أهمية الصلاة ومكانتها
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم, وعلى آله, وأصحابه, وأتباعه, وبعد:
أيها الناس :
ثبت في الصحيحين, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله, وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وصوم رمضان, وحج البيت, من استطاع إليه سبيلاً ".
وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال :" رأس الأمر الإسلام, وعموده الصلاة, وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله" .
أيها الناس :
الصلاة شأنها عظيم, ومنزلتها عظيمة, وحظ المرء في الإسلام على حسب حظه في الصلاة, فلذلك كانت الصلاة مفروضة على من كان قبلنا.
قال تعالى مخبراً عن نبيه إبراهيم: { رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء {40} }إبراهيم
وقال : { رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ {37}}إبراهيم0
وأخبر عن زكريا بقوله : { فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ {39}} آل عمران
وأخبر عن عيسى : { قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً {30} وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً {31}}مريم
وأمر نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بإقامتها.
قال تعالى : { أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً {78}}الإسراء.
وقال تعالى : { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {114}} هود0
وقال تعالى : {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى {132}}طه.
ولما قدم المصطفى المدينة, شرع عليه الصلاة والسلام ببناء المسجد النبوي, الذي تخرجت منه الأجيال المؤمنة بربها, المجاهدة في سبيله, القائمة بأمر الله.
ولما بعث معاذاً إلى اليمن, قال له عليه الصلاة والسلام :" إنك ستأتي قوما أهل كتاب, فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله, فإن هم أطاعوا لك بذلك, فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة, فإن هم أطاعوا لك بذلك, فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم, فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم, واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب "متفق عليه.
كل هذا وغيره يدل على عظمة هذا الركن العظيم من أركان الإسلام, ولقد وردت الآيات العظيمة في كتاب الله الآمرة بإقامتها, وكذلك الأحاديث النبوية.
بل جعلت الصلاة فارقاً بين الكفر والإسلام, فمن أقامها فهو مسلم, ومن تركها فقد كفر.
ففي الصحيحين, من حديث جابر بن عبد الله, أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال:" إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ".
وقال عليه الصلاة والسلام:" العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة, فمن تركها فقد كفر " رواه أهل السنة.
وفي المسند من حديث ابن عمر, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من حافظ عليها _يعني الصلاة _ كانت له نوراً وبرهاناً, ونجاة يوم القيامة, ومن لم يحافظ عليها, لم يكن له نورٌ ولا برهانٌ ولا نجاة يوم القيامة, وحشر مع هامان وفرعون, وقارون, وأُبي بن خلف ".
عباد الله :
الصلاة صلة بين العبد وربه, فلا تتم العبودية إلا بها, لما يحصل فيها من التذلل والخضوع والانكسار بين يدي الرب سبحانه وتعالى, ولما فيها من الركوع, والسجود, والدعاء, والذكر, والتمجيد, والتحميد, والتقديس .
ولقد شبهها النبي صلى الله عليه وسلم بالنهر الجاري, ففي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جارٍ, غمر على باب أحدكم, يغتسل منه كل يوم خمس مرات ".
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه, أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم, يغتسل منه كل يوم خمس مرات, هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس, يمحو الله بهن الخطايا ".
أيها الناس:
اتقوا الله في صلاتكم, حافظوا عليها, فهي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض موته, حيث قال:" الصلاة الصلاة, وما ملكت أيمانكم".
عباد الله:
إن المساجد تشكوا إلى ربها قلة المصلين , وخاصة في صلاة الفجر, حيث يندي جبين المسلم عندما يرى كبار السن, أو بعض الصالحين يؤديها, وجيران المسجد في نوم عميق , عقد الشيطان عليهم عقده, ونصب عند رؤوسهم لواءه, وجعلهم من حزبه, وحرمهم خير الدنيا والآخرة .
أيها الناس:
قوموا بما أوجب الله عليكم, أدوها في أوقاتها مع جماعة المسلمين, أنتم وأبناؤكم, واسمعوا إلى مدح الله لنبيه إسماعيل عندما قال فيه : { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً {55}}مريم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ {4} الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ {5} الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ {6} وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ {7}}الماعون.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات, والذكر الحكيم, إنه كريم ملك بر رؤوف رحيم 0
--------------------------
تعظيم قدْرِ الصلاة
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: عباد الله اتقوا الله .
أيها الناس:
الصلاة عمود الدين, وركنه الأعظم بعد الشهادتين, من حفظها حفظ دينه, ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع, فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به خمسين فخففت إلى خمس بأجر خمسين, تفضلاً من الله, وكرماً, ورحمةً, ويسراً, يناجي العبدُ ربه وخالقه, ورازقه, ومتولي أمره, ومصوره, يناجيه في هذه الصلوات المفروضة, ليظهر ضعفه وحاجته, وفقره بين يدي مولاه ، الذي لا غنى له عنه طرفة عين, ولا أقل ولا أكثر، صلة بين العبد وربه، طاعة من أجلِّ الطاعات .
يستعان بها على النوازل والنكبات والمحن والفتن :{ وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ {45}} البقرة .
إذا اشتغل بها المسلم استراح قلبه, واستراحت جوارحه, واطمأنت نفسه.
أمر الله بإقامتها, وأثنى على المصلين، وجعلها فارقة بين الكفر والإسلام، {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {11} } التوبة.
تنهي أصحابها عن الفحشاء والمنكر، وهي علامة على الفلاح: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {2}} المؤمنون.
لا يحافظ عليها إلا مؤمن, ولا يتهاون بها إلا منافق, حدد الله أوقاتها وبينها النبي صلى الله عليه وسلم: من أداها في وقتها مع جماعة المسلمين, لقي الله غداً مسلماً, ومن استهان بها ضل .
عباد الله:
لقد هم النبي صلى الله عليه وسلم بإحراق بيوت المتخلفين عنها, وذلك لعظم أمرها, ونهى عن قتل المصلين لبيان قدرها، ولم يأذن للأعمى في التخلف عنها؛ بل أمره بإجابة ندائها مع قوله ليس لي قائد يلازمني .
قال ابن مسعود: ( من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات, حيث ينادى بهن, فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى, وإنهن من سنن الهدى, ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصل هذا المتخلف في بيته, لتركتم سنة نبيكم, ولو تركتم سنة نبيكم, لضللتم, وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور, ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد, إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق, ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف ) رواه مسلم .
أيها الناس:
عبادة هذا شأنها, وهذا شأن السلف معها, هل يستهان بها؟ وماذا تقول لأولئك التاركين لها بالكلية ؟ أو المتخلفين عنها ؟ أو الذين لا يشهدونها إلا كرهاً ؟
{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً {59}}مريم
وماذا تقول لرجال وشباب لا يعرفون صلاة الفجر إلا ضحى؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوها ولو حبواً " متفق عليه.
وماذا يقال لشبابنا الذين حافظوا عليها أوقات الاختبارات, فلما انتهوا فقدوا؟
{ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ {65}} العنكبوت.
عرفوا الله في الشدة, ونسوه في الرخاء, فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أيها المسلمون:
إن الصلاة صلة وثيقة بيننا وبين ربنا, فإذا انقطعت هذه الصلة هلكنا, ونحن الفقراء إليه, وهو الغني الحميد, ونحن العبيد, وهو الملك الجبار المتكبر العزيز الحكيم.
فعلينا أن نحافظ على ما فرض الله علينا, وأن نتقرب إليه بالنوافل .
أيها الشباب:
إن المعبود بالأمس هو المعبود اليوم, وهو المعبود الحق, وما سواه فباطل, وقد قال نبيكم عليه أفضل الصلاة والسلام لابن عباس: " تعرفَّ إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة " 0
وأنتم عرفتموه في الشدة, وتركتم الصلاة في الرخاء, ما هذا شأن العبيد, وما هذا شأن المتقين, وما هذا شأن الصالحين.
أيها الناس:
إن المساجد تكاد تهجر في صلاة الفجر, إلا من بعض كبار السن ومن هداه الله ، أما الأكثرية والأخص الشباب فلا يصلون الفجر، ولا ندري هل يصلونها ضحى أم مع الظهر, أم تترك؟ ولا يخفى على الله خافية.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : { حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ {238} }البقرة.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه, وسنة نبيه, والحمد لله رب العالمين.
|