صلاح القلب وفساده
الحمد لله مقلب القلوب, وعلام الغيوب, لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء, يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور, ويعلمُ الظاهر وما هو في عزوب, أحمده حمداً كثيراً, وأشكره شكراً جزيلاً, فسبحانه من إلهٍ عظيم! قلوب العباد بين يديه, يقلبها كيف يشاء, ويصرفها فهو مصرف القلوب .
والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد الذي قال: " إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " فعليه من الله أفضل الصلاة, وأتم التسليم.
عباد الله: اتقوا الله, واعلموا أن في الجسد مضغة, إذا صلحت صلح الجسد كله, وإذا فسدت, فسد الجسد كله, ألا وهي القلب, هكذا أخبر الصادق المصدوق . فإذا كان الأمر كذلك, فهذه المضغة هي المحركة لهذا البدن بما احتواه من الجوارح, لذلك شبه العلماء القلب بالملك المطاع, والجوارح بجنود الملك, فإن كان صالحاً أمرها بالصلاح, وإن كان طالحاً أمرهما بالفساد, فكما قيل: فأنتم لنا قلب ونحن جوارح متى تصلحوا نصلح وبالعكس لازماً .
أيها الناس: إن هذه المضغة لها صفات ولها مصلحات ومفسدات.
أما صفاتها: فهي كالريشة بأرض فلاة, تقلبها الرياح ظهراً لبطن, فما ظنكم؟ فهي سريعة التقلب ما ( سمي القلب إلا لتقلبه) فاحذر على القلب من قْلبٍ وتحويلِ.
ومن صفاتها: أنها بيد الملك العلام, فهو الذي يقلبها كيف يشاء, فلابد من اللجوء إليه دائماً وأبداً وسؤاله السلامة .
ومن صفاتها: أنها لا تَصَلُح بكل دواء ولا يستطيعها كل طبيب إلا من وهبه الله طب القلوب .
عباد الله: أما صلاحها فقد بُيِّنَ لنا في كتاب ربنا وعلى لسان نبينا عليه الصلاة والسلام.
يقول تعالى : { الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {28} } الرعد.
{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ {2} } الأنفال.
فذكر الله عز وجل من قراءة القرآن وكثرة التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والأذكار والأوراد الشرعية من أعظم الأسباب المصلحة للقلوب. قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم من مئة مرة " رواه مسلم.
ومن أسباب صلاحها: دفع الشبه الواردة عليها بالعلوم النافعة والأعمال الصالحة, فكلما وردت شبهة ردها, لسنة وكذلك إبعادها عن مواطن الشبهات والشهوات.
ومن الأسباب المؤدية لصلاحها: ترك الفضول, كفضول الكلام, وفضول النظر, وفضول الطعام ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله, فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب, وإن أبعد الناس من الله صاحب القلب القاسي " رواه الترمذي .
وكثرة النظر يشتت القلب ويقطعه ويقطع عليه لذته لذلك جاء في الحديث: " إن النظر سهم من سهام إبليس", فكيف إذا أصاب هذا السهم القلب أو جرحه .
وكثرة فضول الطعام تثقل القلب, لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : "ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه " رواه أبو داود.
عباد الله : ما سمي القلب بهذا إلا لتقليبه فلنحذر على هذه القلوب من الزيغ ولنعلم أن نبي الأمة عليه السلام كان يقول : " اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك " . ويقول: " يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك ", وكان يقسم ويقول: " أي ومقلب القلوب ".
فاحذروا تقلبها, وداوموا على مراقبتها, وعلاجها: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {28}}الرعد .
أقول ما تسمعون, واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب, إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية لم ترد .
|