبلُ حتى توفي رسولُ اللهِ صلوات الله وسلامه عليه. وأما صيامُ يومٍ قبلهُ أو يومٍ بعدهُ فلم يثبت فيه حديث صحيح ولكن ثَبَتَ أن ابن عباسٍ رضي الله عنهما كان يصومُ قَبْلَهُ يوماً وبعدَهُ يوماً فَرَقاً أن يفوتَه.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل, ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكّها أنت خير من زكاها, أنت وليّها ومولاها، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين، اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابِك وسنةِ نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ونجهم من الظلمات إلى النور وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن إخواننا في سوريّا، اللهم ارفع البلاء عنهم، اللهم ارفع البلاء عنهم، اللهم ارفع الظلم والطغيان عنهم، اللهم اكشف كربتهم، اللهم اجعلهم من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ومن كل بلاء عافية، اللهم اكسهم وأطعمهم، اللهم ارحم موتاهم واشف مرضاهم، وفك أسراهم وردهم إلى وطنهم رداً جميلاً يا أرحم الراحمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أغثنا، غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت، اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك من جميع ذنوبنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catsmktba-119.html
|